
المسلة – بوابة السياحة العربية
بقلم: معتز صدقي
خبير سياحي
®® في مدينة أسوان، وتحديدًا على جدران عمارات سكنية بسيطة، ظهرت ملامح رجل نوبي بوجه يفيض بالحكمة والكرامة، وسيدة نوبية بابتسامة دافئة تحمل معها دفء الجنوب المصري. لم يكن ذلك إعلانًا أو لوحة مؤقتة، بل مشروع فني حضاري يحمل توقيع الثنائي “مها وعلي”، فنانان مصريان كرّسا أكثر من 15 عامًا من حياتهما للجدران التي تتحول على أيديهما إلى كتب مفتوحة تروي حكايات الناس، والتاريخ، والهوية.
ماذا حدث في أسوان؟!
المشروع الأخير للثنائي في أسوان شمل أربع عمارات كل واحدة منها تحولت إلى لوحة حية تحكي قصة مختلفة. إحدى العمارات جسّدت شخصية الرجل النوبي الكبير في السن، كرمز للحكمة والتاريخ والحضارة. عمارة أخرى حملت ملامح الفتاة النوبية الأصيلة، بزيّها البسيط وابتسامتها التي تعبّر عن الجمال الصعيدي. عمارة ثالثة بعنوان “رمز النيل” تحكي عن رحلة النهر الخالد وتأثيره على الحضارة المصرية منذ آلاف السنين.

استعادة الروح
ما حدث لم يكن مجرد تجميل حيّ سكني، بل كان استعادة لروح المكان والإنسان، وترسيخ لفكرة أن الفن يمكن أن يكون أداة للوعي والانتماء والنهضة.

الجرافيتي… من تمرد إلى هوية
قد يرتبط في أذهان البعض فن الجرافيتي بالتمرد أو بالعشوائية، لكنه في الحقيقة . وكما أثبتت التجارب العالمية، أداة حضارية كبرى تستخدمها الدول الذكية لإعادة تعريف العلاقة بين المواطن والشارع.

نماذج عالمية مُلهمة:
برلين، ألمانيا:
بعد توحيد شطري المدينة، تحوّلت بقايا جدار برلين إلى أطول معرض جرافيتي مفتوح في العالم، وأصبح أحد أكثر المزارات جذبًا للسياح في أوروبا.
ريو دي جانيرو، البرازيل:
استثمرت الحكومة المحلية في تحويل أحياء فقيرة إلى معارض ضخمة لفن الجرافيتي، حيث رُسمت جداريات تحكي قصص السكان، وتحولت لاحقًا إلى مواقع تصوير وإنتاج سينمائي.
ملبورن، أستراليا:
حوّلت السلطات الأزقة الخلفية إلى معارض لفن الشارع، مما جذب الآلاف من الزوار الباحثين عن تجربة ثقافية بديلة.
أثر الجرافيتي في مصر:
فرصة لم تُستثمر بعد
رغم بعض المبادرات الفردية الرائعة، مثل مشروع “مها وعلي” أو بعض التجارب في وسط البلد . لا تزال مصر تفتقر إلى رؤية استراتيجية شاملة لدمج فن الجرافيتي كأداة تنموية وسياحية وثقافية.
ما الذي نحتاجه في مصر؟
رؤية حكومية واضحة تدمج فن الجرافيتي ضمن مشروعات التطوير الحضاري ورفع الوعي المجتمعي.
رعاية رسمية للمواهب الشابة من كليات الفنون التطبيقية والجميلة، وتحفيزهم على التعبير عن هويتهم بأساليب بصرية حضارية.
إطلاق مسابقات قومية للرسم الجداري في المدن المختلفة، وخاصة في المناطق النائية التي تحتاج إلى إحياء بصري وروحي.
التعاون مع وزارتي السياحة والثقافة لتحويل هذه الجداريات إلى نقاط جذب سياحي موثقة في المسارات السياحية.
في بلدٍ مثل مصر، حيث تتداخل الحضارات في كل حجر، يصبح الجرافيتي ليس فقط وسيلة للتجميل . بل لغة بصرية شعبية تحكي التاريخ وتبني الوعي، وتربط المواطن بأرضه وقيمه.
ما فعله مها وعلي في أسوان هو دعوة مفتوحة لكل الجهات أن تلتقط هذه الشرارة، وتحوّلها إلى نور في شوارعنا، إلى ذاكرة مرسومة لا تُمحى.
#فن_الجرافيتي #أسوان_بعيون_فنية #الجرافيتي_في_مصر #الفن_الشارعي #الهوية_البصرية #تجميل_المدن #مها_وعلي #فنانون_مصريون #الجنوب_المصري #الفن_والتاريخ #فن_نظيف #تطوير_حضري #الوعي_بالفن #الجداريات_في_مصر #الفن_والسياحة #الهوية_المصرية