المسلة السياحية
تقرير ثقافي
••• وتقترب الأيام ويحتفل العالم بعيد الميلاد المجيد وهو العيد الذى يمثل احترام وتبجيل وفرحة ومصدر تفاؤل لكل الشعوب على اختلاف دياناتهم وجنسياتهم وثقافاتهم .. وفى ضوء هذا يشير خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان ، إلى أن قصة ميلاد السيد المسيح هي أساس مناسبة عيد الميلاد وتلعب دورًا رئيسيًا في السنة الليتورجية المسيحية •••
ويعرض العديد من المسيحيين تقليدًا يمثل مشاهد صغيرة للمذود تصور الميلاد في منازلهم، أو يحضرون مسرحيات المهد أو مسابقات عيد الميلاد التي تركز على قصة ميلاد السيد المسيح في الكتاب المقدس، وكان تصوير مشاهد ولادة السيد المسيح تقليدًا في العديد من الدول الأوروبية خلال موسم عيد الميلاد ، ويُمثل تذكار الميلاد بدءًا من ليلة 24 ديسمبر ونهار 25 ديسمبر في التقويمين الغريغوري واليولياني .
اختلاف التقويم
غير أنه وبنتيجة اختلاف التقويمين ثلاث عشر يومًا يقع العيد لدى الكنائس المسيحية الشرقية التي تتبع التقويم اليولياني عشية 6 يناير ونهار 7 يناير.
التصوير الفني
وكان التصوير الفني للميلاد موضوعًا مهمًا للفنانين المسيحيين منذ القرن الرابع الميلادي ، ويبدأ الدكتور ريحان بالسيد عمران والد السيدة العذراء ، وكان رجلًا عظيمًا وعالم قدير وقد حملت زوجته فنذرت أن تجعل ما في بطنها من الحمل محررًا لخدمة بيت الله ، فلما وضعت وتبينت أن الجنين أنثى توجهت إلى الله كالمعتذرة ، ولكن الله تقبل المولودة بقبول حسن وأنبتها نباتًا حسنًا ، وقد توفى والد السيدة مريم وهى صغيرة فاحتاجت إلى من يكفلها ويقوم بشأنها ، واختلف رعاة بيت الله فيمن يكفلها وكان الكافل نبي الله زكريا عليه السلام والد نبي الله يحيى عليه السلام .
نبي الله زكريا
وكان نبي الله زكريا زوج خالتها ،وفى أثناء رعاية السيدة مريم يجد عندها رزقًا لا يوجد عند أحد من البشر فيسألها من أين؟ تجيبه هو من عند الله وكانت الملائكة تأتى إلى السيدة مريم وتخبرها باصطفاء الله عز وجل لها وتطهيرها من الأرجاس وتحثها على الاجتهاد في العبادة والقنوت لله عز وجل ، وهكذا نشأت على الطهارة والبعد عن كل دنس.
المسيح عيسى بن مريم
ويتابع الدكتور ريحان ” بأن السيدة مريم لما بلغت مبلغ النساء وأثناء خلوتها جاءها الملاك جبريل بالبشارة بالسيد المسيح في صورة فتى ، ففزعت منه وأخذها العجب كيف يكون لها ولد وهى لم تتزوج وهى مثال للعفة والطهارة ، وأخبرها الملاك جبريل باسم المولود يسمى المسيح عيسى بن مريم وصفاته بأنه سيكون وجيهًا في الدنيا والآخرة ومن المقربين ويكلم الناس في المهد والكهولة ، وسيعلمه الله الكتاب والحكمة والتوراة ، ويعطيه الإنجيل أي البشارة …
وأنه سيكون آية للناس على قدرة الله ، وأنه سبيل الخلاص مما هم فيه من أحوال إذ غلبت المادية على بنى إسرائيل ، وتجاوزوا حدود الله ولم يراعوا كتابه فجاءهم بالهداية ومملكة الأخلاق والفضائل، وحملت السيدة مريم بالسيد المسيح عليه السلام ومرت بجميع أطوار الحمل الطبيعية إلى أن ولدت .
بيت لحم
وينوه الدكتور ريحان ” إلى أن السيدة مريم لجأت إلى جذع نخلة عندما آتاها المخاض في بيت لحم وكان في زمن الشتاء والنخلة يابسة ، وقد جاءتها لتستتر بها أو تستند عليها وجاءها صوت قيل أنه الملاك جبريل ، وقيل صوت السيد المسيح يطلب منها أن تهز جذع النخلة اليابس فتتساقط عليها رطبًا جنيًا وهى الطاهرة الذى كان يرزقها المولى برزق دون تعب بمعجزات إلهية ، وقد اتضح علميًا أن الرطب أفضل طعام للنفساء فهو طعام وعلاج ، وهناك مكان بكنيسة بيت لحم المبنية موضع ولادة السيد المسيح قد قور البلاط فيه ويقولون أن موضع هذه التقوير كانت النخلة التي ولدت عندها السيدة العذراء .
وادى الرعاة
ويشير “ريحان ” إلى وجو مذود الماشية التي وضعت فيه الطفل عقب ولادته لعدم وجود بيت يأويها في ذلك البلد ، فأوت إلى مكان الرعاة الذين كانوا غائبين بماشيتهم في الرعي وهناك وادى عميق بجانب المدينة يسمى وادى الرعاة ، وأن سبب وجودها ببيت لحم أن الحاكم في ذلك الوقت أمر بإحصاء البشر وإثباتهم في الدفاتر فجاءت السيدة مريم ومعها القديس يوسف النجار من أبناء عمومتها إلى بيت لحم ليثبت نفسه والسيدة مريم في التعداد وكانت الولادة هناك .
قصة ميلاد يسوع
ولفت الدكتور ريحان ” إلى أن بعض الأكاديميين رأوا في سرد قصة ميلاد يسوع في سورة مريم هي قريبة بشكل خاص من إنجيل لوقا المسيحي، وذكرت بشارة السيدة مريم مرتين في القرآن وفي كلتا الحالتين يتم إخبار مريم أنها اختيرت من قبل الله لإنجاب ابن، وكانت الولادة بجانب شجرة نخيل وقد سجلت اليونسكو النخلة تراث الثقافي لامادي مشترك عام 2019 مع 14 دولة هي مصر، الإمارات، السعودية، البحرين، العراق، الأردن، الكويت، سلطنة عمان، فلسطين، اليمن، تونس، المغرب، موريتانيا، السودان .
وذكر محمد بن جرير الطبري (المتوفى عام 923م)، وهو مفسّر ومؤرّخ وفقيه، في سرده لميلاد السيد المسيح إلى وصول مبعوثين من قِبل ملك فارس مع الهدايا (على غرار المجوس من الشرق) لزيارة السيد المسيح؛ وأمروا رجلًا يُدعى يوسف بأخذها هي والطفل إلى مصر والعودة لاحقًا إلى الناصرة.
ويُشير المؤرخ المسعودي (المتوفى عام 956م)، أنّ يسوع وُلد في بيت لحم يوم الأربعاء في 24 ديسمبر ويشير ابن الأثير الجزري (توفي عام 1233م)، في مؤلفه الكامل في التاريخ، وهو عمل أصبح معيارًا للمسلمين اللاحقين، أن يوسف النجار كان له دور أكثر بروزًا في حياة السيدة مريم.
إنجيل لوقا وإنجيل متى
ويوضح الدكتور ريحان أن حادثة الميلاد ذكرت في إنجيل لوقا وإنجيل متى من زاويتين مختلفتين، إجماع العلماء هو أن كلا من الإنجيلين كتبا بين سنوات 75-85م، وعلى الرغم من أنه من الممكن أن تكون إحدى روايتي الميلاد مبنيًة على الأخرى، أو أن الاثنين يشتركان في مصدر مشترك، فإن استنتاج الأغلبية هو أن روايتي ميلاد يسوع في الإنجيلين هما مستقلتان عن بعضهما البعض.
الإيمان المسيحي
وتشكل حادثة الميلاد أحد أهم أركان الإيمان المسيحي حيث ولد السيد المسيح حسب الأناجيل القانونية في بيت لحم من أم عذراء في مكان مقفر إذ لم يجدا مكانًا في النزل بينما ظهرت ملائكة للرعاة وحضر المجوس الثلاثة، في حين حاول هيرو دس الملك قتله فهربت العائلة إلى مصر.
ظهور ملاك من السماء
ويشير الدكتور ريحان ” إلى ظهور ملاك من السماء ظهر لرعاة في المنطقة مبشرًا إياهم بميلاد المسيح، وظهر في إثره جندٌ من السماء حسب المصطلح الإنجيلي، مُسبحين وشاكرين، أمّا الرعاة فقد زاروا مكان مولده وشاهدوه مع أمه ويوسف وانطلقوا مخبرين بما قيل لهم من قبل الملاك، ولذلك هم أول من احتفل بعيد الميلاد وفق التقليد، ولعلّ زيارة المجوس الثلاثة هي من أشد الأحداث اللاحقة للميلاد ارتباطًا به، ولا يُعرف من رواية إنجيل متى عددهم غير أنه قد درج التقليد على اعتبارهم ثلاث للهدايا الثلاث التي قدموها وهي الذهب والبخور والمر [متى 2/11] بعد أن سجدوا له .
عودة العائلة من مصر
كما أنّ أغلب الدراسات الحديثة تشير إلى أنهم جاؤوا من الأردن أو السعودية حاليًا، وأمّا التقاليد القديمة فتشير إلى أنهم جاؤوا من العراق أو إيران حاليًا ، وقد قام نجم من السماء بهداية المجوس من بلادهم إلى موقع الميلاد، وكان النبي بلعام قد أشار إلى “نجم من يعقوب” سابقًا،
وأشار الباحثون إلى أن النجم اللامع المذكور في إنجيل متى قد يكون اقتران كواكب المشتري وزحل والمريخ الذي تم بين عامي 6 و4 قبل الميلاد، أمّا أبرز الأحداث اللاحقة للميلاد فهي ختان يسوع في القدس.
وهروب العائلة إلى مصر خوفًا على حياته من هيرودوس الذي أراد قتله، ومن ثم عودة العائلة من مصر بعد وفاة الملك .
الدكتور عبد الرحيم ريحان مدير عام البحوث والدراسات الأثرية والنشر العلمي بجنوب سيناء بوزارة السياحة والآثار