السياحة المصرية ورحيل البلتاجى حفيد البنائين العظام ..!
بقلم – اشرف الجداوى
فاجأنى صديقى العزيز سعيد جمال الدين باستياءه الشديد من موقف اهل صناعة السياحة المصرية وهو الامر الذى كنت اتوقعه بعد ما خبرت اهل تلك الصناعة اكثر من ربع قرن من واقعة اليمة وحزينة وهى وفاة المغفور له باذنه تعالى الدكتور المحترم النابه المفكر والمثقف الموسوعى صاحب اهم المصطلحات اللغوية العبقرية التى اضيفت الى قاموس السياحة المصرية وايضا المفاهيم المغايرة والافكار الثورية فى عالم السياحة، بعد ان كانت اللغة السائدة فى هذا القطاع بعض المصطلحات الاقتصادية العقيمة التى لاتشى عن مكنون تلك الصناعة الاستراتيجية على المستويين الدولى والعالمى، والتى فرضت نفسها بمداخيلها الهائلة كأحد اهم اعمدة الاقتصاد القومى للعديد من الدول فى عالمنا المعاصر وتحديدا فى الثلاثين عاما الاخيرة من القرن الفائت .. عن الدكتور ممدوح البلتاجى وزير السياحة الاسبق اتحدث فالمصاب جلل والفقيد الراحل خسارة فادحة ليس فقط فى تقديرى لصناعة السياحة بل لمصر جمعيها ساسة وعلماء وقضاة واعلاميين وصحفيين ومثقفين وادباء.
وارى انه من الظلم وعدم الانصاف للراحل المفكر المخلص فى حبه لبلده ان تحسب هذه القامة والقيمة على قطاع نصفه أو يزيد قليلا من الجهلاء وانصاف متعلمين، والبقية الباقية الجوقة البائسة من هواة تسليك المواسير فى كل زمان ومكان .. وهم اولئك الباحثين والطامعين فى القيام دائما بدور مجاذيب السياحة المصرية جل عملهم حمل المباخر والتسبيح بحمد كل من يعتلى كرسى هذه الوزارة البائسة منذ زمنا بعيد، ومن ثم فى تقديرى ان غفلة قطاع الاعمال السياحى وعدم اكتراثهم بوفاة “البلتاجى” يزيد من قامته وقيمته لدى احبائه المخلصين لاتشاركهم تلك الفئة البائسة.
ولعلك تتذكر صديقى الاثير ان وزارة السياحة لحقبة طويلة من الزمن كانت من الوزارات البائسة التى اتفق ضمنيا على تصنيفها فى اطار مفهوم الدولة العميقة كوزارة هامشية مثلها مثل وزارة الهجرة والمصريين بالخارج، والبيئة، والتنمية المحلية، والانتاج الحربى … وهى بالمناسبة تظهر وتختفى بين حين وآخر وحسبما يرى النظام الحاكم ضرورتها من عدمه ولامعقب لقراره .. ولكن السياحة المصرية كتب لها ان تودع هذا القالب وتخرج من تصنيف الهامشية المريب لتلحق بركب وزارات الاقتصاد القومى للبلاد الاخرى باختلاف مسمياتها، وحدث هذا عندما تولى الدكتور فؤاد سلطان الاقتصادى المتميز الجرئ صاحب الفكر الجديد شئون السياحة فى مصر، وقام هذا الاخير باحداث ثورة حقيقية فى السياحة المصرية بسلة حوافز ومغريات وقوانين للاستثمار السياحى لجذب المستثمرين فى هذا القطاع البكر، وبالفعل نجح الرجل فى جذب رؤس اموال مصرية وعربية واجنبية وكانت الشرارة الاولى للانطلاق فى صناعة السياحة المصرية واعداد قواعد راسخة وعميقة فى الارض المصرية …
ودخل الدكتور البلتاجى الوزارة مباشرة بعد خروج سلطان بناء على طلبه، وسرعان ما سعى لاستكمال الثورة الطموحة التى ارسى مفاهيمها الاخير .. بفكر ورؤية سياسى محنك ومثقف واعلامى من طراز رفيع يندر بوجود مثله فى الزمن مرة اخرى، ومع خبرة نادرة فى التعامل مع الفكر الغربى بحكمه موقعه السابق كمستشار اعلامى لمصر فى قلب عاصمة الثقافة والنور “باريس” بفرنسا .. ليضيف برؤية مثقف منفتح على كافة ثقافات العالم شرقه وغربه الى سياحة مصر الناهضة ان ذاك مفاتيح وادوات الترويج الجديدة التى تتناسب مع العصر والانطلاقة التنموية الاستثمارية المحققة على ارض الواقع، وكيفية استغلالها دوليا لجذب اعداد متزايدة من الحركة السياحية من شتى الاسواق المصدرة لها .. وكان النجاح حليفه فى تقديرى لفهمه السريع والعميق ايضا ووصوله للتوليفة السحرية لمخاطبة رجال السياحة الغربية واعلامهم .. بثقة وحكمة واقتدار مشهود له فى كافة المحافل الدولية والعالمية المعنية بصناعة السياحة العالمية، ويشهد الله على لم اشهد منذ خروجه من الوزراة وزيرا اخر مثله .. كانت عقيدته وديدنه الترويج للسياحة المصرية فى اى مكان وزمان محب لبلده حتى النخاع .. لديه القدرة على السحر والابداع لايضاهيه كائنا ما كان من قرنائه .. يستلهم دائما من ثقافته الموسوعية قاموسا جديدا للترويج لمصر ارضا وشعبا وحضارة.
وكان يقدر بل يجل بحق دور الاعلام والصحافة الدولية والعالمية والمحلية ايضا فى الترويج والتنشيط السياحى لمعشوقته الابدية مصر، غير عابئ بالفكر العقيم لرجال السياحة عندما روج البعض منهم ان الوزير غارق على مدار الساعة فى مقابلات لاتنتهى مع رجال الاعلام والصحافة من كل حدب وصوب ولايهتم بمشاكلهم وهم اصحاب المال والاعمال والصناعة، ولم يتوانى فى تأكيد التهمة الشريفة امام النظام على شخصه المتواضع وراح بشجاعته المعهودة يؤكد ان الاعلام شريك استراتيجى لصناعة السياحة المصرية، ومرات اخرى يصرح ان الاعلام والصحافة جناحين صناعة السياحة وبدونها لن تقوم لتلك الصناعة قائمة.
البلتاجى يا صديقى العزيز سعيد بلغة صناعة السياحة منتج مصرى فريد وفاخر نتاج حضارة تليدة، وفى تقديرى كان هذا الرجل المفكر المحترم اخر حفيد للبنائين العظام كان يسعى لبناء فكر سياحى مصرى خالص ينهض بهذا الصناعة الحساسة ويحميها من نوائب الدهر .. ولو احسن استغلالها امكاناتها ومنتجاتها المتنوعة والفريدة لحققت دخلا قوميا غير مسبوق ولباتت بحق مصدرا يعتمد عليه فى الاقتصاد المصرى ..ولى كلمة اخيرة الى روح الدكتور البلتاجى طبت وزيرا، وطبت مريضا، وطبت راحلا.