قصة قصيرة بقلم : الكاتب اليمني محمد مصطفي العمراني
قم شرق ..
كنت أسمع هذه الكلمة ويطير نومي وأصحو مذعورا لأني أعلم ما بعدها فمن المؤكد أن أمي ستقوم بدلق سطل الماء البارد علي في الفراش لتبللني وثيابي في هذا البرد القارس .
أتناول افطاري على عجل بينما ينتظرني الحمار لنمضي نحو الكابوس المقرر علي المرور به ثلاث مرات يوميا ، مرة في الصباح بعد الإفطار ، ومرة بعد الغداء ، ومرة أخيرة قبيل المغرب .
وبالنسبة لي فجلب مياه الشرب من الجبل أفضل من رعي الغنم بكثير لولا ذلك المنعطف الخطير الذي يتربص بي والحمار قرب عين الماء .
أظل طوال الطريق أفكر كيف سأنجو من ذلك المنعطف دون أن أسقط مع الحمار إلى أسفل الجبل ؟!
أصل المنعطف الخطير فأنزل من فوق الحمار وأدفعه فيقفز من المنعطف ثم أقفز وراءه فينزاح عني نصف الهم لأنتظم في الطابور حتى يأتي دوري وأملئ علب الماء وأعود أمشي وراء
الحمار وحتى يتجاوز المنعطف أقفز بعده أوقفه وأركب .
&&&&&&&&&&
وحين سقط أحد الأطفال مع حماره صرخنا كلنا ونزلنا على اثره وقمنا بحمله واسعافه إلى المركز الصحي ، كلنا توقعنا موته فقد كان غائبا عن الوعي ، لكنه نجا وعاد بعد أسابيع يمشي على
العكاكيز بصعوبة ، كما نجا الحمار أيضا ، ومن حينها زادت3 الكوابيس فصارت تهجم علي في نومي وصحوي ، أنام وأحلم أنني سقطت مع الحمار إلى أسفل التل وأصحو مفزوعا أتصبب عرقا ، وفي صحوي كنت أتخيل أنني سقطت مع الحمار وكسرت رجلي وعدت أمشي بالعكاز فتزداد مخاوفي .
ومضت سنوات وأنا اعيش كوابيس متواصلة خشية السقوط مع الحمار من ذلك المنعطف الخطير دون أن يقوم الأهالي بتوسعة الطريق أو البحث عن حلول ودون أن يخطر ببالي أن هناك طرق
أخرى آمنة يمكن أن اسلكها إلى عين الماء دون المرور بذلك المنعطف التاريخي الخطير !.
ولم ينقذني من تلك الكوابيس المخيفة إلا رحيلي من القرية إلى المدينة للدراسة بالجامعة ومضت سنوات طويلة وعلمت بأن أهل قريتنا قد استطاعوا إيصال الماء إلى المنازل بعد أن سقط في ذلك
المنعطف الخطير أربعة أطفال توفي أحدهم وبقي الثلاثة يمشون بالعكاكيز فحمدت الله على أن القرية تخلصت أخيرا من ذلك الكابوس المخيف .
&&&&&&&&&&
والغريب والعجيب أنني حين عدت إلى القرية قبل أشهر وجدت أن مشروع الماء قد توقف بعد أن تنازع الأهالي على إدارة المشروع وعاد الناس إلى جلب الماء بالحمير والمرور بذلك المنعطف
الخطير !.
اجتمعنا في مقيل أحد وجهاء القرية وتم نقاش هذه القضية وحين اقترحت عليهم تنظيم إدارة المشروع كل أسبوع عند شخص منهم وافق البعض ورفض آخرون ، حاولت جمع كلمتهم ولكن جهودي فشلت فاقترحت عليهم رحمة بالأطفال والحمير أن يسلكوا طرق أخرى آمنة للوصول إلى عين الماء فابدوا دهشتهم من هذه الفكرة الغريبة التي لم تخطر لهم ببال ، وحين سألتهم :
لماذا لم تسلكوا طريق اخر آمن بدلا من المرور بالمنعطف
الخطير ؟
وحينها ردوا علي بما أفزعني :
ـ نحن نمشي وراء الحمير وهي من تسلك بنا ذلك الطريق !