المسلة السياحية
بقلم : شرين هلال
كاتبة وباحثة سياسية
قصة اهمس بها فى أذن وزير التعليم الجسور الدكتور طارق شوقى الرجل الذى أتى بما لم يأت به الأولون فى منصبه، فاستحق من الخائفين تنكيلا ومن المتفائلين تبجيلا.
سيدى الوزير : سبقت مدارس الوزارة الى تجربة التعليم التكنولوجى، المدارس الدولية، وقصتى تكررت فى عدد من هذه المدارس فى وقت سابق وتحديدا فى ربيع 2016، قام عدد من الطلاب بالمرحلة الإعدادية بالقرصنة على نظام المدرسة الإلكترونى.. هذه الأنظمة كما تعلم تربط العملية التعليمية ككل فيقوم بتدوين داخل النظام جميع المناهج والإمتحانات وبالطبع الدرجات.
كما انها تعتبر حلقة محكمة لربط النظام التعليمى بأطرافه المدرسة والمعلم والطالب واخيرا أولياء الامور، تحركت المدرسة عندما واجهت ضغطا غير مفهوم يعطل شبكة البيانات لديها وشكوا فى سلامة السيستم.
ارسلت المدرسة للدعم الفنى بالشركة الأمريكية التى قامت بشراء السيستم منها، فردت الشركة بوقف العمل على السيستم لمدة اسبوعين لتعرف سبب هذا العطل، واكتشفت على الفور ان هناك اختراق قد حدث على الشبكة وقدمت للمدرسة بيانا مفصلا يحتوى على تواريخ الدخول ونوعية الدخول (ما اذا كان الإختراق من موبايل او لاب توب و خلافه)، واستطاعت تحديد عمليات تغيير الدرجات ونقل الملفات لصالح الطلاب واسماء اصحاب الحسابات التى شاركت فى الإختراق.
والمدهش في الأمر ان القائمة شملت خمسة وستين اسما من طلاب اربعة مراحل تعليمية داخل المدرسة ، تقريبا اكثر من سبعين بالمائة من الطلاب فى هذه المراحل قد شاركوا بالجريمة..!
قامت الدنيا ولم تقعد بالإدارة فهو موقف شاذ بالنسبة لأي صاحب قرار داخل اي منشأة فما بالك بمدير مدرسة، مطلوب منه ضبط الجناه وتقويم الطلاب، ارسلت المدرسة خطابات فصل للجميع بمدد تحددت كل حسب نوع الجريمة وعدد مرات دخوله على السيستم، على ألا يعود ايا منهم الى المدرسة إلا بحضور ولى امره.
كان مدير المدرسة ومساعدوه الأجانب يشعرون بالاهانة اكثرمن رغبتهم فى ادارة الأمر بل اكثر من اي شئ اخر، وسقطت عنهم خلسة هالات الإصلاح التى كانوا يروجون لها عن فضائل المعلم الأجنبي الذى اتى بمعجرات نظام بلاده المتقدم فى التعليم ليصنع من ابنائنا عباقرة ويعطيهم فرصا فى عالم يسوده حرية الفكر، ويشجع على تفجير طاقات الإبداع داخل عقول الطلاب.
وجاءت لحظة التأديب والتعالى على الأهالى الذين لم يتمكنوا من تربية ابنائهم، وبدون مبالعة اذا قلت لسيادتكم انهم قاموا بالتحقيق وتوجيه الإتهامات بمكاييل عديدة ، والمفارقة ان الأهالى رضخوا لوابل الوعيد والتنكيل “إلا واحدة”.. رفضت الرضوخ وتحدثت الى الرجل الأبيض تتهمه بالتقصير والإهمال فى مهمته لأنه من قام بتعليم ابنها وتدريبه على التكنولوجيا ، ولم يقم معها بتلقينه آداب واخلاقيات التعامل معها.
وقالت بلهجة حادة :”انت من اعطيت ابنى السلاح ولم تعلمه كيف يستخدمه استخداما آمن ، بل وتؤاطات عندما اخطأ ولم تحاسب المخطئ الرئيسي وهو انت.. !
فى بلادى انت تعمل فى وزارة اسمها التربية والتعليم وانت علمت ولم تربي، فإن كنت فرضت على ابنى تعلم التكنولوجيا كوسيلة اساسية لتحصيل العلم فكان لازما عليك ان تحصنه من تلك الوسيلة..؟!
كيف لك انت تحاسبنى وأولياء الأمور ونحن لسنا ابناء تلك الثقافة الالكترونية؟!
بل وناظرته بكلامه و وعوده عندما ألحقت ابنها بالمدرسة، عندما كان يطنطن عن الإيجابية بديلا عن العقابية فى التعليم.. انت تستطيع عقاب الأولاد بتكليفهم بعمل مشروع ايجابي وليكن الترويج للآثار المصرية بطريقة مبتكرة عن طريق اساليب التكنولوجيا ، ولكنك لم تفعل و لم تفى بوعدك وركزت على الإنتقام لكبريائك الجريح متخليا عن رسالتك.. !
بهت الرجل ولم يستطع الرد وأقفل المحضر فى ساعته وتاريخه وانتهت قصتى إليك.
تذكرت القصة مع محاولات الأهالى التملص من الأبحاث وشرائها كمحاولة لتفادى نصل التقييم المسلط على رقاب ابنائهم وهم لا يعلمون انهم مشاركون فى جريمة تجاههم، ولكنى تذكرت ايضا مجهود وزارتك فى محاولة إدراج مادة الأخلاق على الطلاب اثناء فترة الدراسة “إلا واحدة”.
نعم سيدى واحدة فقط هى ما نحتاجها لإتمام العملية التعليمية الإلكترونية بنجاح و هى “اخلاقيات التكنولوجيا”. نريد ان نربي ابناءنا على ثقافة تحميهم من إرتكاب جرائم تتيحها الوسائل التكنولوجية الحديثة بكل يسر..!
فاول جريمة ممكنة يرتكبها الطلبة هى السرقة العلمية لإنجاز الأبحاث ، وهم واباؤهم لا يعلمون بفداحة الجرم ولا إنهم يقعون تحت طائلة القانون وليس فقط الفشل الدراسي..!!
سيادة الوزير إذا كان قد فرض علينا استخدام تقنيات العصر كجزء من العملية التعليمية، فاصبح علينا تعليم الطلبة تلك “الواحدة” والتى يطلق عليها حديثا “النتيكيت” وتعرف بميثاق أخلاقي يحدد قواعد التعامل بين مستخدمى شبكة الإنترنت، ويهدف الى ترسيخ اخلاقيات تساعد على التعامل الآمن ،والذى يضمن مبادئ وحقوق الملكية الفكرية ، ويعنى وجوب نسب الأفكار لأصحابها و المعلومات لمصادرها.
كما ان تدريس “النيتيكت” سيعلم الإنسان المصرى ثقافة التعامل مع الأخرين على الشبكة العنكبوتية ،حتى لا نرى هذا الكم الهائل من عدم احترام خصوصيات وسوء استغلال الصور والمعلومات الخاصة، ونتخلص من حملات التنمر الشرسة التى تطال الشخصيات العامة والشخصيات العادية، ونحصل على الجائزة الكبرى كمجتمع و هى الإرتقاء بقيمة الكلمة والمضمون.
فالأمر متروك لك: سيدى الوزير إما ان تأخذ تلك “الواحدة” وننجو جميعا، وإما أن تتركها وندور فى حلقة إلقاء اللوم المفرغة…؟!