دراسات وبحوث
بوابة السياحة العربية
يلخصها د . عبد الرحيم ريحان
©احتفل المصري القديم بالأم وخصصوا لها يومًا، فقد كانت الأم مقدسة منذ أقدم العصور وهو ما تمثل جليًا في تحديد يوم سنوي للاحتفال بإيزيس رمز الأمومة والزوجة الصالحة في الديانة المصرية القديمة، ومن هذا المنطلق كانت دراسة الدكتورة مريم عاطف شاكر المتخصصة في الآثار المصرية القديمة©
وتشير الدكتورة مريم عاطف شاكر إلى أن احترام الأم وتقديرها كان أمرًا واجبًا في المجتمع المصري القديم مما يعكس مركزها الرفيع آنذاك ولاسيما في الأسرة، إذ ورد ذكر فضلها على أولادها الذين ولدتهم وحملتهم في بطنها فضلًا عن رضاعتهما وكانت مدة الرضاعة عند المصريين القدماء ثلاثة أعوام .
الأم في الأدب القديم
وكانت الأمهات يشعرن بالسعادة عند ارضاع أطفالهن، ومن أروع ما خلّفه الأدب المصري القديم ما قاله الحكيم (آني) عن الأم : ” لقد وُلدت لها بعد تسعة أشهر وضمتك إلى صدرها، وأرضعتك طيلة ثلاث سنوات كاملة” “أعط المزيد من الخبز لأمك وأحملها كما حملتك، لقد كنت عبئًا ثقيلًا عليها، حين وُلدت بعد تمام أشهرك، حملتك على عنقها وظل ثديها في فمك ثلاث سنين كاملة، ولم تكن تشمئز من قذارتك ولم تقل (ماذا أفعل؟)…
أنها أدخلتك المدرسة لتتعلم الكتابة وظلت تنتظرك في كل يوم تحمل لك الخبز والجعة من منزلها وعندما تصبح شابًا وتتخذ لك زوجة وتستقر في منزلك فضع نُصب عينك كيف ولدتك أٌمك وكل ما فعلته من أجل تربيتك، ولا تجعلها توجه اللوم إليك وترفع يدها إلى الإله بأن يستمع إلى شكواها ” .
الأم هبة الإله
وقد أوصي المصري القديم بحسن معاملة الأم وعدم عقوقها، ومن حكم (سنت حوتب) بهذا الخصوص: “حُب الأم يهب كل شيء.. ولا يطمع في شيء” “الأم هبة الإله، ضاعف لها العطاء فقد أعطتك كل حنانها، ضاعف لها الغذاء فقد غذتك من عصارة جسدها، احملها في شيخوختها، فقد حملتك في طفولتك أذكرها دائمًا في صلاتك وفي دعائك للإله الأعظم، فكلما تذكرتها تذكرتك وبذلك ترضي الإله فرضاؤه يأتي من رضائها عنك”.
كما ورد في بردية (آني) بحق الأم ما يأتي: “دعاء الأبناء لا يصل إلى آذان السماء إلّا إذا خرج من فم الأمهات”، “الأم هي الإله للأرض.. فقد أودع الإله سر الوجود من وجودها استمرار لوجود البشر” ، “أجلب الرضا لقلب أمك والشرف لبيت أبيك” .
الأمثلة المصرية القديمة
وتضيف الدكتورة مريم عاطف شاكر بأن التقدير الذي يكنه الابن لأمه كان كبيرًا في مصر القديمة فقد ورد في أحد الأمثلة المصرية القديمة: “يأتمن الرجل أمه على أسراره أفضل من أن يأتمن زوجته”، كما يلاحظ على المشاهد الفنية على مقابر الدولة القديمة أم المتوفى في العادة ممثلة إلى جانب زوجته …
كما تؤكد الرسائل الخاصة أهمية العلاقة بين الأم والابن فقد كتب الكاهن والمزارع (حقا نخت ) في القرن العشرين قبل الميلاد رسالة ذكر فيها بازدراء أبنائه ومستخدميه، بيد أنه أرسل تحيات محترمة وحنونة إلى أمه المترملة وهكذا فإن محبة الأولاد لأمهم كانت ذا معنى عميق؛ نظرًا لما بذلته الأمهات من أجلهم “كن دائما مُحبًا لأمك، إذا لم تفعل ذلك فسوف تغضب عليك الآلهة ” .
تمثال “إيزيس”
كما عثر علي بردية توثق الاحتفال بعيد الأم الذي تم تحديده في آخر شهور الفيضان أي وقت خصوبة الطبيعة في مصر حيث تكون الأرض مُعدة لبذر البذور، وقد كان المصري القديم يضع الهدايا في غرفة الأم، واعتبروا تمثال “إيزيس” التي تحمل ابنها “حورس” رمزًا للأمومة، فكانوا يضعونه في غرفة الأم مُزين بالزهور ويحيطونه بالعطور والدهون وملابس الكتان .
احترام الأم علي جدران المقابر
كما توضح مناظر جدران المقابر احترام الأم، فنجد منظر الوليمة الملكية التي أُقيمت علي شرف زيارة الأم الملكية “تي” لابنها “أخناتون” وزوجته نفرتيتي في مدينة “تل العمارنة ” حيث يجلي أخناتون قُبالة أمه الملكة “تي” وأخته “باكت آتون ” وخلفه تجلس زوجته “نفرتيتي” وبناته الأميرات وبجانب كل منهم مائدة طعام خاصة به ومائدة أخري للمشروبات حيث يقوم كل منهم بوضع الطعام في فمه كما توجد سلة مملوءة بالحلويات وأنواع الكعك المختلفة، كما يوجد موقدين مشتعلين ربما للمحافظة علي سخونة الطعام، وهذا إن دل يدل علي حُسن استقبال الملك الشاب لوالدته واحترامها ووضعها في مكانة مميزة .
خطيئة الخطايا عقوق الوالدين
وتنوه الدكتورة مريم عاطف شاكر بأن عقوق الوالدين كان خطيئة الخطايا في مصر القديمة فيدرجونها في خانة الخطايا الست الشائنة، ونادرًا ما يُسمع عن عقوق طفل بين المصريين القدماء ومن عاداتهم أن يقبَل الولد يد والده ووالدته .
الأديان السماوية
وتحث الأديان السماوية علي احترام الوالدين ﴿وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا﴾ (النساء: 36) , ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾ (الإسراء: 23-24)…
﴿قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا﴾ (مريم: 30-32) , ﴿وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ (لقمان: 14-15) …
﴿وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاَثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ (الأحقاف: 15) .
وجاء في (سفر الخروج 20: 12) “أَكْرِمْ أَبَاكَ وَأُمَّكَ لِكَيْ تَطُولَ أَيَّامُكَ عَلَى الأَرْضِ الَّتِي يُعْطِيكَ الرَّبُّ إِلهُكَ”، وفى (سفر الأمثال 20:6) يقول سليمان الحكيم: “يَا ابْنِي، احْفَظْ وَصَايَا أَبِيكَ وَلاَ تَتْرُكْ شَرِيعَةَ أُمِّكَ” ، وفى (سفر الأمثال 19: 26) “الْمُخَرِّبُ أَبَاهُ وَالطَّارِدُ أُمَّهُ هُوَ ابْنٌ مُخْزٍ وَمُخْجِلٌ” ، وفى (سفر الأمثال 20:20) “مَنْ سَبَّ أَبَاهُ أَوْ أُمَّهُ يَنْطَفِئُ سِرَاجُهُ فِي حَدَقَةِ الظَّلاَمِ”، “أَيُّهَا الأَوْلاَدُ، أَطِيعُوا وَالِدِيكُمْ فِي الرَّبِّ لأَنَّ هذَا حَقٌّ” (أفسس 1:6)
#عيد_الأم