Al Masalla-News- Official Tourism Travel Portal News At Middle East

جانبى طويل
جانبى طويل

ما هكذا تورد الإبل! … بقلم د. محمد فتحى راشد الحريرى

ما هكذا تورد الإبل!
 


 

بقلم: د. محمد فتحي راشد الحريري / دبي

 

أعلن الأمين العام للمجلس الأعلى المصري للآثار السيد (زاهي حواس) أن الفرعون الذهبي (توت عنخ آمون) ليس زنجيا، ومحاولة ترويج زنجيته إنما هي محاولة لإثبات أن حضارة مصر القديمة زنجية، وقال حواس أنه ناقش ذلك في أمريكا مؤكدا أن المصريين ليسوا عربا ولا أفارقة ، رغم أن مصر تنتمي لقارة أفريقيا وقال: المصريون شعب متميز فريد ليس له مثيل أبدا وهو لا ينتمي إلى أية أصول عربية أو أفريقية، من حيث الشكل والتكوين الجسماني أو الطباع … وأورد دليلا على ذلك، هو النقوش الموجودة على المقابر والمعابد، إنها تؤكد تميز الشعب المصري القديم عن الزنوج السود الأفارقة [1] !!! (يقصد التمييز الموفولوجي الديموجرافي).


 

ولسنا بصدد الحديث عن الأجناس البشرية هنا، ولا المهاثرات الإعلامية التي لا تعبر إلا عن التشنج والعصبية والتطرف الفكري والبحث الأحول غالبا …


لكني أود الإشارة السريعة هنا ومن خلالها لفت نظر السيد زاهي حواس: أهكذا يتحدث من هو في منصبه عن انتماء أمة عظيمة عريقة متجذرة في التاريخ ؟!


إن المصريين خليط من عناصر متعددة لا يغلب فيها أصل معين، بعضهم أتى من بلاد النوبة في الجنوب (زنوج أفارقة) أو من ليبيا غربا أو من الفئات السامية من بلاد الشام، أو الحامية في شمال مصر الأوربي وقد تمازجت هذه العناصر الديموجرافية في وادي النيل مشكلة شعبا متميزا من هذا المنطلق ولا يزال حتى اليوم محافظا على مزاياه [2]، ومن المعلوم بدهيا أن مصر مصران (شمال وجنوب)، كانا قديما في صراع دائم منذ ما قبل التاريخ وفرضت الوحدة بينهما على يد (نارمر // ميناس) سنة 3200 ق .م، ولذلك تجد أن مصر في اللغة العبرية القديمة تأتي بصيغة الجمع معبرة عن هذا الواقع "مصريم" وقد مر تاريخ مصر بعد الوحدة بمراحل:


 I. الدولة القديمة من (3200 – 2111 ق.م)


II. الدولة الوسطى من (2111 – 1586 ق.م)


III. الدولة الحديثة من (1586 – 1101 ق.م)


IV. فترة الانحلال من (1101 – 332 ق.م) وخلالها حصلت غزوات الايجيين "شعوب البحر" لمصر والساحل الفينيقي، وتجددت المطامع الآشورية والفارسية واليونانية [3]، ففي تاريخ الشعب المصري إذا يجب أن نلاحظ النقاط التالية:


1. قامت في مصر في عصور ما قبل التاريخ عدة ثقافات متنوعة من عام 5000 ق.م إلى زمن الأسرة الأولى حوالي 3200 ق.م


2. عصر الأسر الأول (3200-2780 ق.م) / وانتهى عصر ملوك مصر بفتح الاسكندر لمصر في سنة (332 ق.م)


3. في فترة الانحلال الأولى شهد عصر الأسرة ال 12 تحديدا حملة على فلسطين وصل فيها إلى شكيم، وزيارة نبي الله إبراهيم لمصر ..


4. في فترة الانحلال الثانية (1778-1567 ق.م) من الأسر 13-17 شهدت مصر غزو الهكسوس (الملوك الرعاة) لمصر. وهم على الأغلب ساميون من آسيا كما شهدت هذه الفترة ملك سيدنا يوسف بعد السنوات العجاف (بسط القصة في الكريم القرآن).


5. في عهد الدولة الحديثة (1567-1085 ق.م)، شهد هذا العهد اختلاطا مع الشعوب المجاورة وفيه حصل الخروج، وشهد العهد حروبا مع الحثيين وامتد سلطان مصر على جزء من الشام (سوريا وفلسطين).


6. ثم بعد ذلك الغزو الفارسي لمصر (قمبيز 525 ق.م) والاسكندر الأكبر والبطالسة (332 ق.م) والرومان ويذكر إنجيل متى (2: 13-15) أن العائلة المقدسة هربت إلى مصر لتنجو بعيسى المسيح عليه السلام من فتك هيرودس واستراحوا تحت شجرة في هليوبوليس وسكنوا مصر القديمة وكان فيها طائفة من يهود [4].


7. ثم كان الفتح الإسلامي والحكم العربي لمصر من 13 ه حتى اليوم ..


كل هذا يدل على أن مسألة النقاء العنصري غير صحيحة فمصر خليط من شعوب سامية وحامية (آسيوية وأفريقية وأوروبية) عربية وزنجية، ومن يزعم أنها نسيج مستقل فلا حجة له ​​.. بل هو محجوج إذ مامن أمة تستطيع أن تقول أنها نسيج مستقل عن العالم ..


نعم كل شعب من منظار حضاري جغرافي هو نسيج خاص وبصمة مستقلة، ولكن هذا أمر موضوعي وليس شرفا تدعيه الأمم، فالتركيبة السكانية للخليج كذلك (عرب وبلوش وفرس وأكراد) وفي الشام (عرب وكرد وتركمان وفرس وروم و …..) والفرس والهنود كذلك و …… كلها شعوب يقال فيها ما قيل في غيرها.


هناك اختلاط في جميع العروق والسلائل البشرية ولكن الشعب المصري يبقى في نسيجه عربيا إسلاميا أسيويا أفريقيا، فمصر تنتمي جغرافيا إلى قارتين وهي قلب العالم القديم وملتقى الحضارات وهي أم الدنيا … لكنها في النهاية تنتمي للعرب ولآسيا وأفريقيا والحضارة ليست حكرا على أمة!


مصر أثرت حضارات العالم وبنت حضارة عريقة سداتها أوربة وآسيا ولحمتها أفريقيا، وإطارها إنساني تضرب جذوره في أعماق تربتها فهي كنانة الله بأرضه!


ولكن معذرة يا أخ حواس فما هكذا تورد الأبل، وما هكذا يتم الحديث عن حضارات الأمم وما هكذا تفخر بمصر، كلنا يفتخر بمصر ويحب مصر ويعتز بانتمائه إلى مصر …


ولكن الاعتزاز بمصر لا يعني سلخ مصر عن محيطها ..


وما يضيرك إن كانت سداة الحضارة المصرية أو لحمتها زنجية أفريقية، وهل الزنجية سبة؟ إنا لا نخرج من وسطنا الإفريقي ولا الآسيوي ولا نقبل الإنسلاخ من محيطنا وبيئتنا ووسطنا العربي الإسلامي.


هكذا هي مصر متوسط ​​حسابي لانتماء حضاري متجذر، انتماء متشعب لشعب منتم، لا كما يريده حواس.

 



[1] – جريدة البيان في 1/10/2007
[2] – الحضارات: لبيب عبد الساتر / دار المشرق ص 6
[3] – المرجع السابق ص 8-9
[4] – ينظر الانتروبولوجيا للدكتور علي الجباوي / جامعة دمشق، وقاموس الكتاب المقدس (لمجموعة باحثين) ص 892-901 ط 10 / دار الثقافة بمصر
.





 

نبذة عن الكاتب

مقالات ذات صله