المسلة السياحية
حول العالم
الصفحات المجهولة
بقلم : صلاح عطـية
¤ في عام ٢٠٠٦ كان لي حظ اعداد الحلقات التي كتبها الرئيس الراحل أنور السادات في “الجمهورية “على مدى عامي ١٩٥٤،١٩٥٣ تحت عنوان “صفحات مجهولة من كتاب الثورة ” لكى تصدر في جزئيين من سلسلة ” تراث الجمهورية ” التي بدأتها في يناير عام ٢٠٠٦ وقدمت فيها للجمهورية ٦٧ كتابا..وقد روى أنور السادات في هذه الحلقات قصة ثورة يوليو منذ بداية اللقاء بين مجموعة الضابط الصغار الذين تخرجوا حديثا والحقوا بمعسكر الجيش في منقباد، في صعيد مصر ،وذلك في عام ١٩٣٨..وهى حلقات قدم لها الرئيس جمال عبد الناصر وأشاد فيها بجهد الرئيس أنور السادات الذى كان في ذلك الوقت مديرا عاما لدار الجمهورية للصحافة..
¤ فالسادات اذن يرجع بداية التفكير في ثورة يوليو الى عام ١٩٣٨..وهو يقول في “صفحات مجهولة من كتاب الثورة ” عن هؤلاء الضباط انهم : قد تجمعوا جميعا.. حول ضابط شاب من بينهم، وكان هو جمال عبد الناصر، الذى لفت نظرهم بشخصيته الجادة وبأفكاره التي جمعتهم حوله..ويقول السادات : لم يكن احد يدرى ان مجموعة الضباط الصغار الأصدقاء التي التفت حول جمال عبد الناصر : ” ستكون نواة لمجموعة اكبر واكبر ..وان اجتماعهم في فترة الشباب البعيدة لن يكون مجرد صدفة تمر ويتشتت من بعدها شمل الأصدقاء ،وانما سيكون البدء الحقيقي لجهاد عنيف ومحن كثيرة وعمل خطير”..ويضيف “كان جمال يعيش بأمل لم نحلم نحن به في تلك الفترة السحيقة من حياتنا في منقباد ..ويضيف السادات : ” وحدد جمال عبد الناصر أسباب ما تعانيه مصر فقال لزملائه “انهم الانجليز اصل البلاء كله”..
¤ وكانت هذا الكلمات مفتاح تفكير طويل بين مجموعة الضباط الصغار..ولكن الضباط الصغار لم يلبثوا ان تفرقوا حيث نقلوا الى عدة أماكن الى الإسكندرية وطنطا والقاهرة ومطروح..وكان نصيب جمال عبد الناصر بعد فترة، قضاء عامين كاملين في السودان بين ديسمبر ١٩٣٩ وديسمبر ١٩٤١..وكان في البداية قد نقل من منقباد الى امبابه وبعد شهر واحد نقل الى العلمين ثم نقل مرة اخري الى ابى زعبل ومنها الى السودان.. “يقول أنور السادات : في فترة تنقلات جمال ،جمع على الفكرة عددا اخر من الضباط ،وكنا نحن أيضا نصنع مثل هذا..”
&&&&&&&&&&
¤ ثم وقع حادث ٤ فبراير ١٩٤٢ حين حاصر الانجليز قصر الملك فاروق واجبروه على تعيين مصطفى النحاس رئيسا للوزراء..وشعر الضباط بالإهانة التي لحقت بالملك وبمصر بالتالي وقرروا رد الإهانة..وتتطور الاحداث الى مشاركة السادات مع جاسوسين المانيين بهدف إيذاء الجيش البريطاني في النهاية وهو يواجه الالمان على امتداد ساحل المتوسط قبل موقعة العلمين وقبض على أنور السادات ومعه حسن عزت وانتهى الامر بطردهما من الجيش واعتقالهما..وكان هذا الاعتقال خاتمة لفترة من فترات الكفاح الذى استقر عليه عزم الضباط الشباب وتعاهدوا عليه فوق تباب الشريف الى جوار منقباد..”ولم يكن هذا الكفاح يستطيع ان يتصل طول الوقت ..فقد نقل جمال عبد الناصر الى السودان وتشتت تشكيلنا الأول هنا وهناك” ولكن الاحداث دفعت البعض الى العمل بروح التشكيل وفكرته”
¤ ويحدد أنور السادات في ” صفحات مجهولة من كتاب الثورة ” بداية العمل الحقيقي والمنتظم في ٨ مايو ١٩٤٥..يوم انتهاء الحرب في أوروبا يقول ” : آن وقت العمل الجماعي المنتظم..وبدأ جمال عبد الناصر يخرج عن صمت المراقب الى حركة القائد الذى يعد العدة لأكبر معركة تتنتظرها مصر منذ-غلبت على امرها تحت اقدام الطغاة..يقول أنور السادات : ” لمح عبد الناصر هذه الفرصة التي كان فكر فيها طويلا خلال الحرب ثم بدأ ينظم خطوطه ويحدد اعوانه ويرسم خطواته لهدف كبير،
كان جمال الذى يعمل هو جمال الناضج الذى مرت به تجارب السنوات الست الكثيرة ،سنوات الحرب ، وما تخللتها من احداث داخلية و خارجية،و ما رآه فيها من هزات عنيفة ومن محاولات وطنيه واخري خائنه..ويضيف : ” وضع جمال عبد الناصر كل الضباط امامه..ثم بدأ يرسم الوسيلة ويضع الخطوط ويعد التنظيم الذى يستطيع ان يقود الجيش الى معركته الكبرى باسم الشعب..بدأ يصنع ذلك فى الفترة التي تلت ٨ مايو ١٩٤٥..يوم نهاية الحرب في أوروبا..
يقول أنور السادات ” وان كان جمال عبد الناصر قد اشعل الجذوة في ليالي منقباد..فأنها ظلت مشتعلة..فقد ظل جمال مراقبا لهيبها..وكان في صمته خلال نقله الى السودان وبعد عودته من هناك ما يعد لجذوة اخري ..وكانت عينا جمال الفاحصة تبحث عن الرجال والاعوان”..
¤ وقد علق جمال عبد الناصر ،في تقديمه لما كتبه أنور السادات بقوله :” ان شخصية أنور السادات لجديرة بالإعجاب ،خليقة بالإطراء ،فعبقرتيه العسكرية الممتازة ،وشجاعته ورباطة جأشه ،واخلاصه وتفانيه في خدمة المثل العليا، الى جانب قوة ارادته ،وتنزهه عن الغرض ،ورقة عواطفه وميله الغريزي للعدالة والانصاف كل هذه الصفات جعلته اهلا للقيام بدور هام في التمهيد لثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٢، والسير بها قدما في سبيل النجاح..
&&&&&&&&&&
لقد استخدم أنور السادات هذه السجايا في جميع أدوار حياته، كما احسن استخدامها في خدمة القضية الوطنية ،فنجده قد سجن في شهر نوفمبر ١٩٤٢ بأمر العدو المستعمر..ثم اعيد اعتقاله عام ١٩٤٤ لنشاطه الوطني ،ولكم تحمل من ألوان الحرمان والتعذيب ،فلم تهن عزيمته ،ولم تتزعزع عقيدته ،ولا ولم يفت ذلك في عضده ،بل ازداد رسوخا وايمانا ،ولا غرو فعلى قدر اهل العزم تؤتى العزائم، فكان له من سنوات سجنه الطويلة فرصة للتفكير ،والتفكير مليا، حتي رجع بتمعنه وتأملاته الى الاف السنين الخوالي، و طالع ما كان خلالها من مطامع العالم التي شخصت وتجمعت حول هذا البلد الطاهر، فظل الشعب المصري الآبي الكريم رازحا تحت نير الاستعباد، ردحا طويلا من الزمان، متخلفا بذلك عن تقدم سائر البلدان ،فما كاد يفر من معتقله ،حتى صار رمزا حيا للمطالبة بالحرية ،ومعبرا صادقا للشعور الجامح الذى سرى في شعب وادى النيل اجمع ،من البحر الأبيض المتوسط حتى اعالي خط الاستواء..مطالبا بالتحرر من الظلم والاستعباد والطغيان”..
¤ ويضيف جمال عبد الناصر : ” لقد عمل الضباط الاحرار جاهدين من اجل اذكاء الحماسة في القلوب التي ابتأست ،واشعال الجذوة في النفوس التي اتقدت، حتي يستطيع الشعب الكريم ،مجابهة عدوه اللدود الممثل في ثلاث (الملكية والاقطاع والاستعمار )..كان النظام الملكي الرجعى المنوط بأسرة اجنبية ،حائلا دون تقدم البلاد ،فكان اول الزام على الثورة ،ان تهدمه تماما وتقضى عليه لتفسح الطريق امام نهضة البلاد ،ثم اصبح لزاما عليها بعد ذلك ان تقتلع جذور الفساد والمحسوبية والرشوة والرجعية والحزبية المغرضة البغيضة ،حتى تطهر البلاد من الادران ،و أخيرا وليس باخر كان لزاما على الثورة ان تعبئ الشعور العام، وتدرب الجموع المتكتلة الحاقدة على عدوها الغاصب لمجابهة ذلك العدو بكل ثقة واطمئنان..وقد كان “..
¤ وهكذا نستطيع ان نقول ان هذه “الصفحات المجهولة ” تؤرخ لبداية التفكير في عمل يقوم به الضباط الشبان لتخليص الوطن من “بلاء الاستعمار “كان في عام ١٩٣٨ وبعد تخرجهم مباشرة وتجمعهم في معسكر منقباد في صعيد مصر..ولكن العمل الجاد والفعلي بدأ بعد نهاية الحرب العالمية في مايو ١٩٤٥ كما يقول أنور السادات في صفحاته المجهولة..