2016 عام تفاؤل لتحقيق أرباح بالطيران والتكنولوجيا
"المسلة" …. سيكون قطاع الطيران المدني هذا العام على موعد مع تحقيق أرباح قياسية تتجاوز 36 مليار دولار مقارنة مع 33 ملياراً في العام 2015، وهي أرباح مدعومة باستمرار تراجع أسعار النفط الذي يعد أكبر بند للنفقات في شركات الطيران.
ومع وصول هامش الربحية في القطاع إلى 5.1% وتراجع فاتورة الوقود إلى نحو 180 مليار دولار من 226 مليار دولار في العام 2014، تكون صناعة الطيران أمام تحقيق أضخم أرباح في تاريخها، حيث تتراجع مساهمة الوقود لتصل إلى أقل من 20% من إجمالي التكاليف مقارنة مع حصة كانت تصل إلى أكثر من 40% قبل عامين فقط.
ومع تراجع أسعار الوقود يتوقع أن تستمر اتجاهات السفر التي كانت في العام 2015، حيث يتوقع ارتفاع الطلب على السفر وزيادة معدلات التجارة العالمية، الأمر الذي سيعزز من ربحية شركات الطيران في مختلف دول العالم، وخاصة الشركات الأوروبية التي بدأت تتنفس الصعداء بعد أعوام من الخسائر والمصاعب الاقتصادية والتشغيلية بحسب البيان.
لكن الاتحاد الدولي للنقل الجوي «أياتا»، أشار إلى تفاؤل حذر في العام 2016 بالنظر إلى جملة من التحديات الماثلة، لعل أبرزها التحديات السياسية التي تواجه دول الشرق الأوسط، واستمرار بطء النمو الاقتصادي في أوروبا، إضافة إلى تراجع قيم بعض العملات الرئيسية وخاصة اليوان الصيني والروبل الروسي الذي قد يحدث تأثيرات في الصناعة بالرغم من الدولار القوي الذي ارتفع خلال العام الماضي بنسبة 20% أمام سلة عملات رئيسية.
حذر
ووفقاً لتقديرات «أياتا» الحذرة، فإن عائدات صناعة الطيران هذا العام ستصل إلى 717 مليار دولار مقارنة مع 710 مليارات في العام 2015، مع ارتفاع الطلب على حركة النقل الجوي، والتي ستصل إلى نحو 7% خلال العام المقبل مع وصول أعداد المسافرين إلى 3.8 مليارات راكب مقارنة مع 3.5 مليارات مسافر في العام 2015، خصوصاً أن أسعار تذاكر الطيران ستحافظ على تنافسيتها، ما يعزز الطلب على السفر.
أما حركة الشحن الجوي فيتوقع تسارع نموها مع نمو معدلات التجارة العالمية وبنسب تبلغ 3% مقارنة مع 1.9% في العام 2015، ويتوقع أن تصل كميات الشحن التي تنقلها شركات الطيران في العالم إلى 52.7 مليون طن في 2016، مقارنة مع 51.3 مليون طن في 2015.
ومع تحسن الأرباح تحسنت أيضاً ربحية كل مسافر في شركات الطيران لتقترب من 10 دولارات، بعد أن كانت أقل من سعر فنجان قهوة، كما وصفها مدير «أياتا» توني تايلور قبل عامين.
وتشير «أياتا» إلى تباين في نسب النمو بين منطقة وأخرى، ففي حين تستحوذ شركات الطيران الأميركية على حصة الأسد من أرباح الصناعة في العام 2016، لاتزال شركات الطيران في أميركا اللاتينية وإفريقيا تعاني من خسائر فعلية، مع تحسن في أداء ناقلات أوروبا وآسيا الهادئ، واستمرار الصعود القوي لناقلات الشرق الأوسط وخاصة للشركات الخليجية الكبرى «طيران الإمارات» و«الاتحاد» و«الخطوط القطرية».
ويتوقع أن يصل أعداد الأسطول العالمي إلى 27889 طائرة بنمو 4% مقارنة مع العام 2015، حيث ستدخل الخدمة 1700 طائرة جديدة، وترتفع الرحلات إلى أكثر من 34 مليون رحلة طيران.
توظيف
وسيدفع الأداء القوي للقطاع شركات الطيران إلى استمرار التوظيف بمعدلات جيدة، حيث توظيف 2.5 مليون شخص خلال العام المقبل، مقارنة مع 2.4 مليون في العام 2015 بمعدل نمو يصل إلى 2.2%.
وتلقي هذه الأرباح الضخمة مزيداً من المسؤوليات على عاتق شركات الطيران، إذ أنه ورغم تراجع أسعار الوقود إلا أن بعض شركات الطيران لاتزال تضيف ضريبة الوقود إلى سعر التذكرة، كما أن الأرقام تشير إلى زيادة شكاوى المسافرين على شركات الطيران وخاصة الشركات الأميركية.
ويتوجب مع تحقيق هذه الأرباح التركيز أكثر على المستهلك، وهو المسافر، وتطوير وتحسين الخدمات المقدمة له سواء على الأرض أو في الأجواء.
الأمن
وخلال العام الجاري 2016 سيكون على القطاع أولويات عدة، حيث السلامة هي الأولوية القصوى لتعزيز الأمن للمسافرين وليس المقصود هناك الأمن التشغيلي والفني، بل ضمان حماية المسافرين من التهديدات .
وهذا يعني المزيد من الاستثمارات في هذا المجال حتى لا تفقد الشركات مسافريها، وحادثة الطائرة الروسية الأخيرة جاءت كجرس إنذار لكل القطاع بالعمل بلا هوادة لتحقيق أعلى معايير الأمن فعلاً لا قولاً، خصوصاً في تلك المناطق التي ما زالت تشهد أحداث سياسية مضطربة.
وفي جانب آخر من الصناعة فإن نمو الناقلات الخليجية أثار غيرة الناقلات الأوروبية والأميركية على حد سواء وهو الأمر الذي سنرى تبعاته خلال العام الجاري، مع استعداد الهيئات الرقابية في أميركا وأوروبا للبحث في معايير المنافسة بناء على طلب وشكاوى الشركات الأميركية والأوروبية واتهامها للناقلات الخليجية بتلقي معونات حكومية تضر قواعد المنافسة العادلة.
وخلال العام الجاري يتوقع أن تسلم شركة بوينغ شهرياً 65 طائرة من مختلف الأنواع إلى عملائها من شركات من ضمنها 42 طائرة شهرياً من طراز 737 و12 من 787، كما أن منافستها إيرباص هي الأخرى ستسلم تقريباً نفس العدد من الطائرات.
هذه الأرقام من عملاقي الصناعة تفرض مزيداً من الحذر وخاصة فيما يتعلق بسلسلة التوريد بالنظر إلى أن كلاً من بوينغ وإيرباص ترتبط بعقود خدمات مع العديد من الشركات المصنعة في مختلف دول العالم وهذا الحجم من الإنتاج يفرض ضغوطاً متزايدة على سلاسل التوريد لكلا الشركتين.
ثلاثي الأبعاد
وخلال معرض دبي للطيران برزت اتجاهات جديدة للصناعة، أبرزها التصنيع بتقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد في القطاع، حيث تقتصر التقنية حالياً على صناعة أجزاء من محركات الطائرات وأجزاء مختلفة من الطائرة، لكن المستقبل قد يتمثل في طباعة أجزاء كبيرة كالأجنحة أو المحركات أو أجزاء من المقصورة وهذه التقنية الجديدة ستعني تغييراً ثورياً في التصنيع.
ومن أهم ميزات هذه التقنية توفير الوقت، حيث إن صناعة جزء صغير من محرك الطائرة مثلاً يتطلب أياماً، بينما مع استخدام تقنية «الثري دي» لا يتعدى ذلك ساعات فقط.
إضافة إلى توفير اليد العاملة، خصوصاً في مجال النقل، حيث إن شركات التصنيع كانت تعتمد على طلب الأجزاء من شركات أخرى ليتم نقلها إلى مقر الشركة لتركيبها، وهو ما يتطلب عدداً من الأشخاص في جميع المراحل، بينما توفر التقنية الجديدة كل ذلك، من خلال شراء طابعة ووضعها في مقر التركيب لتكون الأجزاء جاهزة للتركيب في نفس المكان.
كما توفر الطباعة ثلاثية الأبعاد المال أيضاً، خصوصاً وأنها لا تترك أي مخلفات، حيث إن المواد الخام المتبقية من صناعة جزء معين يتم إذابتها وإعادة استخدامها في صناعة جزء آخر.
وتتوقع شركة «رولز رويس» لتصنيع المحركات بيع طائرات تجارية وعسكرية بحلول عام 2050، تكون أجزاؤها مصنعة بالكامل اعتماداً على تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد. وخلال العام الجاري ستكون بعض مكونات الفرامل في الطائرة المصنوعة بوساطة تقنية ثلاثية الأبعاد، قطعاً معيارية أساسية، بحيث ستكون القطع الحالية شيئاً من الماضي.
وكانت الشركة قد أطلقت أطلقت في وقت سابق من العام 2015 محرك ترينت إكس دبليو بي 97 الذي يحتوي على أكبر قطعة مصنعة عن طريق الطباعة ثلاثية الأبعاد يبلغ طولها 1.5 متر. وهذا المحرك يحتوي على الكثير من المميزات أبرزها الجزء المسؤول على إحراق الوقود، حيث تم صنعه بالتقنية ثلاثية الأبعاد.
وقد استخدمت الشركة التقنية ثلاثية الأبعاد لتصنيع أجزاء بلاستيكية سابقاً، ولكنها المرة الأولى التي تنجح فيها في صناعة مكونات تعتمد على مواد أكثر صلابة وبالتقنية ثلاثية الأبعاد، ومن ضمن تلك المواد الأولية النيكل والألمنيوم والحديد الصلب.
ولا تنتهي الإثارة عند هذا الحد بل إنّ المواد التي يتم اعتمادها في صنع تلك الشفرات وغيرها من مكونات أخرى ستجعل من الطائرة أخفّ بنحو 500 كلغ، بما يجعلها أقل استهلاكاً للوقود. ووصل عدد كبير من الطلبيات على المحرك الجديد، وقالت الشركة إنّ تلك المحركات ستدخل حيز الاستخدام عام 2016، ما يعني أنّه يتوجب عليها صناعة 1500 محرك كل عام.
تحديات
ومع كل هذه الطموحات الآن، القطاع لايزال يواجه تحديات عدة، أبرزها استمرار البحث عن آليات فاعلة وأنظمة أكثر تطوراً لتتبع الطائرات في الأجواء وخاصة بعد اختفاء الطائرة الماليزية، وهناك فريق عمل مشترك بين أياتا وإيكاو للوصول إلى مشروع أو مبادرة خاصة في هذا الاتجاه.
كما ان التحديات البيئية مستمرة هي الأخرى مع سعي الصناعة إلى تقليل انبعاثات الكربون إلى النصف بحلول العام 2050. ويسهم الطيران اليوم بنحو 2% من إجمالي حجم انبعاثات الكربون أي نحو 771 مليون طن.
المسافر محور عمل الشركات
خلال العام الجاري 2016 تستمر شركات الطيران بالبحث عن أفضل الحلول والتقنيات التي توفر لمسافريها تجربة سفر مريحة وفاعلة، سواء في المطارات في داخل مقصورة الطائرة.
وتعد التكنولوجيا قلب الصناعة وسلاحها القوي لتحقيق هذه الغاية والمحافظة على ولاء المسافرين لها، خصوصاً في ظل تنافسية السوق العالية في بعض المناطق مع تسارع نمو شركات الطيران الاقتصادي.
وخلال الأعوام الماضية غيرت التكنولوجيا كثيراً من صناعة الطيران، وساهمت في تعزيز أداء الشركات بل ومشترياتها أيضاً، حيث يتوقع أن توفر 89% من شركات الطيران خلال العام الجاري خدمات الشراء عبر الإنترنت و70% سيكون جاهزاً لتنفيذ إجراءات السفر من خلال الهاتف المتحرك أو الأجهزة الذكية الأخرى.
كما أن هذه التكنولوجيا ستكون الأداة الفاعلة في تعزيز الإيرادات غير الفنية، والتي تشمل رسوم الوزن الزائد وتأجير السيارات وخدمات السوق الحرة على الطائرات.
نقاط متحركة
ومن بين الخدمات التي ينتظرها المسافر خلال العام الجاري المزيد من سهولة الحركة والقليل من الانتظار في المطارات، وهذا يعني توفير نقاط متحركة خارج المطار لتنفيذ إجراءات السفر ومن بينها الحقائب، لكن الأمر مازال يتطلب مزيداً من التعاون بين أجهزة المطارات وشركات الطيران والمزيد من الاستثمارات للتحول إلى «مطارات المستقبل» أو المطارات الذكية.
أما خدمات الاتصال فحدث عنها ولا حرج، فإن مسافري اليوم لم يعودوا يحملون جهازاً واحداً بل أكثر، وهناك 80 من الركاب لديهم أجهزة ذكية وهذا يعني رغبتهم في البقاء على اتصال وهو الأمر الذي بدأت تدركه شركات الطيران مع توفيرها لخدمات الإنترنت في الأجواء، رغم بقاء التباين بين مجانية الخدمة والخدمة المدفوعة في بعض شركات الطيران.
تتبع الطائرات
وستكون التكنولوجيا هي المحرك لأنظمة أكثر تطوراً تجاه تتبع الطائرات وتتبع حقائب المسافرين، وتوجيه المسافر داخل المطار، وتقليل وقت إنجاز إجراءات السفر لإعطاء فرصة له للتسوق وتناول الطعام والشراب وبالتالي زيادة إيرادات المطارات.