بوابة السياحة العربية
كتب د. عبد الرحيم ريحان
©© تناقل البعض مقطع فيديو يظهر سقوط الأمطار داخل البهو العظيم للمتحف الكبير وعلي تمثال الملك رمسيس الثاني بالبهو ، وقد صدر بيانًا رسميًا بهذا الشأن من وزارة السياحة والأثار بالرد الرسمي نقلًا عن المسئولين بالمتحف .. وتعقيبًا حول ما أُثير بخصوص تصميم البهو العظيم للمتحف الكبير لبيان الإشكالية الحقيقية بعيدًا عن الصخب ننشر الرأي العلمي المتخصص .
يطرح الدكتور محمد جمال راشد، أستاذ الآثار والدراسات المتحفية المساعد عدة أسئلة للنقاش للتقييم المهني والعلمي وليس علي نهج صائدي المواقف، أو أصحاب المنابر الإعلامية غير الهادفة حتي يستطيع القاصي والداني فهم الأمر وتحليله تحليلا منطقيًا .
1. ما هو الغرض من البهو العظيم بالمتحف (الصالة الرئيسية الكبرى التي تلي دائمًا مدخل المتحف)؟
2. ما هي الفكرة التصميمية للبهو العظيم بالمتحف المصري الكبير؟ وما الغرض الذي تم تصميمه له؟
3. هل يوجد مشكلة في تنفيذ سقف البهو أم أن الإشكالية الأساسية تتمثل في التصميم المعماري الأصلي؟
4. إذ كان هناك أخطاء فادحة في التصميم المعماري للمتحف المصري الكبير، فمن المسئول عن ذلك؟ علمًا بأن هناك إدارات عدة تعاقبت علي المتحف ما بين 2010 وحتي اليوم وهي الفترة التي بدأ فيها تطوير المخطط الأصلي للمبني، الموافقة عليه، ووضع موضع التنفيذ.
عمارة المتاحف
ويتابع الدكتور محمد جمال راشد بأن عمارة المتاحف في مصر شهدت تطورًا ملحوظًا ارتبط بتطور المتاحف ودورها؛ وهو التطور الناتج عنه تنوع شديد في أنواع المتاحف من حيث رسالتها، أهدافها، طبيعة مقتنياتها، والمجتمع الذي تخدمه.
وهو التنوع الثري الذي ألقي بظلاله علي عمارة المتاحف، تاريخيًا تشكّل العمارة جزء لا يتجزأ من حياة وثقافة الإنسان.
وتُعرف العمارة بأنها: «فن تصميم وتخطيط وتشييد المنشآت والمباني التي تفي باحتياجات الإنسان.
وتستند العمارة علي العلم المعني بها وهو علم له تاريخ وأسس عريق، وعبر التاريخ الطويل للإنسانية تطورت المدارس المعمارية وتعددت فلسفتها وتوجهاتها. فيما تستند العمارة علي العديد من العلوم.»
وقد تطورت العمارة من كونها فن يعبر عن الهوية إلي كونها علم يُدرس يستند علي العديد من المبادئ والنظريات في كيفية خلق التوازن فيما بين تشكيل هوية البناء من ناحية وتحقيق الوظيفة والغرض من ناحية أخري.
وذلك مع مراعاة العوامل البيئية المؤثرة فيها. وتقوم نظريات العمارة – مع اختلافها – علي فلسفة التصميم في اختيار الفكرة التصميمية المناسبة استنادًا علي مجموعة الأسس المعمارية .
علم العمارة
فيما يمكن تعريف علم العمارة بأنه «فن تكوين الحجوم والفراغات المخصصة لاحتضان الوظائف والنشاطات الإنسانية والاجتماعية بتنوعها. … » ويضع علم العمارة مجموعة من الأسس الخاصة بتحديد هوية التصميم المعماري لأي مبني.
وتنطلق الفكرة التصميمية من واقع القراءة الكاملة لبعض العوامل المؤثرة في بناء التصميم، والتي تشمل طبيعة المشروع المراد تصميمه، هويته والغرض منه، الدراسة الأولية للموقع، خصائصه والظروف البيئية المحيطة به.
والأصل في نشأة وتطور الفكر المعماري هو الإيفاء وتلبية الغرض الوظيفي النفعي من إقامة الأبنية، ولم يختلف الأمر في عمارة المتاحف؛ إذ ارتبطت فلسفة العمارة المتحفية ببعدين أساسين، وهما: الهوية والوظيفة، وقد استندت تطور العمارة الحديثة علي تحقيق الوظيفة والغرض كأولوية أولي بخلق الفراغات المناسبة لحاجات المجموعة المتحفية ومستخدمي المتحف من الزوار والمترددين عليه لأغراض مختلفة.
فلسفة المتحف
وينوه الدكتور محمد جمال راشد إلى أن فلسفة المتحف – معماريًا – بأنها:- مباني تعكس الشخصية المعمارية هويتها ورسالتها؛ تستند فلسفة تصاميمها الداخلية علي تحقيق الوصول (الوظيفة) باعتبارها أقيمت بغرض أساسي لحفظ مقتنياتها، وتوظيف أجنحتها لعرض وتقديم المعروضات، والأنشطة والخدمات المختلفة للزوار
وعليه، نخلص بأن تحقيق الغرض ينبغي أن يكون المحور الأساسي لتطوير أي تصميم معماري للمتحف، ويمكن لمن يرغب مراجعة تصاميم معماري للعديد من المتاحف الحديثة في الخليج العربي وأوروبا وغيرها.
التصميم المعماري للمتاحف
عادة ما تستدعي عمارة المتاحف صورة معينة في أذهان الناس، ولكن الأهم هي الصورة التي تنظم عبرها عماراتها وتوزيع الفراغات المختلفة بها. وفي هذا السياق، تذكر شارون ماكدونالد أن التجربة التي تتكون لدي الزوار عبر مسار الزيارة داخل المتحف تساهم في الصورة التي يتم بها تفسيرهم وفهمهم لمحتوي العروض المتحفية.
هذه الرؤية تؤكد علي أهمية وقيمة الإبداع في تصميم الفراغات، تنظيمها، وخلق مسارات مرنة وسهلة للزوار؛ فضلًا عن ضرورة تعزيز ذلك بالتوزيع الأمثل والأنسب للمساحات المخصصة للخدمات اللوجستية لخدمة الزوار والمترددين علي المتحف.
ولذلك، فإن هناك سؤال هام يُطرح دائما أمام المعماريين أولاً، ثم أمام مصممي العروض المتحفية حول كيفية تنظيم فضاءات المتحف بما يساهم في إظهار والتعبير عن كل الأفكار والرسائل التي يبتنيها المُتحف وصناع العروض المتحفية.
بمعني، ان التصميم المعماري للفراغات وتنظيمها الداخلي تلعب دورًا في تشكيل الخبرات والتجارب التي يخرج بها الزوار.
وتساهم بشدة في تعظيم الاستفادة من التجربة، وتقليل احتمالات إضاعة الوقت والجهد والتشتت.
التصميم هو مجموع العمليات والخطط التي يضعها المصمم في شكل مخطط. والذي يشكل مرجعية للتطوير وتنفيذ منتج نهائي.
ويجب أن يضع في الاعتبار العلاقة المكانية مع المخطط العام لموقع المبني بما فيه من من خدمات وعناصر لوجستية ووظيفية.
والتصميم الإنشائي يضع النظام والهيكل الإنشائي المناسب لتنفيذ المبني وفقا للتصميم المعماري وبما يضمن قيامه بالوظيفة المرجوة منه علي أكمل وجه.
ويتطلب وضع الهيكل الإنشائي سلسلة من الحسابات والمعادلات ويجب أن يضع في الاعتبار حساب الأبعاد للفراغات والحمولات المختلفة والمتغايرات البيئية كالرياح، الأمطار والثلوج، الفيضانات، إلخ، وتأثيرها علي القدرة الإنشائية للمبني وقيامه بوظيفته .
الغرض الرئيسي من البهو
ويشير الدكتور محمد جمال راشد فيما بخص الغرض الرئيسي من البهو أو الصالة الرئيسية التي تلي مدخل المتحف الكبير إلى أن جوهر التصميم المعماري لأي بناية يعتمد علي الغرض الأساسي منها، وهو الذي يشكل التفاصيل الدقيقة لكيفية تصميم الفراغات الداخلية والعناصر الأساسية التي تُشكل التصميم الخارجي للمبني.
وعادة ما تتمتع الفراغات اللوجستية والخدمية بمواصفات عامة متعارف عليها لا تختلف كثيرًا، خاصة في المؤسسات التي يتردد عليها الجمهور أو تقدم خدمات للمجتمع لا سيما المتحف، المسرح، المولات التجارية، محطات القطارات الكبرى، إلخ.
ويأتي مقدمة الفراغات اللوجستية بالمتاحف، البهو الرئيسي للمدخل وصالات الاستقبال:-
فعادة ما يكون هناك حرص علي وضع تصميم خاص للبهو الرئيسي التال لمدخل المتحف، وذلك لعدة إعتبارات تتعلق بوظيفته في تكوين الإنطباع الأول للزوار بجانب استيعاب الأعداد وتقديم تسهيلات حول استفسارات الزوار.
يحتوي البهو الرئيسي عادة علي منصات الاستعلامات والإرشادات للزوار، نقاط اتصال بمختلف أجنحة المتحف، دورات المياه، الأمانات.
وفي بعض الحالات قد يعرض فيه بعض المقتنيات الرئيسية ضخمة الحجم للترحيب بالزائر.
وقد يخلو من العروض المتحفية، ويكرس كاملًا لخدمات الزوار كما هو الحال في البهو العظيم بالمتحف البريطاني وصالة كوور بوجيه بمتحف اللوفر، فيما نجد البهو العظيم بمتحف الميتروبولتان للفن، وقد عرض به تمثال ضخم لأحد الملوك المصريين القدماء؛
وفي المتحف المصري الكبير نجد تمثال بارتفاع ثمانية عشر مترًا لرمسيس الثاني يستقبل الزوار في بهو تصل مساحته لأكثر من 5000م2.
وفي متحف التاريخ الطبيعي بلندن، نجد الهيكل العظمي لديناصور، وهي نفس الصور المتوافرة في العديد من متاحف التاريخ الطبيعي.
وأردف الدكتور محمد جمال راشد إلى تحديد الهدف الرئيسي من تصميم البهو الرئيسي بالمتحف الكبير كالآتي:
1. ترك انطباع قوي لدي الزوار فور دخول المتحف وتهيأتهم لمشاهدته العروض المتحفية.
2. استيعاب الأعداد الوفيرة من الزوار، والتي قد تصل بإعداد كبيرة غير متوقعة؛ وبالتالي يمكن تفادي التزاحم أمام المبني والاستقبال الجيد لهم.
3. توفير خدمات الوصول للزائرين كالاستعلامات والرد علي تساؤلاتهم وتقديم الخدمات المناسبة.
4. توفير مساحات آمنة للإنتظار للمجموعات علي المدخل بعد المرور بالتفتيش الأمني. وأماكن الانتظار للمجموعات المرتبطة بجداول مواعيد للوصول.
5. تقديم خدمات الأمانات، والوصول لدورات المياه قبل وبعد الزيارة.
6. إتاحة المجال للزوار للتكيف مع الجو داخل المتحف والتهيئة لبدء الزيارة.
7. أماكن الانتظار للمجموعات بعد انتهاء الجولات الحرة داخل المتحف.
8. نقطة التقاء حرة وانتظار للأفراد.
9. إتاحة المجال للزوار لالتقاط الصور التذكارية بالمتحف والاستمتاع بالتصميم المعماري الداخلي للبهو.
فنجد مثلًا البهو الرئيسي لمُتحف الميتروبولتان للفن بنيويورك مكونة من مساحة مستطيلة كبيرة بارتفاع الطابقين الرئيسين للمبني، جاء تصميم البهو العظيم من أعمال ريتشارك موريس هانت.
ويتم الوصول له عبر المدخل الرئيسي للمبني الذي يتوسط الواجهة المطلة علي الجادة الخامسة بمنهاتن. ويتم ذلك عبر الدرج الكبير، ثم المدخل يؤدي لمنتصف البهو الرئيسي، بني البهو من الحجر الجيري، السقف مكون من ثلاث قباب كل منها مدعوم بمجموعة متعاقدة من العقود، والقباب الثلاث متصلة بالعقود الثلاث التي تظهر علي الواجهة الرئيسية المطلة علي الجادة الخامسة.
ومن البهو الكبير يستطيع الزوار الوصول لمختلف الطرق ومسارات الزيارة داخل المبني.
وعليه، فإن الغرض الوظيفي الرئيسي هو خدمة الزوار، وتهيئتهم بخلق بيئة مناسبة آمنة ومعزولة عن تقلبات الأجواء الخارجية.
ويمكن في ذلك مقارنة تصاميم البهو الكبير في كل من المتحف البريطاني، متحف اللوفر، متحف المتروبوليتان للفن، متحف التاريخ الطبيعي في نيويورك ولندن وواشنطن؛ وغيرها من مئات التصاميم لمتاحف كبري بحجم وأهدافه مشابهة للمتحف المصري الكبير.
ثانيا، فيما يخص الفكرة التصميمية للبهو العظيم بالمتحف المصري الكبير؛ والغرض الأصلي من هذا التصميم:-
وعن البهو العظيم للمتحف المصري الكبير يذكر الدكتور محمد جمال راشد جاءت الفكرة التصميمية للبهو العظيم جاءت علي غرار بهو متحف اللوفر والبريطاني، المساحة الهائلة والسقف المرتفع الزجاجي الذي يسمح بوصول الضوء الطبيعي ويمثل مرحلة انتقالية ما بين البيئة الخارجية وصالات العرض الدائم.
وقد وضعت فيه خدمات الزوار من أماكن الأمانات ومكاتب الاستعلام للزوار؛ ويأتي عرض تمثال رمسيس الثاني وبعض الأثار الأخرى تشبها بفكرة البهو العظيم لمتحف الميتروبولتان للفن.
وعليه ورغم وضوح الغرض من التصميم، إلا أن التصميم الحالي المنفذ يفتقر للعديد من العناصر التي تساعد في تأديته للغرض الوظيفي المصمم له، فبداية السقف الحالي الذي يسمح بدخول الأمطار والأتربة خاصة وأن المتحف يقع في منطقة معروفة بكثرة العواصف الترابية والزحف الترابي من الصحراء الغربية.
وقد أثبتت تجربة التشغيل خلال الأشهر الماضية الوضع المزرى لأرضية البهو التي تتسخ يوميا بصورة سريعة جدًا.
فالمتحف من المتوقع أن يستقبل أكثر من 20.000 زائر يوميا يمرون مرتين علي الأقل بالبهو الكبير باعتباره المدخل والمخرج الرئيسي للزوار، وارتباطها بكافة الخدمات اللوجستية للزوار.
ومن المتوقع أن يكون بهذا البهو أكثر من 5.000 زائر علي مدار الساعة.
وعليه، فإن كم الأتربة الناجمة عن الرياح سوف تعكر الأجواء بشدة لهم خاصة وأن لا يوجد ملجأ أخر للزوار مما سينتج عنه الآتي :
1. تضرر الزوار من الأتربة الناجمة عن الأجواء الخارجية بصفة يومية أو الأمطار الموسمية.
2. الإتساخ المستمر للبهو بسبب الأتربة أو الأمطار مع حركة ألاف الزوار؛ وصعوبة تنظيف البهو خلال ساعات عمل المتحف بالتأكيد.
3. انتقال الأتربة العالقة بأحذية الزوار إلى داخل صالات العرض بالمتحف فلنتخيل ثلاثون ألف حذاء متسخ يوميًا داخل المتحف.
4. التلوث البيئي الضار للآثار والزوار من عوادم السيارات علي تقاطع المريوطية والدائري الغربي وطريق مصر الأسكندرية.
5. تضرر الآثار الحجرية بالبهو علي المدي الزمني البعيد.
6. افتقاد البهو للصورة التي يسعي لرسمها عن عظمة المتحف والحضارة المقدمة داخله نتيجة للأسباب السابقة.
7. عدم قدرة البهو علي القيام بدوره لخدمة الزوار بفعالية كبيرة خاصة في حال الأحوال الجوية المتغيرة.
ثالثا: هل يوجد مشكلة في تنفيذ وتشيد سقف البهو أم أن الإشكالية الأساسية تتعلق بالتصميم المعماري الأصلي؟
المشكلة ليست في عملية تنفيذ سقف البهو، فقد نفذ بالفعل وفقًا للمخطط له؛ ولكن المشكلة في التصميم الأصلي والأعمال التطويرية له والتي لم تراعي أي من المعايير العالمية ، ولا الغرض الرئيسي الذي صمم لأجله وبالتالي سوف يفقد قيمته ودوره سريعًا .
المسئولية مشتركة
ويؤكد الدكتور محمد جمال راشد أن المسئولية مشتركة للعديد من المسئولين والمشاركين علي مدار سنوات عدة بداية من تطوير التصميم المعماري ووضع المخططات الإنشائية وصولًا لمراحل التنفيذ الفعلي.
ولا توجد نية لتوجيه اللوم لأحد ولكن هي مسئولية جسيمة يجب علي القائمين علي الأمر حاليًا التحرك حيالها بشكل جدي وشفاف وإشراك الخبراء المختصين من أهل الخبرة.
علمًا بأن هناك العديد من المشاكل الأخرى في التصميم المعماري والإنشائي للمتحف في مختلف قطاعاته .