المسلة السياحية
اليمن – إب
أعدها للنشر : عبدالغني اليوسفي
محور القصة ( مكيدة الصنعاني وإحسان أهل إب )
كان القاضي العلامة علي بن أحمد المجاهد الصنعاني عاملا لأوقاف لواء إب (في اليمن) من قبل العثمانيينن ،وله عائلة كبيرة وأرحام ، فحصل بينه وبين أمير إب الشيخ الأمير إسماعيل باسلامة شيء أغاظه ووسع النمامون والوشاة الفجوة بينهما، فاشتكى القاضي علي المجاهد بإسماعيل باسلامة لحكومة صنعاء فلم تَجد الشكوى أذنا سامعة.
فقرر شفاء غيظه بالسفر أولا للحج ثم الرحلة إلى اسطنبول لملاقاة السلطان عبدالحميد رحمه الله تعالى كي يشكو إليه بإسماعيل باسلامة .
فسافر للحج وترك عائلته لاعائل لهم ولاناصر ولا معين ولا مال ولا نفقة ، ثم سافر لعاصمة آل عثمان وبث شكواه للسلطان عبدالحميد الذي تفاعل معه وأرسل مرسوما إلى والي صنعاء لينظر في الشكوى ويسمع ويحكم.
في ظل غياب علي المجاهد لم يواسِ أحد عائلته ولم يلتفت إليها أحد خاصة اولائك الأشخاص الذين ملؤوا قلبه غيظا وحرضوه.
غياب القاضي
طال غياب القاضي علي عن أهله وطالت معاناة أهله حتى بلغ إسماعيل سفرَ القاضي ومعاناة أهله فجاشت في نفسه أريحية الكرم وتاقت نفسه لممارسة طبيعة الجود والنخوة التي جُبل عليها ..
كَريمٌ تجلّى من كِرامٍ أفاضلٍ .عَلى كرم الاخلاقِ قدماً تعوَّدوا
فأمر وكيله بحمل كل ماتحتاجه عائلة القاضي من طعام ولباس ومصاريف ، وكان يتعاهدهم دائما وإذا مرّ بجانب البيت نزل فاستدعى الاطفال وداعبهم ولاطفهم وأكرمهم وأغدق عليهم حتى نسي الأطفال البؤس الذي كانوا فيه وظهرت عليهم النعمة في شكلهم وملابسهم .
وأمر الامير إسماعيل بتجديد البيت وصبغه وأصلح كل شي في البيت حتى إنه غير لهم التنور والذي يسمى (الصُّعد).
يا جابر عثرات الكرام
صارت عائلة القاضي المشتكي بإسماعيل في بحبوحة من النعم بفضل إسماعيل حتى نسي الأطفال والدهم.
وأقبل عيد الأضحى فلم يترك إسماعيل شيئا مما يفرح به الصغار والكبار إلا وجلبه لبيت القاضي علي المجاهد الصنعاني وجصص لهم البيت ، وكان لايرى أولاد القاضي إلا وداعبهم وواساهم بالنقود ولا يفارقهم إلا والبسمة تعلو وجوههم والفرحة تغمر قلوبهم..
لله درك يا جابر عثرات الكرام.
القاضي في اسطنبول
وأما القاضي الغضبان من إسماعيل فتأخر في اسطنبول لايترك مجلسا إلا وحشد كل الاتهامات ضد إسماعيل باسلامة ،ثم عزم على الرجوع لليمن إب ومعه أمر الخليفة العثماني السلطان العظيم عبدالحميد إلى والي صنعاء ثم أمر والي صنعاء لمتصرف لواء تعز بالنظر في الشكوى..
مكتبة الإسكندرية تنظم ندوة حول الزعيم جمال عبدالناصر في ذكري رحيله
أسئلة واجابات
وكانت العادة أن يبعث الحاج رسولا لأهله يعلمه بقرب وصوله ليستعدوا لكن القاضي فاجأ أهله ليلا من غير إشعار..فبمجرد أن طرق الباب نزلت زوجته والأطفال وعليهم بزة حسنة وتظهر عليهم علامات السرور والنعيم والغبطة.
فكانت مفاجأة لهم بوصوله كما تفاجأ هو بمظهرهم الحسن ومنظر النعيم عليهم لأنه يعلم انه لم يترك لهم شيئا حتى يكونوا بهذا المظهر!فكيف ومن أين؟!
فوقف عند الباب ولم يدخل وأمطرهم بأسئلته:
من أين هذه الكسوة وهذه النعمة ؟
فتجيبه زوجته من إسماعيل باسلامة!
من أين مصاريفكم وعيشتكم،؟
فتجيبه الزوجة والأولاد :من إسماعيل باسلامة..
هم يجيبونه والخجل والحزن يأكل قلبه وشهامته..
فيسألهم:
من أين كذا وكذا فيقولون من إسماعيل باسلامة،وهم لايعلمون أن أباهم قد ذهب يشكو إسماعيل باسلامة.
من الذي بيّض البيت وجصصه وجدده فتجيب الزوجة:إسماعيل باسلامة!
من أين للاولاد هذه الكوافي والكسوة وووو فيجيبونه من إسماعيل باسلامة..انتهت أسئلته وهو واقف على عتبات الباب مشدوها خجلا محتارا لايدري ماذا يصنع؟!
يقارن بين ماكان يفعله في اسطنبول من تسديد الاتهامات لإسماعيل وبين ماكان يصنعه إسماعيل من رعاية فوق الوصف لعائلته ومن ماله الخاص!
حتى أطارت زوجتُه حيرته بقولها:
أين كنتم ياقاضي علي؟
اجابها :
ذهبت للحج ثم إلى اسطنبول اشتكي بإسماعيل إلى السلطان!
إسماعيل باسلامة فعل لنا
قالت:تركتمونا هذه المدة الطويلةبغير شي وأنتم تعرفون ليس معنا أحد هنا ولا ، والله لولا إسماعيل باسلامة فعل لنا كذا وكذ وكذا وأكثرت من تعداد محاسن إسماعيل حتى الصعد(تنور من الحطب) اشتراه لنا.
فقال :هذه أعمال إسماعيل مع عائلتي وأولادي !وأنا كنت أقدح في عرضه في اسطنبول وأشتمه وووو .
القيد والعفو
ثم ترك أهله ورجع من الباب لايلوي على شيء وأقسم يمينا مغلظة أن يذهب لدار إسماعيل باسلامة ويقيّد نفسه بالقيد ويأخذ العفو من إسماعيل ويطلب منه السماح والعفو .
فانطلق تاركا أهلها واولاده في ذهول حتى وصل لدار إسماعيل فاستقبله الحارس الذي يعرفه فهش له الحارس ورحب .
فجلس القاضي في الأرض ومد رجليه وقال:قيّدني..فاستنكر الحارس فأصر عليه قيدني ..
فهرع الحارس لإسماعيل ومعه ثلة من العلماء في الدار فأخبره .
فخرج إسماعيل ورأى القاضي فرحب به وسهل ولاطفه وعانقه وهنأه بالسلامة وقال له:
طالت غيبتكم..لكن القاضي الذي قد ألبسه الخجلُ رداءه أصر على الحارس أن يقيده ولازال جالسا على الأرض مادا رجليه، لكن إسماعيل الذي يعرف قدر العلم وأهل الفضل رفض وقال:ما تطلبه لايمكن ولايتصور وانت الرجل العالم الفاضل.!
فأجابه القاضي:والله يا إسماعيل لابد أن أقيّد نفسي رضيت أم أبيت.
أنا ذهبت للحج ثم للسلطان عبدالحميد أشكوك والصق بك كل عورة وقبيح وأشنع بك في المحافل وتجازيني بسيئاتي حسنات؟!
وتحسن لأهلي وعائلتي وتريحهم من متاعب الحياة؛؟!
وانا في واد وأنت في وادي والدموع تنحدر من عينيه،والشيخ الأمير يبكي ويسامح ويلاطف ويعانق ..ثم يقول القاضي:الحجة ليست عندي بل عند الذين دفعوني ثم تخلوا عني .
تأخر إسماعيل عن ضيوفه فخرجوا ليلحقوا جزء من المشهد المثير المبكي العجيب.
فراوا القاضي يقسم أن القيد سيوضع في رجله.
والامير إسماعيل يتنصل ويعتذر أنه مافعل الذي فعله مع عائلة القاضي إلا الذي أملاه عليه دينه وأخلاقه.
فتدخلت العلماء بحل وسط أن يوضع القيد في رجل القاضي لحظة ثم يزال تبرئة ليمينه وقسمه.
لله در تلك النفوس
رحمهم الله تعالى رحمة واسعة
لم تكن إب جميلة بمظهرها فقط بل بتاريخها وعظمائها ..فكم فيها من أعلام غب عنهم الإعلام..
انظر للمزيد:
حياة عالم وأمير
للعلامه الأكوع رحمه الله