المسلة السياحية
بقلم : صلاح عطية
أكثر قليلاً من ثلثى قرن مرت على صدور العدد الأول من جريدتنا الغراء «الجمهورية»التى أمضينا فيها عمرنا كله.. إذا كان العمر يحسب بالسنوات الفاعلة فيه.. أو السنوات التى نعتز بها.. فهى أيامنا فى هذه الجريدة التى شهدت مطلع حياتنا.. بل أصبحت حياتنا.. واستطيع أن أقول إنى قرأت الجمهورية صغيراً منذ عددها الأول عند صدورها فى السابع من ديسمبر عام 1953 ولااظننى تخيلت وقتها أنى سأكون بعد سنوات قليلة واحداً من أبنائها..ولكنه القدر..وللقدر تصاريف تحدد مسارنا.. فهى إرادة الله سبحانه وتعالى الذى بيده أمر كل شىء.
وعندما يحل بنا يوم السابع من ديسمبر فى كل عام، نسترجع شريط الذكريات عبر عشرات السنين التى شرفت فيها بالعمل فى»الجمهورية»صغيراً بين عمالقة فى الصحافة والفكر والأدب والفن.. فعلى مدى هذه السنين بين العمل وإكتساب الخبرات والمعارف والتجارب.. تجمعت ذكريات عديدة، قد يحتويها كتاب فى أيام قادمة ..
ولعل هذه المناسبة تمنحنا الفرصة لإشارات سريعة لبعض الفوارق بين ما كان فى البداية وما حدث من تغير وتطور على مر السنين فى الاهتمامات والأولويات مع ثبات فى الخط الرئيسى المميز للجمهورية فى أهتمامها بقارئها وفيما تقدمه من خدمات لهذا القارئ واهتمامها بالقضايا الوطنية وقضايا أمتها العربية.
وقد يكون أوضح جانب قابل لاظهار فارق التوجهات، ليس فى الجمهورية فحسب وإنما فى صحفنا بشكل عام هو الجانب الثقافى والفكرى والأدبى.. فقد وضعت»الجمهورية»منذ بدايتها هذا الجانب على رأس أولوياتها.. فأدت دوراً هاماً للقارئ الذى تعنيه هذه الجوانب الفكرية والثقافية والأدبية.. واجتذبت إليها أيضاً قارئاً راقته اهتمامات الجمهورية واحتفائها بكبار الكتاب والمفكرين والمثقفين.
ليتابع على صفحاتها وصفحات ملاحقها الأدبية والثقافية والفنية مايقدمه ويكتبه أهم رموز مصر الثقافية والفكرية والأدبية.. وقد حفلت «الجمهورية» فى سنواتها الأولى ومابعدها بعمالقة كبار ثم أجيال تالية إنضموا أيضاً إلى جيل العمالقة.. وكان على رأس الجميع عميد الأدب العربى.. د.طه حسين كاتباً على صفحاتها منذ أيامها الأولى.. ثم رئيساً لتحريرها فيما بعد.
ومع د.طه حسين قرأنا على صفحات الجمهورية لأسماء بعضها كان معه من جيل العمالقة.. وبعضها كان من جيل الوسط وقفز بعدها إلى أجيال القمة وكلهم كانوا ومازالوا علامات ساطعة فى التاريخ الفكرى والثقافى والأدبى المصرى والعربى بينهم أو على رأسهم عباس محمود العقاد، توفيق الحكيم، لويس عوض، محمد عبد الحليم عبد الله، محمود تيمور،أمين يوسف غراب، بيرم التونسى، عبد الرحمن الشرقاوى، د.محمد مندور، خالد محمد خالد، د.عبد الحميد يونس،
على الراعى، كامل الشناوى، يوسف السباعى، إسماعيل مظهر، يوسف ادريس، الفريد فرج، سعد الدين وهبة، عبد الرحمن الخميسى، نعمان عاشور، حافظ محمود، إبراهيم نوار، موسى صبرى، إبراهيم الوردانى،إسماعيل الحبروك، رجاء النقاش، محمد عودة، لطفى الخولى، محمود أمين العالم، محمد انيس، فتحى غانم، سامى داود، عميد الإمام.. وأسماء أخرى كثيرة ممن أضاءوا سماء الوطن العربى كله بنتاجهم.
لتكون الجمهورية مع هذه النجوم الجريدة الأولى التى جمعت على صفحاتها كل رموز مصر الثقافية والفكرية والأدبية.. وظهر هؤلاء على صفحات الجمهورية العادية وفى ملاحقها الأدبية والثقافية والفنية..
وازدانت هذه الصفحات برحيق من مقالات وقصص وروايات وترجمات من الفكر والأدب العالمى وبصفحات ومقالات تعرض أحدث الكتب العالمية.. وآخر ما يموج به العالم من إصدارات سياسية وعلمية وقصص ومسرحيات.. وتستطيع بمراجعة صفحات السنوات الأولى للجمهورية ان تلمس القيمة الكبيرة لصفحات تلك الأيام التى كانت غنية بهذه الرموز.
وهو ما نفتقده كثيراً فى صحافة هذه الأيام.. إن فاهتمامات الصحف قد تغيرت.. وربما تغير معها القراء وهناك توسع فى خدمات صحفية بدأتها الجمهورية فى الستينيات وكانت ومازالت رائدة فيها، وطورت بشكل أكبر مثل الصحافة التعليمية التى تطورت إلى ملحق يومى يلقى اهتماما كبيراً.. وأيضاً مثل اهتمامها بالشباب والمرأة والريف ..
وكذلك أهتمامها بالسياحة التى تطورت فى مصر تطوراً كبيراً وأصبحت تمثل 11٪ من إجمالى الناتج القومى.. ويبلغ حجم العاملين فيها أيضاً نحو 12٪ من إجمالى القوى العاملة.