المسلة السياحية
القسم الثقافي
يوم التراث العالمي 18 أبريل ، هو يوم حدده المجلس الدولي للمباني والمواقع الأثرية الإيكوموس للاحتفاء به كل عام برعاية منظمة اليونسكو ومنظمة التراث العالمي من أجل اليوم العالمي لحماية التراث الإنساني، حسب الاتفاقية التي أقرها المؤتمر العام لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة في باريس في عام 1972 .
وفى هذا الصدد يرصد خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان مدير عام البحوث والدراسات الأثرية والنشر العلمي بجنوب سيناء بوزارة السياحة والآثار ، معالم التراث القديم والمسيحي والإسلامي في آيات القرآن الكريم وقد ذكر التراث صراحة في الآية 19 من سورة الفجر {وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَّمًّا} وتعنى الميراث وما الآثار إلا ميراث من سبقنا من الحضارات المختلفة .
الحضارات السابقة
وأوضح الدكتور ريحان أن كلمة آثار وردت صراحة في الآية 21 من سورة غافر }كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ{ وفيها دعوة للتأمل فيما صنعته الحضارات السابقة، والسير في كل البقاع للتعرف على الحضارات والثقافات للشعوب المختلفة، والسير في مساكن السابقين وتأملها والاستفادة من طرق بنائها ومدى ملاءمتها للبيئة الخاصة بها ، وأن يضع المسلم في ذهنه أن من صنعوا هذه المباني العظيمة أهلكوا كغيرهم، ورغم زوال هذه الحضارات بقيت آثارهم تدل عليهم.
التواصل المعماري
كما أعيد استخدام المساكن القديمة لأجيال أخرى، وهذا يعزز فكرة التواصل المعماري عبر الأجيال كما جاء في الآية 45 من سورة إبراهيم }وَسَكَنتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ{ وأن زوال صانعي هذه الحضارات كان نتيجة افتقادهم للقوى الروحية، وأحيانًا إلى القيم الأخلاقية ومكرهم على الله ومخالفة ما أمر به .
البعث والخلود
ويشير الدكتور ريحان إلى ذكر الحضارات القديمة في القرآن الكريم ، ومنها الحضارة المصرية القديمة في الآية 38 من سورة القصص }فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا{، والتي تحدث نبوغ المصري القديم في البناء بالطوب اللبن والطوب الأحمر كنبوغه في البناء بالحجر ، والذى ارتبط بالاعتقاد في البعث والخلود إيمانًا بوجود حياة أخري ينعم بها المتوفي بعد الموت حيث يعود بعثة ثانية للحياة بعد موته ليحيا حياة خالدة ، مما دفعهم إلى بناء قبورهم بالحجر ومنازلهم وقصورهم بالطوب اللبن لأنها وقتية مرتبطة بالحياة الدنيا الزائلة .
وينوه الدكتور ريحان إلى كلمة الأوتاد في الآية 10 في سورة الفجر { وَثَمُودَ الذين جَابُواْ الصخر بالواد وَفِرْعَوْنَ ذي الأوتاد } ،والذى فسّرها بعض المفسرين بأنها الأهرامات والأبنية الفخمة المترسخة في الأرض كالأوتاد .
ويُقال للمباني والصروح والأبراج العالية أوتادًا لأنَّها مُثبتَّة في الأرض سامقة في السماء، كما ذكر صواع الملك وهو المكيال الخاص بالملك فى مصر القديمة فترة وجود نبى الله يوسف فى مصر فى الآية 72 من سورة يوسف }قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَن جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ{ .
عيون موسى
ولفت الدكتور ريحان إلى الآثار المرتبطة بنبي الله موسى وقومه والمعاصرة لتاريخ مصر القديمة والتي وقعت أحداثها في مصر بين ضفتي النيل وسيناء، ففي الآية 60 من سورة البقرة ذكرت عيون موسى }وَإِذِ استسقى موسى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ{ ، وهى العيون الحالية التي تقع 35كم من نفق أحمد حمدي .
وأن منطقة عيون موسى استمرت جريانها في المنطقة، فانبتت النباتات والنخيل، ولقد أثبتت الدراسات الحديثة التي قام بها فيليب مايرسون أن المنطقة من السويس حتى عيون موسى هي منطقة قاحلة جدًا وجافة، مما يؤكد أن بنى إسرائيل استبد بهم العطش بعد مرورهم كل هذه المنطقة حتى تفجرت هذه العيون، وأن عددها كان 12 عينًا بعدد أسباط بنى إسرائيل .
العليقة المقدسة
ويتابع الدكتور ريحان أن شجرة العليقة المقدسة ذكرت فى الآية 30 من سورة القصص }فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِن شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَن يَا مُوسَىٰ إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ{، وقد زار الرحالة الألماني ثيتمار سيناء عام 1216 م ، وذكر أن شجرة العليقة الملتهبة أخذت بعيدًا وتم تقسيمها بين المسيحيين ليحتفظوا بها كذخائر ثمينة.
وفشلت محاولات زراعتها في أي مكان في العالم، كما أنها الشجرة الوحيدة من نبات العليق بسيناء المخضّر دائمًا رغم تعاقب الفصول عليه ، باعتبارها الشجرة الملتهبة التي لم تطفئ مائيتها النار ولم تحرق النار الشجرة بمعجزة إلهية .. وتجلى الله سبحانه وتعالى في هذه المنطقة فدك الجبل بمنطقة الوادي المقدس طوى بسيناء، ويوجد بها جبل موسى (2242م فوق مستوى سطح البحر.
تداول الحضارات
ويوضح الدكتور ريحان أن القرآن أكد على تداول الحضارات بين الناس وتعددها في الآية 40 من سورة آل عمران } وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ{ ، وذكر الحضارات المختلفة منها البائدة والتي تداولتها حضارة أخرى، ومنها مدائن صالح ،وكانت موقع قوم ثمود الذين برعوا في نحت الجبال في الآية 149 من سورة الشعراء }وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ{ .
وقد استمر العرب الأنباط في هذه المنطقة ينحتون الجبال منذ القرن السادس قبل الميلاد وحتى عام 106 ميلادية ، والباقية مساكنهم بما يعرف بمدائن صالح شمال السعودية والمسجلة تراث عالمي باليونسكو .
كما ذكر أصحاف الكهف في الآية 10 من سورة الكهف ، وهناك موقع شهير بالأردن يقال أنه المكان الذى أوى إليه أهل الكهف }إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ{ .
إشارات قرانيه
وينوه الدكتور ريحان إلى إشارة القرآن للحضارات البائدة وما تركوا من آثار في الآية 45 من سورة الحج }فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ على عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ{.
والتي توضح أن معالم هذه الحضارة في الآية السابقة البئر المعطلة.
وهي البئر المهملة المرتبطة بقوم كانوا يستعملونها وبفقدانهم فقدت البئر أهميتها ونضب ماؤها وتعطلت.
أما القصر المشيد فهو كل بناء مشيد من أي مادة سواء من الحجر أو الطوب وتعنى كل الآثار السابقة.