المسلة السياحية
النجف الاشرف/ فراس الكرباسي
في الاول من تشرين الاول/اكتوبر 2019 كانت انطلاقة شرارة جيل التسعين ضد الحكومة احتجاجا على التردي الحاصل في البلد من استشراء واضح للفساد الاداري والمالي وانتشار البطالة.
ان ما فهمه هؤلاء الشباب ومن خلال عدة ثورات اندلعت سابقا -جميعها لم تلبي مطالبهم، ولم تطرح أية حلول سواء (الآنية أو المستقبلية)،- ان التغيير ضرورة لابد منها، وان يوكل الامر لطبقة سياسية جديدة نزيهة ليس عليها أي مؤشر تحقق لهم مطالبهم المشروعة، من خلال تنمية كافة المجالات الزراعية والصناعية والاستثمار والسياحة والخدمات.
وفي هذا السِياق؛ أبدى أعضاء مركز الرافدين للحِوار R.C.D رؤيتهم، من خِلال النِقاش الذي دَار بينهم حول ذلك الموضوع، وقد كان من ضِمن المُتحاورين ثمانية شخصيات وهم كل من: علاء الحطاب مقدم برنامج في قناة العراقية الاخبارية، والحقوقي نبيل المياحي ،والدكتور باسل حسين وهو باحث في المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية ،وماجد الساعدي رئيس مجلس الاعمال العراقي في الاردن، والكاتب والصحفي سرمد الطائي ،وعضو مجلس النواب العراقي السابق هاشم الموسوي، والاكاديمي زيد النجار ، والصحفي والاعلامي مازن الزبيدي.
((الحكمة تقتضي عدم تخوين الشباب))
وقال الاعلامي علاء الحطاب: ان الحكمة تقتضي عدم تخوين هؤلاء الشباب بل استيعابهم وترك لغة الرصاص، فشرارة هؤلاء الشباب اذا انطلقت لن يوقفها احد، لا تستطيع حتى المرجعيات الدينية او الزعامات الدينية ان توقفهم وسيكون من السهل تحريكهم والتأثير بهم، لانهم يفكرون بطريقة راديكالية.
واضاف الحطاب: ان شباب لا تعرف شيئا عن النظام السابق لذا فهي لا تستطيع المقارنة مع ذلك النظام بل تشاهد امامها نظم سياسية محترمة وتقارنها بالعراق تشاهد رفاهية الخليجي وديمقراطية الأوربي، شباب تعي ان هذا البلد فيه خيرات وهم محرومون منها شباب تعي ان لهم حقوق لم يحصلوا عليها.
وتابع الحطاب: ما يفهمه هؤلاء الشباب ان التغيير ضرورة لابد منها، لان البقاء في الوضع الحالي يعني انعدام فرص تحقيق مطالبهم فلا خيار لديهم الا بالتغيير وهنا بيت القصيد بدل ان يحدث التغيير من الاسف الى الاعلى وهذا ثمنه باهض جدا سيما مع وفرة السلاح وقابلية استخدامه، فليبدا التغيير من الاعلى الى الاسفل او التغيير من خلال التفاوض وهذا يعني ان النظام السياسي يغير من نفسه وأيدولوجيته وادواته، كيف؟
من خلال توفر ارادة سياسية حقيقية بترك كل ما انتهجته الكتل السياسية سابقا من امتيازات وتجاوزات وفساد وانشطة وعمالة اعتادت عليها وايكال الامر لطبقة سياسية جديدة حتى وان كانت من داخلهم لكنها طبقة ” شابة” نزيهة لم يؤشر عليها ومنحها ” الارادة السياسية” التي تنمي، الزراعة – الصناعة – الاستثمار – السياحة – الخدمات واذا توفرت الارادة السياسية توفرت كل الحلول وان بقي الوضع كما هو ستخرج غدا وبعد غد تظاهرات وتظاهرات وبأشد مما حدث وتسرع من نهاية هذا النظام السياسي.
((استغلال غضب الشارع))
اما نبيل المياحي فقد ابدى رأيه بالموضوع قائلا: ان ما يحدث بالعراق هو عبارة عن استغلال غضب الشارع العراقي بسبب سوء ادارة الدولة والفساد المستشري بالوزارات ومفاصل الحكومة من قبل جهات داخلية وخارجية تريد عدم الاستقرار للعراق، ولكن كان على الحكومة والقوات الامنية التصرف بحكمة مع المتظاهرين وعدم الانجرار للمواجهة، كون الجميع عراقيين واخوة وهناك جهات كثيرة تريد خراب ودمار عراقنا الحبيب وعلى الحكومة ان تلبي بعض مطالب المتظاهرين وبشكل مستعجل وعلى البرلمان عقد جلسة طارئة لوضع حلول للمشاكل التي تعصف بالبلد خوفا من ان تخرج الامور عن السيطرة.
((النظر من برج عال للظاهرة الشبابية لن يحل المشكلة))
من جهته، فقد قال الدكتور باسل حسين: في كل مرة يحاول الجمهور اظهار معاناته من رحى السلطة التي تطحنه طحنا لا رحمة فيه في سعي منه إلى خرق جدار اللامبالاة، تحضر معها الاتهامات الجاهزة كآلية دفاع مسبقة للتخلص من عبء التكيف والاستجابة للمطالب الجماهيرية من جهة ولقمع هذه المحاولات من التعبير عن نفسها من جهة أخرى، بما يجسد الفارق الحقيقي بين كتلة محبطة تزداد حنقا ونقمة وتوسعا في كتلتها باحثة عن حلول لمعضلاتها وبين فئة محتكرة النفوذ والسلطة والثروة يبدو الحوار مع الحجر أكثر يسرا من التعامل معها ومع العقول التي تمثلها والتي تكلست وتحجرت مع مرور الوقت وباتت تعتقد أنها الحقيقة الأعلى.
واضاف حسين: النظر من برج عال للظاهرة الشبابية لن يحل المشكلة، وتقديم الحل الأمني على بقية الحلول الأخرى يعكس دفاعا غريزيا من السلطة وهو ما يعزز القول أن السلطة تتصرف غريزيا من دون أفكار.
من جهة أخرى معظم المعترضين على الحراك الشبابي ينطلق من ( الجمهور النفعي) لاسيما الجمهور الحزبي إضافة إلى( نخب) نفعية من دون مقاربات سوسيولوجية للحدث او محاولة فهمه.
((العملية السياسية صعبة والاستشارات مستمرة))
وكان للأستاذ ماجد الساعدي رأي بالموضوع حيث قال: منذ سقوط النظام والى اليوم يقوم سفراء الدول العظمى وغير العظمى بلقاء كبار المسؤولين وتقديم النصح والافكار والحلول لهم، لقد تعودوا على ذلك بسبب الطبقة السياسية التي تحمل جوازات هذه الدول (اي انهم مواطنيها) العملية السياسية صعبة ونسأل الله ان تمر الامور بخير وبدعم الاصدقاء وشعبنا الصابر ونتعدى هذه المحنه الى بر الامان.
((اطلاق النار ضد المتظاهرين سيحول عبد المهدي الى بشار الاسد))
اما الصحفي سرمد الطائي قال:اطلاق النار ضد المتظاهرين هو عناد يهدف الى تحويل عبد المهدي الى بشار الاسد… وقف النار هو بداية لحوار اهلي جديد نتكاشف فيه شعبا واحزابا. من يستطيع الاجابة على هذا السؤال هو طرف لا يخشى ايران ولا امريكا. والعراق الان بحاجة الى طرف لا يخشى ايران ولا امريكا. وتأخر ظهور هذا الطوف معناه استهتار بكل التضحيات العظيمة. ليس امامنا اسبوع بل يوم او بضعة ساعات قبل حلول كارثة.
((كل الحلول التي طرحتها الحكومة هي حلول بائسة))
وعلى صعيد متصل، قال هاشم الموسوي: فيما عدا قرار وزارة المالية بالموافقة على اعادة 100 الف منتسب من المفسوخة عقودهم والمفصولين الى صفوف الجيش ودعوتهم للالتحاق بوحداتهم … فان كل الحلول التي طرحتها الحكومة هي حلول بائسة لم تلتفت الى جذر المشكلة وابقت جذور فقر الدولة وضعفها من دون معالجة.
واضاف الموسوي: نصيحتي الى السيد رئيس الوزراء والاخ رئيس البرلمان قد تندمان بعد ثلاثة اشهر على حلول عرجاء تنفس الوضع المحتقن الان وتحقنه بصورة اكبر بعد حين، لتكن خطوات الحل موزونة متأنية قابلة للتطبيق وفيه فائدة ونفع دائم ، انتم تفتحون على الدولة بما اراه من حلول مستعجلة ابواب الانهيار الحتمي … والابتزاز المستمر لمقدراتها .
وتابع: وهل الحل موجود لدى الحكومة لكسب الوقت وكنوع من انواع الاستجابة للنداءات؟ نعم الحل موجود ولا اقصد الحل الجذري بل الحلول المؤقتة لعام او عامين التي تكسب الحكومة مزيدا من الوقت للتأمل واتخاذ خطوات جريئة… وعلى ماذا تعتمد الحلول؟ على الحكومة ان تكون منصفة وتقوم بتدوير الاموال التي بيدها لتسكين فورة المحتجين ومن دون خسائر على المدى البعيد ، ومن اين تأتي بالأموال ،هذا السؤال تعرف الحكومة جوابه وعرضته على بعض الاخوة.
وبين الموسوي: ان اعداد المتظاهرين لا تتجاوز حتى 10% من اعداد المتظاهرين على الاقل في تظاهرات 2018، تعامل الحكومة غير المدروس مع التظاهرات وكثرة الشهداء والجرحى جعل منها اكثر واكبر التظاهرات تحديا لوجود الدولة ولا اعتقد ان القضية ستحل باستقالة حكومة او انتخابات مبكرة ، هناك معاناة اقتصادية لدى شريحة واسعة من الشباب الذين اصبحوا يستشعرون الموت وهم احياء داخل المجتمع ، وهم مصداق للمأثور*عجبت لمن لا يجد قوت يومه كيف لا يخرج على الناس شاهرا سيفه*
وختم الموسوي قوله: ان الحلول الطويلة الامد لا يمكن ان تنجز خلال فترة وجيزة نظام الدولة السياسي وواقعها في تحد كبير ولابد من اللجوء الى حلول قصيرة الامد توفر لهؤلاء الجياع كرامتهم وتمنح الاخرين وقت للعمل بجد.
((كنت أتوقع ما جرى وما سيجري قبل تشكيل هذه الحكومة))
ومن جانب اخر، قال زيد النجار: قد لا يكون من الدقيق تقدير جماهيرية الغضب الشعبي بأعداد المتظاهرين وربما الأقرب إلى الدقة هو تذكر صورة فراغ المراكز الانتخابية خلال انتخابات 2018، وما جرى بعدها من فضائح تتعلق بالأجهزة وحرق الصناديق وأنا كنت أتوقع ما جرى (وما سيجري والعياذ بالله) حتى قبل تشكيل هذه الحكومة، فبغض النظر عن شخص رئيس الحكومة كان مسار النظام السياسي واضح لدي وان هناك انغلاق تام للأفق السياسي وانعدام فرص العمل الاقتصادي، وانفصال الطبقة السياسية عن الواقع انفصالاً تاماً ولا توجد حلول سحرية بالتأكيد، ولكن لا يمكن للشعب أن يقبل بمحاولة خداعه أو رشوته.
واضاف النجار: ان الحل الممكن والواقعي والسلمي، من وجهة نظري، هو التفكير في إجراء تغيير سلمي للنظام السياسي، وبأسرع وقت، يتضمن إجراء تعديلات دستورية أساسية، وتغييرات جوهرية في قوانين الانتخابات ونظام الحكم الاتحادي والمحلي، مع وعد باعتزال الطبقة السياسية الحالية (شلع قلع بما فيهم القادة الملهمين)، مقابل طي صفحة الماضي وإجراء مصالحة مجتمعية. ويمكن تضمين ذلك بتشريعات واضحة وعبر مراحل زمنية واضحة، وبضمانات دولية وقد يبدو ضرباً من الخيال، ولكن هو أهون من البدائل القاسية الأخرى، كفى الله شعبنا شرها، فالوضع الحالي غير قابل للاستمرار، والتغيير حتمي، ولا يمكن لأحد أن يتوقع ما الذي سيفعله العراقيون إذا ما خرج غضبهم عن السيطرة.
وتابع النجار:مرة أخرى أقول لماذا لا تفكر الطبقة السياسية خارج الصندوق؟ لعله من مصلحتها أن تقود هي التغيير السلمي لنظام الحكم.. ما المانع؟ عسى أن يذكرها لها التاريخ. وهذه دعوة للتأمل الذي قد يجدي نفعاً.. أيتها الطبقة السياسية، دعي عنك أوهام القيادة والعظمة والأمجاد، وفكري جدياً بقيادة التغيير الحقيقي… إنها فرصة.. ولن تبقى طويلاً فرصة قد تتمنوها بعد حين ولا تطولوها.
((نريد تشريعات تقر بسرعة دون مرورها بمطبخ المزايدات))
واما مازن الزبيدي فقد قال: في عام 2015 طرح مقترح لتعديل عملية التشريع وتجاوز فخ القراءتين، نريد تشريعات تقر بسرعة دون مرورها بمطبخ المزايدات، والبرلمان يجب ان يضع حاليا نصب عينه حزمة قوانين يكون لها مساس بحياة المواطنين.
((لن يستطيع احد العمل بصورة صحيحة في هذا الظرف الضاغط ))
واما الاستاذ هاشم الموسوي فقال مرة اخرى: اظن ان الحكومة بكل مستوياتها تسابق الزمن وزمنية التشريعات ليس امرا دستوريا بل هي اليات ضمن النظام الداخلي يستطيع البرلمان تجاوزها بمدد خاطفة واستثنائية بحسب صلاحياته المشكلة اننا اي نوع من التشريعات نريد ؟؟ وهل يمكن لمن خدر لمدة 15 عاما ان يجد لهذه التشريعات اثرا وفي اي ظرف ؟؟ وان في هذا الظرف الضاغط المتصاعد لن يستطيع احد العمل بصورة صحيحة في هذه الظروف وهي ليست فترة الحلول الاساسية التي اقلها يحتاج الى مدة زمنية الله اعلم بها.
((الخلاصة نقطة حوار RCD))
كانت خلاصة نقطة حوار لمركز الرافدين للحوار RCD اربعة نقاط وهي: الاولى،بروز جيل جديد غير متأثر بإسقاطات النظام السابق وتركته وغيرها من الحيثيات التي يتأثر بها الأجيال السابقة، واما النقطة الثانية فهي اتفاق النخب العراقية على وجود خلل في العملية السياسة ولابد من اجراء إصلاحات حقيقة ترضي المواطنين.
وكانت الخلاصة الثالثة هي انه رغم الحاجة الى الإصلاحات الجذرية الا ان الإصلاحات المرحلية أيضا ضرورية لتهدئة الجمهور وتحقيق بعض مطالبهم. واخيراً فانه على الرغم من قلة عدد المتظاهرين في الموجة الأخيرة للتظاهر الا ان العنف الذي رافقها جعلها تأخذ صدى واسع لدى النخب والمسؤولين والمواطنين.