تحركات لجعل السياحة ثاني مورد مالي بعد النفط بالعراق
بغداد …. اسهم مشروع (النافذة الواحدة) الذي اطلقته وزارة السياحة والاثار بعد موافقة مجلس الوزراء عليه في زيادة اعداد السياح الوافدين من جميع بلاد العالم الى العراق، سواء كانوا راغبين بزيارة العتبات المقدسة او ضمن بعثات التنقيب او السفرات السياحية الداخلية او الخارجية.
ومع ذلك لم يشهد القطاع السياحي تحقيق طفرة ونهوضا كبيرا لوجود اسباب عدة، وهو ما تطمح الحكومة الى تجاوزها ما يجعله ثاني مورد بعد النفط.
خطط لاستثمار القطاع
وتأمل الوزارة وضمن خططها المستقبلية في جعل القطاع السياحي ركنا مهما لدعم الاقتصاد العراقي.
وبحسب مختصين في الشأن السياحي، فان القطاع شهد تراجعاً حادا خلال العقود الماضية على خلفية الحروب والأزمات العديدة التي عصفت بالبلاد، ما يتطلب ايجاد خطط مستقبلية تستند الى وقائع حقيقية لاستثماره بشكل علمي، كون ما تم في هذا الشأن، خلال الاعوام الماضية، لا يرقى الى المستوى المطلوب، ما يطرح تساؤلا مهما بشأن الكيفية التي يتوجب بها القيام بذلك.
الوزارة من جانبها كانت قد افتتحت خلال العام الماضي، عددا من المتاحف في البلاد التي كانت مغلقة لأسباب شتى، اهمها المتحف العراقي في بغداد ومتحف الناصرية في محافظة ذي قار، كما تعكف على افتتاح متاحف اخرى في السماوة وواسط وكربلاء خلال العام الحالي.
مشروع النافذة الواحدة
مشروع (النافذة الواحدة) الذي اطلقته وزارة السياحة والآثار التي دمجت مع الثقافة في شهر آب الماضي، اطلق من قبل ممثلين عن كل الجهات الحكومية المسؤولة عن اصدار سمة الدخول كوزارتي الخارجية والداخلية اضافة الى الجهات الامنية الاخرى، اذ اسهم في اصدار (الفيزا) في اسرع وقت ممكن، والتي اكدت الوزارة انه وبفضل هذا المشروع، اختزل وقت اصدارها مما يقرب من الشهر الى اربعة ايام فقط.
مدير دائرة الاعلام والعلاقات في الوزارة قاسم السوداني اوضح في تصريح خاص لـ»الصباح»، ان مشروع النافذة الواحدة سهل عملية دخول السياح الى البلاد من مختلف الجنسيات، والذي انعكست اثاره الايجابية في زيادة عددهم بشكل كبير، خاصة زوار العتبات المقدسة، ما اسهم في تضخيم الايرادات المالية للدولة، علاوة على خلقه فرص عمل جديدة للعاطلين في القطاع السياحي الذي يزخر بمشاريع واعدة ضمن بغداد والمحافظات كافة، عادا القطاع السياحي احد العوامل المهمة لدخول العملة الصعبة الى البلاد، ناهيك عما سيسهم فيه من تشغيل للقطاعات الاخرى كالشركات السياحية ووسائل النقل بأنواعها والفنادق والمطاعم واسواق بيع المقتنيات الاثرية والتراثية واصحاب الحرف والمهن والوظائف التي ترتبط بالقطاع بشكل مباشر او غير مباشر.
يشار الى ان سعر (الفيزا) المفردة للدخول الى البلاد، تصل قيمتها الى 40 دولارا، بينما يبلغ سعرها ضمن المجموعة السياحية 30 دولارا.
وكان رئيس هيئة السياحة في الوزارة محمود الزبيدي قد اكد في وقت سابق من الشهر الماضي، عزم وزارته تطبيق مشروع (الفيزا) الالكترونية الذي يدخل في اطار مشروع النافذة الواحدة المطبق حاليا، لافتا الى ان المشروع سيسهم في اختصار وقت اصدار (الفيزا) الى بضع ساعات بدلا من اربعة ايام حاليا.
766 فندقا
واشار السوداني الى ان وزارته تعمل بشكل مستمر على متابعة الفنادق والمطاعم والشركات السياحية بما يضمن تقديم افضل الخدمات الى السياح في مختلف المحافظات، مشيرا الى ان ملاكاتها ترافق الوفود السياحية من المطارات والمنافذ الحدودية حتى مقر الاقامة في الفنادق.
يذكر ان عدد الفنادق العاملة على وفق اخر احصائية لوزارة التخطيط، 766 فندقا، 11 منها مصنفة بأنها ذات درجة ممتازة، فيما يحمل 55 منها تصنيف الدرجة الاولى، اما بقية الفنادق فتتوزع بين الثانية والثالثة والرابعة.
وتبلغ حصة العاصمة بغداد من اعداد الفنادق الكلية، 182 في حين بلغ عددها في محافظتي كربلاء والنجف الاشرف، 279 و229 على التوالي، اما حصة محافظة البصرة التي تتسم بثقل اقتصادي وتجاري كبير، فلم تتجاوز الـ 29 فندقا.
ملتقى بغداد للسياحة
وتابع مدير دائرة الاعلام والعلاقات ان وزارته افتتحت في شهر نيسان الماضي، ملتقى بغداد للسياحة بحضور نواب ومدراء شركات سياحية، عادا الملتقى «رسالة مهمة» الى كل بلدان العالم نصها ان بغداد آمنة ومستقرة.
واشار الى ان مثل هكذا ملتقيات والتي شاركت بها اكثر من 40 شركة، من شأنها ان تعيد مكانة العراق الى مصاف الدول المتقدمة بمجال السياحة كونها تمتلك مناطق جذب قوية من المراقد والمزارات الدينية وكذلك الاماكن التاريخية والتراثية اضافة الى المصايف والمنتجعات المختلفة سواء في شمال البلاد او جنوبها.
واكد ان تفعيل القطاع السياحي من شأنه ان يرفد الحكومة بايرادات جيدة خلال العام الحالي تسهم في تعويض الانخفاض الحاصل باسعار النفط العالمية الذي اثر في موازنة البلاد، من خلال استقطاب عدد كبير من السياح او الشركات المختصة بنقلهم، مبينا ان وزارته تسعى وضمن خططها المستقبلية الى جعل القطاع السياحي الركن الثاني للاقتصاد العراقي بعد النفط.
الآثار العراقية المهربة
وكشف السوداني عن تسلم وزارته خلال العالم الماضي 483 قطعة أثرية من السفارة الأميركية في بغداد، كانت قد حصلت عليها قواتها خلال غارة شنتها على أحد مقرات عصابات «داعش» الإرهابية، مبينا ان الوزارة نظمت معرضا لتلك القطع المستردة في مبنى المتحف العراقي ببغداد.
ولفت الى ان وزارته مستمرة برصد ومتابعة وملاحقة كل الآثار التي تتاجر بها عصابات «داعش» الاجرامية بهدف استردادها، مشيرا الى ان القطع الأثرية التي تسلمتها الوزارة والتي تم ضبطها بأحد أوكار «داعش»، إنما هو دليل مادي دامغ على متاجرة تلك العصابات الإرهابية بالآثار العراقية.
واكد مدير دائرة الاعلام والعلاقات استمرار التنسيق مع منظمة (اليونسكو) التابعة للأمم المتحدة التي افصح ان تلك الجهود اثمرت إصدار قرارات أممية وفعاليات مهمة لصالح البلاد، كان اخرها اطلاق حملة دولية من مدينة (بون) الألمانية للتضامن مع الآثار العراقية.
بعثات التنقيب الأجنبية
وتعمل بعثات تنقيب اميركية وبريطانية وايطالية وفرنسية بمدينة أور الاثرية في الناصرية ضمن محافظة ذي قار التي تضم نحو 1200 موقع آثاري يعود معظمها إلى عصر فجر السلالات والحضارات السومرية والأكدية والبابلية والأخمينية والفرثية والساسانية والعصر الإسلامي، وتعد من أغنى المدن العراقية بالمواقع الآثارية المهمة، إذ تضم بيت النبي إبراهيم (ع) وزقورة أور التاريخية، فضلا عن المقبرة الملكية، وقصر شولكي ومعبد (دب لال ماخ) الذي يعد أقدم محكمة في التاريخ.
وسلمت بعثة (أستون بروك) الأميركية الى المتحف العراقي خلال الشهر الماضي، عشرات القطع الاثرية المهمة بعد انتهاء موسمها التوقيتي ضمن مدينة الناصرية، فيما سيستمر عملها أربعة اعوام مقبلة، كما أنهت بعثة التنقيب الفرنسية خلال المدة ذاتها، موسمها التنقيبي الأول في (مدينة تلّو) الأثرية بمحافظة ذي قار، على أن تعود لاستكمال عملها خلال العام الحالي الذي سيستمر على مدى خمسة اعوام، وعثرت تلك البعثة على 150 قطعة أثرية شملت أختاما وجرارا ومنقوشات توضح ان المدينة كانت عاصمة دينية في عصر فجر السلالات وتحديدا العام 2500 قبل الميلاد، وتعود آخر محاولة تنقيب فرنسية في المحافظة إلى 82 عاما مضت.
اما البعثة البريطانية فتعمل حاليا في موقع (تل خيبر) الواقع على مسافة 30 كيلومترا شمال غرب أور على ضفاف نهر الفرات، ويعود هذا الموقع إلى عصر سلالة البحر الأولى، بحدود القرن السابع عشر قبل الميلاد.
ومن الكشوفات المهمة العثور على وحدة إدارية تشغل ثلث مساحة الموقع البالغة ثمانية دونمات، والتي استخدمت في السيطرة على النقل النهري والتحكم بتبادل البضائع بين أور والمدن التي تقع على شمالها مثل (لارسا) و(أوروك).
فيما انهت البعثة الايطالية التابعة لجامعة روما والتي زارت مدينة الناصرية خلال الأعوام السابقة موسمها التنقيبي الخامس في موقع (أبو طبيرة) الواقع على بعد ثماني كيلومترات جنوب الناصرية والذي يعود إلى عصر الملك سرجون الأكدي أي 2500 قبل الميلاد.
السوداني بين بهذا الشأن ان عمل البعثات التنقيبية الدولية في ذي قار يأتي في إطار اتفاقيات موقعة مع دائرة الآثار ومحددة بسقوف زمنية، ويتضمن الاتفاق على اشراك ملاكات محلية ترافق أعمال البعثة بما لا يقل عن أربعة آثاريين في كل موسم، بهدف تنمية خبراتهم وتعزيز صلتهم بالخبرات العالمية في هذا الميدان.
وفي اطار متصل، اكتشفت بعثة التنقيب الفرنسية محيط معبد في موقع تلو شمالي المحافظة.
وقالت رئيسة لجنة السياحة والاثار في مجلس محافظة ذي قار اجيال الموسوي في تصريح لمراسل»الصباح»: ان بعثة التنقيب الفرنسية التي انهت اعمال موسمها التنقيبي في موقع تلو في ناحية النصر شمالي المحافظة عثرت على مكتشفات كثيرة منها محيط معبد قديم واوان فخارية واختام ومسكوكات كثيرة.
وبينت ان تلك الاثار سلمت الى مفتشية اثار ذي قار ومتحف الناصرية لتسليمها فيما بعد الى المتحف الوطني في بغداد، داعية علماء الآثار وبعثات التنقيب الدولية للقدوم إلى المحافظة والتنقيب فيها.
المتحف الوطني العراقي
وفي شهر اذار الماضي، افتتحت الوزارة المتحف الوطني العراقي بعد 12 عاما على اغلاقه، بجميع قاعاته البالغة 23 بعد تحديثها وعرض مقتنيات جديدة، كما اضيفت مبان خاصة بالزائرين إلى المتحف كالاستراحات والكافتيريا.
ورتبت قاعات الحضارات في المتحف بحسب قدمها? حيث تكون قاعات الحضارات الأقدم في بداية المتحف وكلما تعمق الزائر كلما تقدمت اثار الحضارات إلى الاحدث وصولا إلى الاثار الإسلامية في نهاية المتحف.
وتعرض المتحف خلال شهر نيسان من العام 2003 لأكبر عملية سطو وسرقة للآثار في التاريخ، فقد سرقت منه ومن بقية المتاحف العراقية? أكثر من 15 ألف قطعة أثرية وملايين الوثائق? بيد ان الحكومة تمكنت بمعاونة جهات دولية عدة كـ(اليونسكو)? من استعادة نحو خمسة آلاف قطعة منها وتسعى لاستعادة القطع المسروقة الأخرى? في حين ما يزال القسم الأكبر من أرشيف الدولة العراقية موجوداً في الولايات المتحدة.
ويعد المتحف العراقي من بين أقدم المتاحف في منطقة الشرق الأوسط? إذ يعود تاريخ تأسيسه إلى العام ?1923 ويضم مجموعات أثرية تؤرخ تاريخ حضارات ما بين النهرين، التي تعد الاعرق والاهم تاريخيا.
وبهذا الخصوص اكد مدير دائرة الاعلام والعلاقات في الوزارة، ان افتتاح المتحف بهذا التوقيت جاء ردا على تدمير عصابات «داعش» الارهابية للاثار في مدينة الموصل، مشيرا الى ان وزارته مستمرة بافتتاح المتاحف في عدد من المحافظات.
ونشر ارهابيو «داعش»، في شهر شباط الماضي، مقطع فيديو يظهر عناصره وهم يهشمون القطع الأثرية في متحف الموصل بالمطارق والحفارات اليدوية (الدريلات)، في حين قاموا بتحطيم التماثيل الأثرية على سور نينوى الآشوري، وأبرزها الثور المجنح، باستخدام الحفارات اليدوية، بزعم أنها أصنام وثنية لا يجوز الإبقاء عليها.
افتتاح متحف الناصرية
وفي ما يتعلق بخطة الوزارة لافتتاح عدد من المتاحف، كشف السوداني عن افتتاح متحف الناصرية بمحافظة ذي قار خلال العام الماضي بعد إغلاق دام 24 عاما، لافتا الى انه تم تزويده بـ600 قطعة أثرية، من ضمنها 198 قطعة ترجع إلى الحقبة البابلية، سلمتها بعثة تنقيب بريطانية من جامعة مانشستر الى وزارته.
من جانبه، قال مدير دائرة المتاحف في الوزارة، أحمد كامل محمد في تصريح خاص لـ»الصباح»: ان دائرته تستعد لافتتاح متحف السماوة الكبير خلال العام الحالي، والذي سيضم العديد من القطع الاثارية المهمة، لافتا الى ان وزارته وضمن خططها المستقبلية تسعى الى افتتاح متاحف في محافظات واسط وكربلاء المقدسة وميسان.
واكد ان التقشف انعكس على عمل الوزارة، لافتا الى ان افتتاح تلك المتاحف سيسهم في زيادة الايرادات المالية المتحققة وبالتالي دعم عمل الوزارة بهذا الشأن.