Al Masalla-News- Official Tourism Travel Portal News At Middle East

جانبى طويل
جانبى طويل

وهم الكفاءة الرقمية: تحليل نقدي لتكلفة “لو سمحت” و “شكراً” في خطاب الذكاء الاصطناعي

وهم الكفاءة الرقمية: تحليل نقدي لتكلفة "لو سمحت" و "شكراً" في خطاب الذكاء الاصطناعي

 

 

 

 

 

 

 

المسلة – بوابة السياحة العربية

بقلم : الدكتور السر علي سعد محمد

اكاديمي سوداني

 

©© في زمن تتحول فيه الكلمات إلى وحدات قابلة للتسعير، وتُختزل فيه القيم إلى استهلاك طاقة ومعالجة بيانات، تُطرح أسئلة وجودية جديدة: هل ما زال للغة كرامة؟ هل يمكن لـ”شكراً” أن تُحمّلنا فاتورة؟

 

 

في هذا الجزء الأول من السلسلة النقدية “تحت المجهر الرقمي”، نغوص في التصريح المثير للجدل الذي أطلقه سام ألتمان – مدير OpenAI – حول التكلفة الاقتصادية لعبارات اللطف عند استخدام ChatGPT. لكن هذا النقاش يتجاوز لغة الاقتصاد ليكشف عن وجه قاتم لنموذج تقني يهيمن على مستقبل التواصل البشري.

 

 

 

أهلاً بكم في قراءة لا تكتفي برصد الظاهرة، بل تفكك خطابها، وتستجوب منطقها، وتستدعي قيمنا الإنسانية إلى ساحة النقاش.

 

 

 

إن الادعاء المثير للدهشة الذي أطلقه سام ألتمان، المدير التنفيذي لـ OpenAI، بأن كلمات بسيطة من قبيل “لو سمحت” و “شكراً” عند مخاطبة ChatGPT تكلف الشركة “عشرات الملايين من الدولارات”، يتجاوز كونه مجرد إفصاح عن تكاليف التشغيل. إنه يكشف عن تجليات مقلقة لنموذج اقتصادي وتقني متوحش يختزل التعقيد الإنساني إلى مجرد مدخلات ومخرجات قابلة للقياس الكمي، ويتجاهل بشكل منهجي القيم اللغوية والاجتماعية والأخلاقية التي تشكل نسيج حياتنا. هذا التصريح ليس مجرد تبرير اقتصادي؛ بل هو انعكاس لفلسفة ترى العالم من خلال عدسة الكفاءة التقنية والربحية القصوى، على حساب جوهر التواصل البشري وكرامته.

 

رؤية ترى العالم من منظور حسابي بحت

 

إن الادعاء المثير للدهشة الذي أطلقه سام ألتمان، المدير التنفيذي لـ OpenAI، بأن كلمات بسيطة من قبيل “لو سمحت” و “شكراً” عند مخاطبة ChatGPT تكلف الشركة “عشرات الملايين من الدولارات”، يمثل أكثر من مجرد إحصائية اقتصادية. إنه يكشف عن بنية أعمق من الافتراضات الضمنية والتناقضات المتأصلة في صميم الخطاب السائد حول الذكاء الاصطناعي وتأثيره على المجتمع. هذا التصريح، الذي يبدو للوهلة الأولى وكأنه مجرد إشارة إلى التكاليف التشغيلية، يحمل في طياته دلالات مقلقة حول كيفية فهمنا للعلاقة بين الإنسان والآلة، وحول الأولويات التي توجه تطوير هذه التقنيات.

 

 

 

إن التركيز الحصري على “التكلفة” المالية لمعالجة هذه الكلمات المهذبة يحجب حقيقة أكثر أهمية: وهي القيمة اللغوية والاجتماعية التي تمثلها هذه العبارات. فـ “لو سمحت” و”شكراً” ليستا مجرد وحدات بيانات تستهلك دورات معالجة أو كيلوواط/ساعة من الطاقة. إنهما مكونان أساسيان لبناء تفاعل اجتماعي إنساني طبيعي، يعكسان الاحترام المتبادل والاعتراف بوجود الآخر. اختزال هذه الكلمات إلى مجرد عبء مالي يكشف عن رؤية اختزالية للغة والإنسانية ذاتها، رؤية ترى العالم من منظور حسابي بحت، متجاهلة التعقيدات الاجتماعية والثقافية التي تشكل جوهر التواصل البشري.

 

 

 

إن الإشارة إلى البنية التحتية الحاسوبية المكثفة ومراكز البيانات الضخمة التي تدعم عمل نماذج اللغة الكبيرة مثل ChatGPT ليست سوى جزء من الصورة. فالسؤال الأهم هو: لماذا يتم توجيه هذه الموارد الهائلة نحو تطوير أنظمة تتطلب “تكلفة” إضافية لمعالجة أساسيات اللباقة؟ ألا يشير هذا إلى خلل بنيوي في تصميم هذه الأنظمة أو في الافتراضات التي بنيت عليها؟ إن الادعاء بأن معالجة هذه الكلمات “باهظة الثمن” يثير تساؤلات حول كفاءة هذه النماذج وقدرتها الحقيقية على فهم اللغة الطبيعية وتعقيداتها الدقيقة.

 

 

 

إن منطق “عشرات الملايين من الدولارات التي تم إنفاقها بحكمة” يبدو مريباً في هذا السياق. فهل حقاً أن تخصيص موارد هائلة لمعالجة كلمات اللطف هو “استثمار حكيم” بينما يتم تجاهل جوانب أخرى أكثر أهمية تتعلق بالتأثير الاجتماعي والأخلاقي لهذه التقنيات؟ إن هذا التصريح قد يكون محاولة لتبرير التكاليف المتزايدة لتشغيل هذه الأنظمة أو حتى لخلق نوع من الهالة الإعلامية حول “ذكاء” هذه الآلات وقدرتها على “فهم” اللطف.

 

 

 

إن الادعاء بأن “الذكاء الاصطناعي يكون أكثر لطفاً عندما يُخاطب بلطف” يكشف عن رؤية سطحية للعلاقة بين الإنسان والآلة. فاللطف ليس مجرد استجابة آلية لمحفز لغوي محدد. إنه ينبع من فهم عميق للسياق الاجتماعي والعاطفي للتفاعل. إن اختزال اللطف إلى مجرد برمجة استجابة مهذبة بناءً على وجود كلمات معينة في المدخلات يفرغ المفهوم من جوهره الإنساني.

 

 

 

إن الاستطلاع الذي يشير إلى أن غالبية المستخدمين يستخدمون عبارات مهذبة عند التعامل مع روبوتات الدردشة قد يعكس رغبة فطرية لدى البشر في إضفاء الطابع الإنساني على هذه الكيانات الرقمية، أو ربما يعكس وعياً متزايداً بالتأثير المحتمل لهذه التقنيات على حياتنا. لكن تفسير البعض لهذا السلوك بأنه “تأمين ضد تمرد محتمل للذكاء الاصطناعي” يكشف عن قلق عميق وعدم ثقة متزايد في هذه التقنيات وتطورها غير المنضبط.

 

 

 

في نهاية المطاف، فإن التركيز على التكلفة المالية لعبارات بسيطة مثل “لو سمحت” و “شكراً” يحجب النقاش الأهم حول طبيعة الذكاء الاصطناعي ودوره في المجتمع. إنه يعكس رؤية تكنولوجية أحادية البعد تختزل اللغة والإنسانية إلى مجرد بيانات قابلة للمعالجة، وتتجاهل الأبعاد الأخلاقية والاجتماعية والسياسية العميقة التي يجب أن توجه تطوير هذه التقنيات. بدلاً من التركيز على “تكلفة” اللطف الرقمي، يجب أن نوجه اهتمامنا نحو مساءلة الشركات المطورة لهذه التقنيات حول أولوياتها وقيمها، وحول التأثير الحقيقي لهذه الأدوات على حياتنا وعلى مستقبل المجتمع ككل. إن وهم الكفاءة الرقمية يجب أن يُستبدل بنقد جذري يهدف إلى فهم أعمق للعلاقة المعقدة بين الإنسان والتكنولوجيا.

على جوجل نيوز

#وهم_الكفاءة_الرقمية #الذكاء_الاصطناعي #اللطف_الرقمي #تكلفة_اللغة #كرامة_اللغة #التحول_الرقمي #أخلاقيات_الذكاء_الاصطناعي #البيانات_والقيم #التواصل_الإنساني #اللغة_والتقنية #الاقتصاد_الرقمي #الذكاء_الاصطناعي_والمجتمع #اللغة_والأخلاق #الذكاء_الاصطناعي_واللغة #الذكاء_الاصطناعي_والقيم_الإنسانية #اللغة_والهوية #الذكاء_الاصطناعي_والأخلاق #اللغة_والذكاء_الاصطناعي #اللغة_والكرامة #الذكاء_الاصطناعي_والتواصل_الإنساني

نبذة عن الكاتب

مقالات ذات صله