"فدك – يتيمة الأبوين: تقول بعد وفاة والدتها "لا تقصوا قصيبتي فأمي قد جدلتها لي قبل موتها –
النجف الأشرف / مؤسسة اليتيم-قسم الإعلام
"فدك" … تلك اليتيمة من بين أربعة أيتام نزحوا قسرا من قضاء تلعفر بعد سقوط مدينة الموصل بيد برابرة العصر بتأريخ 10 حزيران عام 2014. وذاقت كأس اليتم الذي كان عليها أشد من مرارة العلقم بعد أن فقدت أباها الذي اختطفته اليد الآثمة لتغتاله بعد أحد عشر يوما من سقوط الموصل لا لذنب اقترفه إلا لكونه محبا لآل بيت النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ليخلف بعده زوجة شابة وأربعة أطفال بعمر الزهور اليانعة، وكان أحدهم مصابا بمرض "تكسر الصفيحات الدموية".
هجرت (فدك) وعائلتها من مناطق سكناهم في تلعفر. وبعد رحلة شاقة محفوفة بالأهوال والمخاطر، انتشلت يد الرحمة الالهية هذه العائلة وغيرها من آلاف العوائل لتضعهم بين ربوع أهليهم في الحسينيات المنتشرة على طول الطريق بين النجف وكربلاء المقدستين، تعلقت هذه الطفلة وإخوتها بأمهم بشدة بعد وفاة أبيهم وكانت تلوذ بها كما يلوذ الفصيل بأمه وباتت ترى في أمها الكهف المنيع الذي تحتمي به وتلوذ من عوائد الدهور وبوائق الأزمنة.
لم يكتف الموت بأخذ والدها بل كانت أكفان والدتها تنسج سرا، وفي برهة من الوقت وغفلة من الزمن كانت هذه الأرملة الشابة ذات الثلاثة والعشرين ربيعا قد نذرت حياتها لتربية يتاماها وانحنت تضمهم وتحيطهم بحنانها علها تعوضهم عما فاتهم من عطف الأب.
تلك الأم الرؤوم كانت قد سجرت التنور لتخبز لأولادها الذين ينتظرون ما تجود به يد الأم الغائرة في أوار التنور المتقد وتخرج لهم من لذيذ أقراص الخبز ما يسد سغبهم وكأنهم أفراخ جائعة فاغرة أفواهها لتلتقم من أمها ما يطفيء غليل الجوع، كان لنار التنور المستعرة رأي آخر في ذلك، فقد التهمت تلك النيران الأم بمرأى ومسمع الأيتام الذين شاهدوا أمهم تضطرب على وقع ضجيج الموت الذي اختطف تلك الأم في لحظة وقف بها الزمن وجمدت الدنيا لتركز في بؤرتها الواسعة على صورة ضيقة وهي نظرات الوداع الأخيرة بين عيون الأيتام وعينا الوالدة التي انهارت كأنها جبل.
لم يبق من ذكرى الأم في خيال "فدك" إلا اللحظات الأخيرة حينما كانت "فدك" في حجر أمها التي أخذت تمشط تلك القصائب الذهبية لابنتها وينساب شعرها بين أسنان المشط كأنه الحرير، أو قل خيوط الشمس الذهبية التي تخترق غابة ظليلة.
منذ تلك اللحظة تعلقت روح "فدك" بقصيبتيها المجدولتين ولازالت تتحسس نعومة يد أمها وهي تربت على شعرها وكان ذلك يبعث في نفسها الطمأنينة والسكون، بعد أيام من الحادثة أراد أهلها أن يغسلوا لها شعرها ويقصوه ويزينوه لها، فإذا بها تزمجر صارخة وقائلة لهم: "لا تقصوا قصيبتي فأمي قد جدلتها لي قبل موتها ".
نعم ذلك ما تبقى لها من ذكريات أمها ولا تريد من أحد أن يسلبها تلك الذكرى.
لتخفيف المحنة على هذه العائلة المنكوبة وكعادتها أرسلت مؤسسة اليتيم الخيرية لجنة الكشف التابعة لها لتوثيق بيانات هذه العائلة ضمن استمارتها الخاصة، وبعد السلوان الذي قدمته اللجنة للأيتام وملاطفتهم وفي محاولة منها لجبر ما كسره الدهر، قامت بمد يد الرحمة لهم وشملتهم ببرنامج الراتب الشهري وادخالهم في برنامج السلة الغذائية وكسوة الأيتام والبرنامج الترفيهي والطبي.
ولكن يا ترى هل هذا يكفي ؟؟؟
إن ما تحتاجه هذه العائلة يفوق ما تستطيع تقديمه مؤسسة اليتيم الخيرية لهم ولعشرات الآلاف من الأيتام أمثالهم.
هذه العائلة تعيش الآن في حسينية قرب العمود 376 ضمن محافظة النجف الأشرف وفي كنف عمهم الذي لا يقل وضعه مأساوية عن وضع أولاد أخيه، فهو من المهجرين قسرا ويعيش في حالة من قلة ذات اليد والنفس الكسيرة التي لا ترى الفرج إلا بالدعاء المتواصل لله سبحانه وتعالى لينقذهم من مرارة ما يعيشونه.