المسلة السياحية
حول العالم
بقلم صلاح عطية
حين كان «الضباط الأحرار»الذين قاموا بثورة 23 يوليو 1952، يسمون ماقاموا به حركة الجيش، أو الحركة المباركة، كان عميد الأدب العربى الدكتور طه حسين أول من أطلق عليها وصف الثورة..وكان هذا فى مقال نشره فى ٩ أغسطس 1952 أى بعد نحو أسبوعين من قيام الثورة..وقبل هذا التاريخ بأسبوع، وعندما بلغته أنباء الثورة وهو فى رحلته الصيفية إلى ايطاليا وفرنسا..كتب مؤيداً ماقام به الجيش قائلاً»أن مصر وجدت نفسها، ولم يخطئها التوفيق، ولم تجر عن قصد السبيل، وإنما ملكت أمرها، وضبطت نفسها، ومضت فى طريقها إلى الإصلاح ثابتة رزينة».
وفى مقاله التالى فى ٩ أغسطس 1952 والذى بعث به من مصيفه فى أوروبا كتب تحت عنوان «أهداف الثورة»، مستخدماً كلمة ثورة لأول مرة وصفاً لما قام به الجيش فى 23 يوليو..ولم يستخدم ماكان شائعاً من تسميات مثل حركة، أو وثبة أو نهضة.. وإنما سبق الجميع بتسمية ثورة يوليو ثورة أصيلة..محدداً شروط الثورة ومنتهيا إلى أن ماحدث فى مصر هو ثورة أصيلة..»تفكر فى أمس لتمحو سيئاته، وتفكر فى اليوم لتصلح شئونه، وتفكر فى غد لتبنى فيه مستقبل الشعب على أساس صالح متين».
وهو فى هذا كان كأنما يستشرف المستقبل، وينظر إلى بعيد.. أو من بعيد.. كما اعتاد أن يسمى بعض مقالاته التى كان يبعث بها وهو خارج مصر.. ولقد كانت مقالات العميد على صفحات»الجمهورية»تنظر دائماً إلى بعيد فقد تبنى الكثير من القضايا سواء فى امورنا الحالة.. أو فى التطورات المستقبلية.. أو فى حديثه عن الاستعمار الذى كان يحيطنا..
متبنيا الدعوة إلى تحرر باقى الأوطان العربية التى ترزح تحت الاحتلال خاصة فى الشمال الأفريقى.. فى تونس والمغرب والجزائر..بل إنه أولى القضية القبرصية اهتماماً كذلك..وكانت قبرص تحتلها بريطانيا قبل أن تحصل على استقلالها.
والكلام حول العميد قد يتشعب ويطول..ولكن نقتصر هنا على المناسبة التى جمعت بين ذكرى ميلاده وذكرى وفاته وأيضاً ذكرى مولد نجيب محفوظ الذى كان دكتور طه حسين أول من تنبأ له فى مقال له على صفحات الجمهورية بتخطى المحلية إلى العالمية.
فنحن نحتفل فى شهرين متتاليين بذكرى عميد الأدب العربى.. فى 28 أكتوبر 1973 توفى د.طه حسين عن عمر قارب الرابعة والثمانين، وفى 14 نوفمبر تحل الذكرى الواحدة والثلاثون بعد المائه لميلاده فى عام 1889 فى بلدته عزبة الكيلو ـ مغاغة ـ المنيا.
أما نجيب محفوظ فقد ولد فى ١١ ديسمبر 1911 وتوفى فى 30 أغسطس 2006 عن عمر قارب الخامسة والتسعين..وقد حصل نجيب محفوظ على جائزة نوبل فى 13 أكتوبر 1988وحلت فى ١١ ديسمبر 2020 الذكرى التاسعة بعد المائة لمولده.
وفى هذه المناسبة نذكر للدكتور طه حسين أنه سبق بالتنبؤ لأديبنا الكبير نجيب محفوظ بالعالمية وكان ذلك فى نقده لرائعته «بين القصرين»على صفحات الجمهورية فى ٦ فبراير 1973 مشيداً بها وبنجيب محفوظ إشادة بالغه قائلاً إنها تثبت للموازنة مع أى من كتاب القصص العالميين فى أى لغة من اللغات التى يقرؤها الناس.
وكأن العميد فى هذا كان يمتد ببصيرته إلى قادم الأيام ليرى ماحققه نجيب محفوظ من نجاح فى وطنه وفى أمته العربية أمتد به إلى العالمية حتى فاز بجائزة نوبل.
وقد حرص عميد الأدب العربى على تناول نتاج الكثيرين من الأدباء والمفكرين على صفحات»الجمهورية»فكتب عن أدباء من مصر..وغير مصر..وعن أدباء وصلوا إلى القمة ..و آخرين يتطلعون إليها.
وقد تناولت هذا الجانب فى كتاب لى عن د.طه حسين تحت عنوان»التلاميذ فى صحبة الأستاذ»صدر فى يناير عام 2009 عن سلسلة تراث الجمهورية اشرت فيه إلى احتضان «العميد» للكثيرين من الأدباء الشبان وغير الشبان الذين تناول أعمالهم بالنقد ..
وكما كتب عن نجيب محفوظ فقد كتب عن يوسف السباعى..وأبيه محمد السباعى..وعن فتحى رضوان..وعن ثروت أباظة..وعن د.محمد كامل حسين..وعن يحيى حقى..وعن محمد فريد أبو حديد..وعن عزيز أباظة..وعبد الله البشير..
كما كتب عن التونسى محمود المسعدى..وعن السودانى عبد الله الطيب..وعن السعودى الأمير عبد الله الفيصل..وعن الفرنسى البير كامو..وعن اليونانى كازاتراك..
ويستهل عميد الأدب العربى مقاله عن «بين القصرين» بالثناء على نجيب محفوظ والإشادة برسمه لكل شخصياتها التى تظهر إن نجيب محفوظ أصبح «فقيها بالنفس الإنسانية، بارعاً فى تعمقها وتحليلها، قادراً على أن يضع يد قارئها على أسرارها ودقائقها».
ويهنىء د.طه حسين الأدب المصرى المعاصر أصدق التهنئة وأعمقها، ويقول إن هذا الأدب»أتيح له فى هذه القصة الرائعة البارعة، نجح ما أرى انه أتيح له مثله، منذ أخذ المصريون ينشئون القصص فى أول هذا القرن» أى القرن العشرين.
يقول عن نجيب محفوظ إنه «أتاح للقصة أن تبلغ من الإتقان والروعة ومن العمق والدقة ومن التأثير الذى يشبه السحر، مالم يتحه لها كاتب مصرى قبله»..ويقول أيضاً إنها»أروع ما قرأت من القصص المصرى منذ أخذ المصريون يكتبون القصص».
وهكذا نرى أن بصيرة العميد كانت كأنها تخترق الحجب.. فقد نجحت مسيرة نجيب محفوظ.. وتأكدت عالميته.. وتوجت بجائزة نوبل بعد نحو اثنين وثلاثين عاماً من نبوءة العميد له.. رحم الله الجميع.. وحفظ مصر الولادة على مر العصور.