Al Masalla-News- Official Tourism Travel Portal News At Middle East

جانبى طويل

البعد السياسي والاقتصادي للثقافة بقلم د. خالد عزب

البعد السياسي والاقتصادي للثقافة

 

 

بقلم :د. خالد عزب


حين ثارت فرنسا معربة عن قلقها على اللغة الفرنسية، وحين انزعج الصينيين من الهامبرجر الأمريكي، وحين تذهب إلى أي مطار وترى المعسل المصري في الأسواق الحرة، لاشك أنك ستدرك أن هناك شيء ما وراء كل ما سبق، فالهامبرجر ودجاج كنتاكي، ليس مجرد أغذية، بل هي نمط يعبر عن طبيعة الحياة التي يحياها الإنسان، ومستمدة من عاداته وتقاليده، وكل أمة ذات حضارة وثقافة متميزة تسعى إلى نشر ما لديها في العالم، لكي يتطبع بطبعها. وتكون هي الغالبة، فحينما تتحدث الفرنسية، لا شك أن معرفتك بالشركات الفرنسية ستكون أوسع، بل ستحرص على شراء ما تنتجه، وحينما تقرأ رواية أدبية إنجليزية فيها عمق الريف الاسكتلندي ستصبح لديك رغبة عارمة في زيارة هذا الريف، حينها سندرك مدى الدور الذي تلعبه الثقافة كأرضية لترسيخ النفوذ السياسي لأي دولة، وكخادم للترويج الاقتصادي لها.


ولأن مصر تراجع دورها على الساحة الثقافية العربية والدولية خلال العقود الماضية، عما كان عليه في ظل أسماء كبيرة مثل طه حسين والعقاد وعبد الرحمن بدوي، ولتغير أنماط التأثير الثقافي عن ما كانت عليه قديمًا، فإن هناك حاجة ملحة باتت ضرورية، لتلعب دور يعيد لها تأثيرها الثقافي، خاصة مع تصاعد دور المؤسسات الثقافية والإعلام الثقافي، فلا يستطيع أحد أن ينكر أن مجلة العربي أثرت سلبًا على مجلة الهلال، ولا أن المجلس الوطني للثقافة والفنون في الكويت جاء دوره على حساب العديد من المؤسسات الثقافية المصرية، ولا أحد ينكر أن جمود الجامعات المصرية وتراجع مكانتها العلمية، لذا فإن هذا يفسر السبب الذي دفع بمصر نحو تبني إنشاء مؤسسة ثقافية جديدة لها دور متميز ولديها مرونة للتحرك السريع والمتواكب مع طبيعة العصر، من هنا جاءت مكتبة الإسكندرية، لتلعب دورًا خاصًا، هو دور الناقل للثقافة المحلية لعصر جديد والمحاور لها، وحمل المجتمع كل همومه ومشاكله لها، خاصة الأوساط العلمية والثقافية.


دور المكتبة رأت إدارته العليا انه دور محوري ينبع من ثلاث دوائر نقطة الارتكاز الأولى في الدائرة هي مصر وهمومها، ونقطة الارتكاز الثانية هي التواصل مع محيطها العربي والإفريقي، ونقطة الارتكاز الثالثة هي التواصل مع مختلف الثقافات. ولكي تكون المكتبة ملبية لروح العصر، وضعت خططها على الارتكاز على تكنولوجيا المعلومات كأداة للتواصل مع ما يحدث في العالم المتقدم، من هنا كانت شراكاتها مع أرشيف الإنترنت الدولي في الولايات المتحدة، ولكي تكون ثاني مقر له في العالم وواحد من أربع مقرات دولية، ولتكون أول مؤسسة عربية تبني مكتبة رقمية تشارك فيها العديد من المؤسسات الدولية في مشروع مكتبة المليون كتاب.


أما على مستوى المكتبات فإن المكتبة ليست مجرد مكان لخزن الكتب بل مكان للتفاعل بين الكتاب والجمهور، لذا فإن حرية الفرد في التعامل مع الكتاب، بل الوصول إلى العديد من الدوريات الرقمية خاصة المتخصصة، جعل العديد من الباحثين العرب والمصريين وغيرهم، يرون فيها معملاً يحتضنهم. وقد ساهم ذلك في التواصل المستمر بين مكتبة الإسكندرية والعديد من المكتبات الدولية كالمكتبة الوطنية الفرنسية والمكتبة البريطانية ومكتبة الكونجرس.


إن العديد من الفاعليات والشراكات بين المكتبة والعديد من المؤسسات الشخصيات العربية والأمريكيةوالأوروبية خلال العامين والنصف الماضيين، تؤكد أن هذه الفترة القصيرة شهدت تحرك واسع، أثمر العديد من الثمار بعضها نتائجه قصيرة المدى والبعض الآخر ستظهر ثماره على المدى البعيد، والأخيرةهي التي ستدعم تحرك مصر السياسي إقليميًا ودوليًا، كما ستدعم المتطلبات الاقتصادية المصرية بصور متعددة سواء من خلال الأفواج السياحية التي ستأتي لمصر خصيصًا لزيارة مكتبة الإسكندرية، وهو التأثير الاقتصادي المباشر، أو من خلال الرغبة في التعرف على مصر واستكشاف هذا البلد بثرواته، أو من خلال بث الثقافة المصرية لدى شعوب العالم المختلفة، وهو ما سيكون له مردود اقتصادي غير مباشر على الاقتصاد المصري.


إن وعي المكتبة بدورها في خدمة المصالح المصرية وفي تعزيز الدور المصري إقليميًا ودوليًا، هو ما يدفعها للتحرك على سبيل المثال، لفتح جسور التواصل مع إفريقيا، حيث ستشهد المكتبة عام 2016 أسبوعًا للثقافة والفن الإفريقي ستعلن عن تفاصيله قريبًا.

نبذة عن الكاتب

مقالات ذات صله