مكتبة الاسكندرية :عرض صحفي لكتاب الجمهرة في أيام العرب للحافظ عمر بن شبة البصري
الاسكندرية "المسلة" …. نشرت مكتبة الإمام البخاري الطبعة الأولى من كتاب الجمهرة في أيام العرب، للحافظ عمر بن شبة، المتوفى 262 هجرية، بتحقيق وتعليق : أحمد عطية ( الباحث بمركز المخطوطات- مكتبة الإسكندرية)وهو كتاب من الكتب المهمة التي تفتقدها المكتبة العربية، خاصة فيما يتعلق بالدرس الأدبي، والتاريخي منه على وجه الخصوص، وتنبع هذه الأهمية من عدة أمور:
أولها: إنه يكشف النقاب عن فترة زمنية وقف البحث الأدبي أمام الكثير من أخبارها عاجزاً لقلة المصادر التيتخبرنا عن تفاصيل تلك الفترة التي تسبق الإسلام بحوالي مائة وخمسين سنة، والتي أرجع إليها كثيرٌ من الباحثين عمر الشعر الجاهلي.
وأهم ما في هذه الفترة الزمنية هي زمن حرب البسوس وما قبلها بقليل، وهي فترة وردت بعض أخبارها في الكثير من كتب الأخبار كالأغاني، ونهاية الأرب في فنون الأدب، والعقد الفريد، والكامل في التاريخ وغيرها من الكتب والمصادر، إلا أن ما ورد عنها في هذه الكتب هو مجرد إشارات فقط، أما تفاصيل تلك الفترة الزمنية والتي استمرت لحوالي أربعين سنة بين بكر وتغلب، فلا نجد من هذه المصادر ما يكشف النقاب عن الكثير من أحداثها، وهنا تتضح قيمة هذا المخطوط في عرضه لتفاصيل تلك الحرب وأسبابها وما نشب فيها، وأهم وقعاتها وأيامها، وأهم أبطالها ورجالها، وفوق كل ذلك عرضه لذلك التراث الشعرى الهائل والمادة التراثية التي أنتجتها تلك الفترة ، وهو أمر يثري البحث الأدبي ثراءً كبيراً.
ثم إنّ مؤلفه- ثانياً- أجمعت كتب التراجم على أنه ثقة صادق اللهجة غير مدخول الرواية كما عبر صاحب الفهرست مثلاً. وقال ابن أبي حاتم: كتبتُ عنه مع أبي، وهو صدوق صاحب عربية وأدب، وقال الدارقطني: ثقه، وذكره ابن حبان في الثقات وقال: مستقيم الحديث، وكان صاحب أدب وشعر وأخبار ومعرفة بأيام الناس، وقال الخطيب: كان ثقة عالماً بالسير وأيام الناس.
و الأمر الثالث الذي تتضح من خلاله قيمة هذا الكتاب هو تلك المادة الشعرية التي حواها في داخله لشعراء عُرفوا على الساحة الأدبية، ولكن لم يرد لهم في كتب التراجم والأخبار إلا القليل من الشعر، وطبعت دواوينهم بعد ذلك انطلاقاً من هذا القليل المتاح للباحثين، في حين أن هؤلاء الشعراء لهم إنتاج أدبي وفير كشف عنه هذ الكتاب الذي بين أيدينا، لأنهم عاشوا في تلك الفترة الزمنية موطن اهتمامه، وهي فترة حرب البسوس، ومن أمثال هؤلاء الشعراء الحارث بن عُباد، والمهلهل بن ربيعة، فكتاب الأغاني مثلاً لم يخبرنا إلا عن قليل من أشعار المهلهل والحارث قيلت في بعض الأحداث التي أشار إليها الأصفهاني في كتابه، وكذلك العقد الفريد،ونهاية الأرب، وغيرها من الكتب، وانطلاقاً من ذلك فقد طُبع ديوان المهلهل في قصائد معدودة، جمعه انطوان الفوال، وطبعته دار الكتب العلمية في بيروت، وأكمل الجامع بقية صفحات كتابه بإيراد صفحات من الكامل في التاريخ والأغاني تحدثت عن حرب البسوس، وذلك حتى يصلح الكتاب للنشر، لأن ما عرضه من قصائد للمهلهل قليله جداً، بالمقارنة بذلك الكم الوافر من أشعار المهلهل الذي كشف عنها هذا المخطوط ، وهي أشعار غاية في الروعة والفصاحة والبيان، وتؤكد في الكثير منها أن عمر الشعر الجاهلي يتعدى ذلك الزمن الذي قرره الباحثون بكثير.
ثم –رابعاً- تلك المادة الشعرية التي حواها المخطوط لعدد غير قليل من الشعراء الذين لم يعرفوا على الساحة الأدبية، والتي وردت عنهم إشارات في كتب الأخبار من أمثال الجليلة بنت مرة زوجة كليب بن ربيعة، وجساس بن مرة، وسعد بن مالك جد طرفة بن العبد، وليلى بنت لكيز زوجة البراق بن روحان الشاعر. والسفاح التغلبي، وغيرهم الكثير.
وقد حقق الباحث هذا الكتاب عن نسختين خطيتين توجدان في دار الكتب المصرية، الأولى تقع تحت رقم 1194 أدب، والثانية تقع تحت رقم 6375 أدب. وصدره بمقدمة ترجم فيها لمؤلف الكتاب، ومصنفاته المختلفة، ومكانة كتابه الجمهرة بين هذه المصنفات، ومنهج التحقيق، وقيمة الكتاب ومكانته، وما يمكن أن يضيفه إلى الحياة الأدبية.