المسلة السياحية
حدد مجلس الوزراء المصري يوم الثلاثاء خمسة متطلبات لمنح الجنسية للأجانب من خلال الاستثمار في اقتصاد البلاد، بموجب القانون رقم 90 لعام 2019، وهو قانون أقره البرلمان مؤخرا.
تتضمن المتطلبات إما شراء عقارات مملوكة للدولة أو لأحد الأشخاص الاعتبارية العامة تبلغ قيمتها 500000 دولار أو أكثر، أو إنشاء أو المشاركة في الاستثمار في مشروع استثماري بقيمة 500000 دولار أو أكثر.
وتشمل الحالات الأخرى إيداع 750000 دولار من خلال التحويل البنكي المباشر من الخارج إلى حساب خاص بالبنك المركزي المصري واستردادها بالجنيه المصري بعد خمس سنوات بدون فوائد، أو إيداع مليون دولار من خلال التحويل البنكي المباشر من الخارج في حساب خاص بالبنك المركزي واستردادها بالجنيه المصري بعد ثلاث سنوات بدون فوائد.
أما الحالة الخامسة فهي إيداع 250000 دولار غير قابلة للاسترداد من خلال التحويل البنكي المباشر إلى البنك المركزي.
لفترة طويلة، لم تكن برامج المواطنة عن طريق الاستثمار مستحسنة، بل رفضت مصر تنفيذ هذا البرنامج من قبل بسبب التكلفة الاجتماعية التي تتحملها. فمع تحول الجنسية إلى سلعة، يمكن أن يتأثر مفهوم المواطنة بحد ذاته. فعملية تبادل سلعة ذات قيمة أعلى (المواطنة) مقابل سلعة ذات قيمة أقل (نقود) لا تدمر فقط قيمة المواطنة ولكنها تفسد أيضا ثقة الجمهور في تلك المؤسسة بطريقة لا يفعلها التجنس بناء على أسس أخرى. *
ومع ذلك، فإن العديد من البلدان قد طبقته الآن كإحدى أدوات جذب الاستثمار الأجنبي المباشر. ويعنى الأفراد/المستثمرون في إطار هذه البرامج ببدء عمل جديد أو زيادة القدرة على التنقل بفضل السفر بدون تأشيرة أو بتوفير تعليم وفرص عمل أفضل للأطفال أو الحق في العيش في بلد يتمتع بالاستقرار السياسي. **
لا يعني تنفيذ برنامج المواطنة عن طريق الاستثمار أن مصر تتجاهل الحاجة إلى اتباع التحول الهيكلي اللازم لجذب الاستثمارات من خلال قنواتها العادية. فقد احتلت مصر المرتبة 114 من أصل 190 دولة في تقرير ممارسة أنشطة الأعمال لعام 2020 مقارنة بتركيا التي احتلت المرتبة 33 من أصل 190. بالإضافة إلى ذلك، فإن البلدان الأخرى التي تقدم برامج المواطنة عن طريق الاستثمار (كندا وفرنسا والمملكة المتحدة وقبرص ومالطا وتركيا والأردن إلى آخره) تتمتع بامتيازات تفتقر إليها مصر، على سبيل المثال السفر بدون تأشيرة إلى العديد من الوجهات الجاذبة والوصول إلى العمالة الماهرة. وعليه، يتطلب جذب الاستثمارات والعملات الأجنبية أكثر من مجرد منح الجنسية. فمصر تحتاج إلى تحسين الحوافز الأساسية أولا، مثل تحسين مناخ الأعمال، وبناء بنية تحتية جيدة، والحد من الروتين، وخفض تكاليف المعاملات، وتحسين التنسيق بين المؤسسات، وتعزيز مهارات العمل، وتحسين نظام التعليم.
ولكي ينجح برنامج المواطنة عن طريق الاستثمار في مصر، ينبغي تصميمه بحيث يتناسب مع احتياجات الاقتصاد المصري، وعلى رأسها توفير فرص العمل. ولأجل توليد وظائف من برنامج المواطنة، يجب تحديد حد أدنى معين لعدد فرص العمل الناتجة عن المشاريع الاستثمارية الجديدة. فقد استحدثت تركيا، على سبيل المثال، برنامج المواطنة من خلال الاستثمار في خضم انخفاض قيمة عملتها لكنها وضعت معيارا لتوظيف 50 موظفا على الأقل. لذلك، فإن إعطاء الأولوية للمشاريع الاستثمارية في القطاعات الإنتاجية للاقتصاد، مثل التصنيع، سيساعد على خلق فرص عمل منتجة وتعزيز إنتاجية الاقتصاد.
تتسم عمليات تقييم المخاطر المرتبطة بهذه البرامج بأنها بالغة الأهمية. فيلزم إجراء عمليات فحص صارمة للسجل الجنائي بسبب المخاوف المتعلقة بالأمن القومي. ففي الاتحاد الأوروبي، يتم تضمين عمليات التحقق من السجلات الجنائية في الإطار القانوني الذي يحكم برامج المواطنة عن طريق الاستثمار. بالإضافة إلى ذلك، تقتضي البلدان الأعضاء التي تدير هذه البرامج صراحةً من مقدمي الطلبات الإعلان عن أصل الأموال المستثمرة. *** بالإضافة إلى ذلك، إذا لم يتم إجراء عمليات فحص للسجل الجنائي بشكل صحيح، فسيشكل ذلك خطرا على البلدان التي يمكن للمصريين الدخول إليها بدون تأشيرة، مما يؤدي إلى توترات غير ضرورية واحتمالية إلغاء الدخول بدون تأشيرة بالكامل.
وبسبب الطبيعة المتقلبة لتدفقات برامج المواطنة من خلال الاستثمار ومدى التعرض لمخاطر التوقف المفاجئ لهذه التدفقات، تقترح دراسة أجراها صندوق النقد الدولي*** إنشاء صندوق للثروة السيادية. وإذا تم ذلك اتساقا مع أفضل الممارسات، فمن شأن ذلك تعزيز إطار حوكمة قوي لإدارة واستثمار الموارد الموفرة، وزيادة الشفافية، مما يتيح مزيدا من الاستخدام المستدام لهذه الموارد في المستقبل لصالح مواطني البلد المضيف. لذلك، يُوصَى بالتنسيق مع صندوق الثروة السيادية المصري لإدارة التدفقات الوافدة المحتملة.
بالإضافة إلى ذلك، يمثل الافتقار إلى البيانات المتاحة عن تكاليف وفوائد برامج المواطنة عن طريق الاستثمار وأوجه عدم اليقين التي تنطوي عليها في المدى الطويل للاقتصاد والمجتمع، عقبة أمام تصميم وتنفيذ سياسات مستدامة طويلة الأجل. ***
وبالنظر إلى المخاوف المذكورة أعلاه:
هل جرى تنفيذ هذا البرنامج بسبب زيادة الطلب من المستثمرين الأجانب لتوفير الجنسية كشرط أساسي للاستثمار في مصر؟
هل كان هذا البرنامج مبنيا على تحليل للتكلفة والفائدة، والذي يبين بوضوح المخاطر المرتبطة به؟ وهل تفوق الفوائد التكاليف الاجتماعية والاقتصادية؟
هل سيتم النظر في جميع الجنسيات أم ستكون هناك استثناءات، مع مراعاة الأمن القومي؟
إلى أي مدى تم بناء هذا المخطط وفقًا للدروس المستفادة من تجارب البلدان، سواء أكانت سلبية أم إيجابية؟
هل سيشارك صندوق الثروة السيادية في إدارة التدفقات الوافدة من برنامج المواطنة من خلال الاستثمار؟
هل سيتم إتاحة هذا البرنامج للمستثمرين الجدد أم سيتم منحه حصريا للمستثمرين المقيمين بالفعل في مصر؟
المصدر : المركز المصري للدراسات الاقتصادية