المسلة السياحية
بقلم : رحاب فاروق
فنانة تشكيلية
إنه – زرياب – داهية القرن التاسع الميلادي ، مبتكر الذوق العام ، الذي يُسمي اليوم ” فن الإتيكيت ” ، إنه “ابو الحسن علي بن نافع” و (زرياب اسم لطائر أسود عذب التغريد) ،(789-857)م ، نشأ في بغداد لعائلة كردية ، وكان تلميذا للموسيقي”إسحاق الموصلي”في بغداد..قدمه كصوت جديد ببلاط الخليفة هارون الرشيد ، فأعجب به وبعذوبة صوته وبحسن أدائه للألحان والتنوع في الطبقات .
العود والطائر
ولاحظ معلمه تفوق التلميذ علي أستاذه ، فداخله الحقد والحسد ، وهدد زرياب وخيره إما بالخروج من بغداد أو اغتياله ، فتأبط عوده ورحل خوفاً من التصفية الجسدية ، لينتقل بعدها في الأمصار إلي أن طاب له الحل في بلاد الأندلس ، بقي بها حتي وفاته 243ه-857م بقرطبة ، و يوجد نصب تذكاري بأكبر ميادين قرطبة ، يترأسه العود وفوقه طائر الزرياب.
أول معهد للموسيقي
انتقل من العراق إلي قرطبة بالأندلس، دخلها كموسيقي ومغني للموشحات فالبداية ، وأسس أول معهد للموسيقي ، في العالم في مدينة قرطبة ، لكنه سرعان ما شغلته سلوكيات الناس و عاداتهم.. فبدأ بوضع تقاليد وآداب لسلوكهم..أدخل وجبات الطعام ثلاثية الأدوار والمقبلات.. (وهي أن تبدأ بالحساء ثم الطبق الرئيسي ثم تختم بالفواكه والمكسرات) .
الموائد والقطايف
كان له ذوق خاص في تنسيق الموائد وتنظيمها ، واستبدل اكوابهم الفضة والذهب بأكواب من الزجاج الرقيق ، واصطناع الأصص للأزهار من الذهب والفضة.. وقد استحسن الناس ذوقه حتي في الأطعمة، فدلهم علي صنوف محببة لم تكن الأندلس تدري شيئا عنها مثل”النقايا”وهي نوع من المعجنات المحشوة باللوز والفستق والسكر (تشبه القطايف) .
زلابية والهليون
وأول من أدخل”الهليون”للمطعم الإسباني واسموه ال” Espárragos” ، وإلي الآن يُنسب نوع من الحلوي إلي “زرياب”..في الشرق يسمونه(زلابية) ، وهو تحريف ل”زريابية” ، واشتهر عنه إقامة الولائم الفخمة وتنسيقها .
وكان ذلك كله النواة الأولي في فخامة قصور ملوك الأندلس وبيوت الأغنياء وأناقتهم ، وفي الزي والتصميم، تخير البساطة والتناسق ، وفكرة ارتداء ثياب مصنوعة من مواد مختلفة ، لارتدائها في فصول مختلفة من السنة .
الشطرنج
نقل اليهم طرق تسريح الشعر وتصفيفه ، وتنظيف الأسنان بمادة تشبه المعجون ، أدخل الشطرنج إلي الأندلس ومنه انتقل ألي أوروبا.
الرجل الأنيق
نقل أجمل ما في بغداد إلي قرطبة ، ومنها للأندلس كلها ، هو وحده الذي نقل أحسن الأقمشة ، وأزهي الألوان ، من بيوت الخلفاء إلي بيوت النبلاء ، ولم يكن أثره مقصورا علي الموسيقي والغناء ، وتجديده فيهما ، بل سحر أهلها بحسن صوته وجمال أدائه ، وإعجاز فنه وتبحره فيه .
بل إنه فتن الناس بآدابه وسعة ثقافته وتنوع معرفته ، وصفوه بالرجل الأنيق في كلامه وطعامه ، راقبوه كيف يتكلم وكيف يجلس إلي المائدة أيضاً ، وكيف يأكل علي مهل ، ويمضغ ويتحدث ويشرب بأناقة .
مناديل المرأة
كان يضع علي مائدته الكثير من المناديل ، هذا لليدين وهذا للشفتين ، وهذا للجبهة ، وهذا للعنق ، وهو أول من لفت أنظار النساء إلي أن مناديل المرأة يجب أن تكون مختلفة اللون والحجم وأن تكون معطرة أيضاً.
النشيد والجواري والنجوم
كتب النوتات الموسيقية، وزاد العود وتراً خامساً وكانت أربعة أوتار ، وأدخل علي الموسيقي مقامات كثيرة لم تكن معروفة من قبل ، جعل مضراب العود من قوادم النسر بدلا من الخشب ، ابتدع الغناء بالنشيد قبل البدء “الموشح” .
يرجع اليه الفضل في تعليم الجواري الغناء في عصره والعزف علي العود.
كان عالما بالنجوم، وتقويم البلدان ، وطبائعها ومناخها ، وتشعب بحارها وتصنيف شعوبها.
لم ينقل إلي المجتمع الأندلسي فنون الموسيقي وضروب الغناء فقط..
وإنما نقل إليه أوجه الحياة الحضارية التي كان المشارقة ينعمون بها.