الأقصر “المسلة السياحية” …. يعد متحف الأقصر، المكون من طابقين والمطل على الضفة الشرقية لنهر النيل في قلب مدينة الأقصر العتيقة بصعيد مصر، وهي إحدى عواصم مصر القديمة وكانت تعرف باسم طيبة، معلما فريدا لاستكشاف تاريخ مصر القديم عبر العصور المختلفة.
وتم افتتاح المتحف للزوار في العام 1975 من قبل الرئيس المصري الراحل أنور السادات، برفقة الرئيس الفرنسي السابق فاليري جيسكار ديستان.
وجرى بناء متحف الأقصر على مساحة تزيد على خمسة آلاف و300 متر مربع، ويتألف من حديقة بها أربعة تماثيل كبيرة ومبنى مكون من طابقين مقسم إلى ست قاعات تعرض حوالي 2200 قطعة أثرية تغطي العصور المصرية القديمة، بما في ذلك العصور الفرعونية واليونانية والرومانية والقبطية والإسلامية، غير أن الآثار الفرعونية هي الأكثر جاذبية لزوار المتحف.
وعلى الجانب الأيسر من البوابة الرئيسية للمتحف، تمثل الحديقة مع تماثيلها الأربعة ممرا يأخذ الزوار إلى باب المتحف ويهيئهم للأجواء التاريخية العتيقة التي تنتظرهم بالداخل.
ويستقبل الزوار بالحديقة تمثال واقف للملك رمسيس الثاني، يليه تمثال جالس للملك أمنحوتب الثالث، ثم تمثال واقف للملك مرنبتاح والأخير هو تمثال جالس آخر لأمنحتب الثالث.
وأوضحت الدكتورة سامية عبد العزيز مدير عام متحف الأقصر أنه “كان هناك تمثال آخر لأمنحتب الثالث ولكن تم نقله في أوائل العام 2018 إلى المتحف المصري الكبير المقرر افتتاحه في العام 2020”.
وأضافت أن المتحف يضيف قطع أثرية جديدة بين الحين والآخر للحفاظ على جاذبيته، مشيرة إلى أن قاعة التماثيل المسماة بـ “قاعة الخبيئة” أضيفت للمتحف في العام 1991 وفي وقت لاحق في العام 2004 تمت إضافة قاعة “مجد طيبة العسكري والتكنولوجي”.
وقالت عبد العزيز لوكالة أنباء ((شينخوا)) “إن أحدث إضافة للمتحف هو هذا التابوت الضخم للملكة تاوسرت التي تنتمي للدولة الحديثة في مصر الفرعونية والموجود بقاعة سوبك، التي سميت بهذا الاسم لاحتوائها على هذا التمثال الفريد للإله التمساح سوبك والملك أمنحتب الثالث”، مشيرة إلى تمثال مزدوج في وسط القاعة.
ويعتمد التصميم الداخلي للمتحف ذو الإضاءة الخافتة على منحدرات صاعدة وهابطة دون سلالم للربط بين طابقيه، فهو أشبه بالممر الدائري الذي يمكن للزائر من خلاله زيارة المتحف بأكمله ورؤية كل المعروضات.
ويتميز أيضا بتصميم داخلي يشبه الشرفة حيث يمكن للزائر في الطابق العلوي رؤية الطابق السفلي ومعروضاته.
وقالت إلين مولدر، وهي سيدة كبيرة السن من هولندا كانت تقوم بجولة في المتحف، إنه انتابها الفضول لزيارة مصر لأول مرة بعد مشاهدتها أخيرا معرض للآثار المصرية في بلدها.
وأضافت مولدر لـ((شينخوا)) “لقد عرفنا هناك الكثير عن مصر وأصبح لدينا فضول لزيارة الأقصر، فأنا شخصيا انبهرت بالمتحف وأعجبتني جميع التماثيل المعروضة، فهي حقا مميزة جدا وتتمتع بحس فني مدهش”.
ويجد الزائر عند دخول مبنى المتحف على الجانب الأيمن من الباب الرئيسي رأس ضخم من الجرانيت للملك أمنحوتب الثالث، وفي الجهة المقابلة رأس أخرى من الجرانيت للملك سنوسرت الثالث يليها تمثال جالس بلا رأس من الجرانيت الأسود يظهر فيه الوزير منتوحتب بهيئة الكاتب وفي وضع الاستعداد للكتابة.
وبدت مجموعة من ثلاثة شبان بريطانيين في حالة من الإعجاب أثناء تفقدهم بعض القطع الأثرية الفرعونية المعروضة في زاوية أخرى من المتحف وقراءة لوحات الشرح المرفقة بكل منها.
“ذهبنا إلى مجمع معابد الكرنك بالأقصر في وقت سابق اليوم وشاهدنا الكثير من الأعمدة الضخمة والتماثيل، لذلك جئنا إلى متحف الأقصر اليوم لاستكمال الصورة”، هكذا قال إدوارد جريس، وهو طالب جامعي بريطاني في العشرينات من عمره.
واستطرد جريس قائلا، “بالطبع سوف أوصي أصدقائي في إنجلترا بزيارة مصر، خاصة الأقصر ومتحفها الفريد”.
ومن بين الآثار النادرة المعروضة بالمتحف تمثال من الحجر الجيري للإله آمون بملامح وجه الملك المصري الصغير المعروف عالميا توت عنخ آمون، وتمثال مكسور الرأس على شكل أبو الهول راقدا في وضع تقديم القرابين، ومسلة صغيرة تابعة للملك رمسيس الثالث، ولوحة من الحجر الرملي تصور الملك رمسيس الثالث ويقدم قربانا للإله آمون رع، والعديد من القطع الأثرية الأخرى.
وينتمي معظم هذه الآثار إلى الدولة الحديثة والدولة الوسطى بمصر الفرعونية، أي من حوالي 3100 إلى 4000 سنة.
وتم نقل عشرات القطع الأثرية الخاصة بالملك توت عنخ آمون من متحف الأقصر إلى المتحف المصري الكبير بالجيزة ليتم عرضها أثناء افتتاحه المتوقع في أواخر العام 2020.
وأكدت الدكتورة سناء أحمد علي مدير عام متاحف مصر العليا أن “جميع القطع الأثرية الموجودة بمتحف الأقصر تعود إلى أناس عاشوا في الأقصر وأثروا في المدينة أو تأثروا بها، لذلك فإن المتحف معبرا حقيقيا عن تاريخ الأقصر وثقافتها”.
كما يتم عرض قطع أثرية فريدة أخرى بالمتحف مثل تمثال كبير للملك تحتمس الثالث جالسا على العرش، ورأس تمثال للملك أمنحتب الأول، وتمثال نصفي للملك أمنحتب الثاني، وتمثال للملك أمنحتب الثالث، وتمثال نصفي ورأس تمثال للملك إخناتون، وتمثال مزدوج للإله آمون وزوجته، وغيرهما.
وقالت مدير عام متاحف مصر العليا، “يمكن للسياح في الأقصر الاختيار بين أكثر من 600 موقع أثري مثل المعابد، والمقابر الموجودة في وادي الملوك ووادي الملكات، وعندما ينجذب السياح لزيارة متحف الأقصر بين كل تلك المواقع، فهذا يعني أن المتحف نجح في أداء مهمته الرئيسية”.
ولا يغادر معظم الزوار قاعة سوبك دون إلقاء نظرة على تابوت الملكة تاوسرت الضخم الذي يزن حوالي ستة أطنان، وهو أحدث قطعة أثرية تم إضافتها إلى متحف الأقصر.
ويبلغ عرض التابوت حوالي 120 سم وطوله 280 سم وارتفاعه 150 سم.
وقال الدكتور مصطفى وزيري، الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، إن هذا التابوت ظل في البر الغربي للأقصر منذ اكتشافه قبل 26 عاما قبل نقله إلى المتحف.
وأضاف وزيري لـ((شينخوا)) أن “متحف الأقصر هو واحد من أجمل المتاحف في مصر، ونحن في وزارة الآثار نحاول دائما إضافة شيء جديد إلى المتحف لينال إعجاب الزوار المتكررين في كل زيارة يقومون بها”.
وبجانب التوابيت الملونة والمومياوات الفريدة المعروضة بالمتحف، تعرض قاعة “مجد طيبة” نموذجين مصغرين من القوارب القديمة على متنها عدد من المجدفين والركاب والبحارة.
ولا يتردد على المتحف الزوار الأجانب فحسب، بل هناك العديد من الزوار المصريين، وخاصة سكان الأقصر، يمكن مشاهدتهم يتجولون بين قاعاته المختلفة.
وقال أدهم حجاج، 26 عاما، أثناء تجوله بالمتحف، إن “هذه ليست المرة الأولى التي أزور فيها متحف الأقصر، فالعديد من سكان الأقصر يحبون زيارة المتحف ويشجعون أولادهم على زيارته ويعلموهم أن يفخروا بتاريخهم وتراثهم”.