المسلة السياحية
بقلم: صلاح عطية
شهدت مصر يوم الجمعة الماضى،افتتاح العديد من المساجد الجديدة أو المساجد التى تم ترميمها وتجديدها فى عدة محافظات..وهذا يعبر عن الاهتمام الكبير الذى نالته دور العبادة فى عهد الرئيس عبد الفتاح السيسى.. إلى جانب الاهتمام بتحسين أحوال الدعاة والآئمة وتشجيعهم على البحث والارتقاء بمستواهم العلمى.
وقد اضيف إلى القاهرة مدينة الآلاف من المآذن وليس الآلف مأذنة كما يقال عنها،مسجد تاريخى وأثرى هو مسجد الامام الشافعى الذى جرى ترميمه وإعادته إلى حالته الأصلية تحت إشراف وزارة السياحة والآثار..ومولت وزارة الأوقاف تكلفة ترميم المسجد بمبلغ ثلاثة عشر مليون جنيه وقامت بالترميم «المقاولون العرب» بما لها من خبرة كبيرة فى هذا المجال.
كما أن تكلفة ترميم ورفع كفاءة قبة الامام الشافعى وحدها تتكلف عشرين مليون جنيه ويقوم بتمويلها صندوق السفراء الأمريكى.. والقبة وحدها هى التى لم ينته بعد ترميمها،وقد أعلن الوزير د.خالد العنانى وزير السياحة والآثار عند افتتاح المسجد للصلاة، أن القبة سينتهى العمل فيها خلال ستة أشهر.
وقد كان لى شرف أداء فريضة صلاة الجمعة فى يوم الافتتاح الذى شارك فيه وزير السياحة والآثار مع د.مختار جمعة وزير الأوقاف واللواء خالد عبد العال محافظ القاهرة..والقى خطبة الجمعة وزير الأوقاف..وبعد انتهاء الصلاة اتيح لنا التأمل فى المسجد لنرى ماحدث فيه من ترميم أعاده إلى يوم إعادة إنشائه عام 1892 فى عهد الخديوي توفيق..فقد ظهرت نقوشه بحالتها وروعتها وكانت قد غطيت بطبقات من الطلاء بالألوان الزيتية..كما فعلوا نفس الشىء فى أحجاره الجيرية التى بنيت بها جدرانه وأقواسه التى بنيت بالطوب الأحمر.
فعاد المسجد تحفة معمارية تبعث على الرضاء بعد أن ازيلت كل الاضافات التى تتنافى تماماً مع الأثر الذى يجب ألايطمس فيه شىء أو يضاف إليه شىء..وهو من طراز المساجد المغطاة وجدرانه من الحجر الجيرى، أما سقفه فهو من الخشب المزين بالنقوش..وكذلك شبابيكه بالزجاج الملون والمعشق برسومات نباتية جميلة.
أما قبة الامام الشافعى فهى قبة خشبية مكسوة بالرصاص ويعلوها قارب صغير مثبت فى الهلال.. وتاريخ المسجد والقبة يرتبطان منذ الانشاء بأربعة حكام لمصر، منذ عهد صلاح الدين الأيوبى الذى أمر بعمل تابوت خشبى على قبر الامام الشافعى،وبنى مدرسة ضخمة لنشر المذهب الشافعى سميت بالمدرسة الصلاحية 1179م.. وأتم بناء المسجد والقبة الملك الكامل عام 1211م.. أما الخديوى توفيق فقد أمر بتجديد وإعادة بناء المسجد على النحو الذى وصل إلينا الآن.
ثم أخيراً أعمال الترميم والتجديد الشاملة فى عهد الرئيس عبد الفتاح السيسى .. وقد بدأت هذه الأعمال فى عام 2017 وتم الانتهاء من المرحلة الأولى منها فى عام 2018 وشملت الدراسات التاريخية والانشائية للقبة وأعمال التوثيق الأثرى للمكونات والزخارف الخاصة بها..ووضع الأسلوب الأمثل لمعالجة التدهور الانشائى،وإتخاذ إجراءات الحماية اللازمة لجميع المفردات والعناصر المعمارية والزخرفية للقبة من الداخل والخارج..وبدأت المرحلة الثانية من المشروع فى عام 2019 وتم حتى الآن الانتهاء من نحو 65٪ من أعمال القبة.
وتستمر الأعمال حتى نهاية النصف الأول من عام 2021 وتشمل مع القبة الموقع العام الخارجى ووضع نظام إضاءة حديث للقبة.. وخلال العمل فى القبة جرت أعمال حفائر أثرية أسفرت عن إكتشاف بقايا لمبنى كان مقاماً على الضريح فى العصر الفاطمى، أى قبل بناء القبة الحالية فى عصر الملك الكامل الأيوبى..ويعتبر الضريح من أكبر الأضرحة فى مصر ويتكون من مساحة مربعة طول ضلعها من الداخل 15 متراً.
ويضم الضريح إلى جوار رفات الامام الشافعى،رفات الأميرة شمسة زوجة صلاح الدين الأيوبى،ورفات العزيز عثمان بن صلاح الدين الأيوبى، ويضم كذلك رفات والده الملك الكامل.
والامام الشافعى هو محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب الشافعى القرشى..وقد ولد فى غزة فى عام ٧٦٧م وتوفى فى مصر عام 819م..وقد رحلت به أمه من غزة بعد وفاة أبيه إلى موطنه فى مكة المكرمة حيث تربى فيها وأخذ العلم عن شيوخها وعلى رأسهم شيخ الحرم مسلم بن خالد،وسفيان بن عيينة،ومالك بن انس.
وقد أملى كتبه حول مذهبه فى العراق،ولكنه عندما جاء إلى مصر وعاش فيها حتى مات، أملى على تلاميذه كتباً جديدة فى مذهبه والذى يعتمد على الاحتجاج بالقرآن أولا،وبالسنة ثانياً ثم الاجماع فالقياس..وقد تغيرت كثير من فتاواه فى مصر عما كانت فى العراق..لتغير الظروف والأحوال التى استدعت إعادة النظر فى ما افتى فيه.
وتتضمن أعمال الترميم فى مسجد وقبة الامام الشافعى إعادة ترتيب الموقع الخارجى..ولاشك أنه الآن سيكون أمراً غاية الصعوبة..بعد أن تداخلت فى الموقع مبان وصل ارتفاع بعضها إلى ١١ طابقاً،لايفصل بينها وبين جدران باحة المسجد غير أمتار قليلة.. أما الشوارع المؤدية إلى المسجد فكلها تحتاج إلى إعادة تأهيل وتغيير فى وظيفتها.
وكان وزير السياحة والآثار د.خالد العنانى قد أعلن أن المنطقة سيجرى تطويرها بنفس الأسلوب الذى تمت به أعمال تطوير بحيرة عين الصيرة والمنطقة حول المتحف القومى للحضارة المصرية من كبارى وطرق..كما أن محافظة القاهرة تعد منطقة جديدة لتنقل إليها السوق المجاور للمسجد والذى يضم تنوعا غريباً وعجيباً أيضاً من الحيوانات والطيور الى جانب مواد البناء والتحف وأيضاً ملابس قديمة وجديدة ودراجات.
باختصار كل شىء..وفى مجال الطيور والحيوانات على وجه التحديد شاهدت فى طريق خروجى من مسجد الامام الشافعى إلى الشوارع الجانبية كل مايخطر على البال من أنواع الطيور من أصغرها إلى أكبرها من حمام متعدد الأنواع والألوان وبأشكال ربما لم أرها من قبل، كذلك عصافير الزينة والببغاوات والدجاج والصقور والنسور والسلاحف والثعابين وتماسيح صغيرة وقرود ونسانيس وقطط وكلاب بأنواع عديدة.
باختصار حديقة حيوان مصغرة محتوياتها للبيع والتبادل بين المحترفين والهواة والراغبين فى الاقتناء.. ومثل هذا السوق يمكن أن يكون سوقاً سياحياً عند نقله إلى موقع جديد كما تزمع محافظة القاهرة..وهناك أمثلة لمثل هذا السوق فى دول عديدة وشهدت مثيلاً له فى ثلاث عواصم هامة هى روما ولندن وبرلين.. ويمكن أن يتماثل هذا السوق مع هذه الأسواق خاصة لوقوعه الآن، وبعد نقله، فى منطقة سياحية وأثرية هامة..مما يتيح له رواداً إضافيين من الزائرين لمصر.
ونعود إلى الحديث عن ترميم مسجد الامام الشافعى لنشيد بعمليات الترميم الأخيرة التى تحمى التراث المصرى وتصونه وتيسر استخدامه أو زيارته.. وقد شهدنا منذ مطلع هذا العام وحتى اليوم افتتاح مسجد الفتح فى قصر عابدين بعد إعادة ترميمه،والمعبد اليهودى فى الاسكندرية،وقصر البارون فى مصر الجديدة وقلعة شالى فى واحة سيوة،ثم مسجد الامام الشافعى.
إلى جانب مايجرى الآن فى متحف الحضارة وإعادة إحياء بحيرة عين الصيرة أو عين الحياة كما يراد تسميتها،مع إحياء المنطقة حولها وإضافة الطرق والكبارى التى ستيسر الوصول إليها استعداداً لموكب نقل مومياوات ٢٢ ملكاً من ملوك مصر القدماء.
كل هذا يجرى فى تزامن وتوقيت واحد ويتم الانجاز فيها تباعاً مع افتتاح متاحف جديدة، والتوصل إلى اكتشافات أثرية هامة وصولاً إلى المتحف المصرى الكبير فى منطقة الهرم الذى سيكون أعظم وأكبر متحف من نوعه فى العالم مخصص لحضارة واحدة.
وكل هذا بلاشك يستدعى توجيه الشكر والتقدير لوزير السياحة والآثار د.خالد العنانى ولقطاع الآثار والعاملين فيه، وأيضاً لقطاع الاسكان والمقاولات والهيئة الهندسية للقوات المسلحة المشرفة على كثير من هذه المشروعات والذين بذلوا كل هذا الجهد وحققوا كل هذه الانجازات فى سنوات قليلة منذ بداية ولاية الرئيس عبد الفتاح السيسى الذى ساند وفتح المجال لهذا القطاع للإنطلاق.