تأخر المساعدات للسياحة التونسية يهدّد 400 ألف عامل
تونس …. تواجه الحكومة انتقادات كبيرة من العاملين في القطاع السياحي، بسبب تأخرها في تفعيل قرارات المساعدة التي وعدت بها عقب العملية الإرهابية التي استهدفت المنتجع السياحي بسوسة في 17 يونيو/ حزيران الماضي. ويخيّم شبح البطالة على أكثر من 400 ألف عامل في السياحة، ما جعل المنظمات المهنية تتخوّف من اندلاع ثورة اجتماعية قريبة، بحسب خبراء. وتهدّد وكالات الأسفار في كامل المحافظات التونسية بيوم غضب قررت أن تنفذه في 8 أكتوبر/تشرين الأول المقبل، احتجاجاً على تأخر الحكومة في تفعيل المساعدات التي وعدت بها.
وقالت الجامعة التونسية لوكالات الأسفار إن جميع الوكالات ستحرك معداتها في الشارع الرئيسي للعاصمة أمام مقر وزارة السياحة للفت نظر الحكومة للخطر الذي يتهدد وكالات الأسفار التي تواجه خطر الإفلاس والغلق. فمنذ انتهاء شهر أغسطس/آب الماضي وعودة السياح الجزائريين الذين أنقذوا سياحة تونس هذا العام يعيش جل المؤسسات السياحية والقطاعات الناشطة في هذا المجال مشهداً ضبابياً، بسبب صعوبة استرجاع الأسواق التي هجرت تونس جرّاء تدهور الوضع الأمني. مشاريع عاطلين ويعتبر العاملون في القطاع السياحي أنهم مشاريع عاطلين من العمل مع تأجيل التنفيذ، خاصة بعد تأخر الحكومة في تمكين أصحاب الفنادق وبقية الناشطين في السياحة من المساعدات التي وعدت بها منذ ما يزيد عن الشهرين .
وقد أكد رئيس الجامعة التونسية لوكالات الأسفار، محمد علي التومي، لـ"العربي الجديد"، أن جل وكالات الأسفار في محافظتي دوز وتوزر (جنوب غرب)، أغلقت أبوابها نظراً للركود الكبير الذي يواجهه القطاع السياحي، منذ العملية الإرهابية التي استهدفت نزل "الإمبريال مرحبا" بسوسة، مُشيراً إلى أنّ أغلب وكالات الأسفار المتواجدة بالجنوب الغربي مُتوقفة تقريباً عن النشاط. وأضاف المسؤول في جامعة وكالات الأسفار أن المهنيين قرروا تنفيذ التحرّك الاحتجاجي للفت الانتباه إلى مشاكلهم، مشيراً إلى أن خطر الإفلاس والغلق بات اليوم يُهدّد غالبية الوكالات، وهو ما يعني إحالة الآلاف من العاملين في هذا القطاع على البطالة القسرية.
وأوضح التومي أنّ معدات وكالات الأسفار ستكون حاضرة في التحرك الاحتجاجي، إذ سيجري خروجهم معاً بنسق بطيء وسط الشارع لجلب الاهتمام، داعياً الحكومة إلى تسريع الإجراءات لمساعدة الوكالات على تجاوز أزمتهم. ولفت إلى أن الجامعة قد تصل حد العصيان من خلال الامتناع عن دفع الضرائب، مؤكداً أن مؤسساتهم باتت عاجزة عن تسديد ديونهم. ضغوط المصارف وبالإضافة إلى شح المداخيل المالية وتقلص النشاط بما يزيد عن الـ70% تواجه وكالات الأسفار وغيرها من النشاطات ذات الصلة بالسياحة ضغطاً كبيراً من المصارف وشركات الإيجار المالي التي تصر على استخلاص ديونها على الرغم من المحاولات الحكومية للتدخل لدى المصارف لتمكين السياحيين من جدولة الديون. وكانت الحكومة قد أعلنت عقب الهجوم الإرهابي بسوسة، عن حزمة من الإجراءات العاجلة لصالح القطاع السياحي، بما في ذلك وكالات الأسفار والصناعات التقليدية والمطاعم السياحية، غير أن هذه الإجراءات والحوافز لم تدخل حيز التطبيق إلى حد الآن، وهو ما دفع الناشطين في السياحة إلى الاحتجاج والتصعيد للضغط على دوائر القرار.
وتتمثل المساعدات الحكومية في تأجيل خلاص أقساط القروض بعنوان الأصل والفوائض المستوجبة على هذه المؤسسات في سنة 2015 إلى عام 2016 مع جدولتها، بحسب قدرة المؤسسة على السداد، وتمكين المؤسسات من قروض جديدة استثنائية على مدى سبع سنوات منها سنتان إمهال تخصص لتمويل نشاطات المؤسسات السياحية لعامي 2015 2016، إلى جانب اعتماد مرونة في تطبيق قواعد التصرف الحذر من خلال إبقاء المؤسسات التي تنتفع بهذه الإجراءات في نفس التصنيف المعتمدة في كانون الأول/ ديسمبر 2014.
كذلك وعدت الحكومة بالتخفيض من الضرائب الموظفة على هذه المؤسسات من 12 إلى 8 بالمائة مع إعادة جدولة ديونها تجاه كل شركات توزيع المياه والكهرباء مع التكفل بالمساهمات في الضمان الاجتماعي لكل المؤسسات السياحية التي ستحافظ على عدد أعوانها.
إحجام الأجانب
ولا يتوقع أهل القطاع عودة الروح إلى السياحة بالسرعة المطلوبة، لا سيما مع تواصل إحجام وزارات خارجية الدول الأجنبية، خاصة الأوروبية منها وتحديداً البريطانية.
ويعتقد رئيس جامعة النزل السياحية رضوان بن صالح، أن حال الركود سيتواصل حتى شهر مارس/آذار 2016 في ظل غياب أي برامج من قبل وكالات الأسفار العالمية، خاصة بالوجهة التونسية.
وأكد بن صالح في تصريح لـ"العربي الجديد" أن القطاع مقدم على ثورة اجتماعية بعد تلويح 80% من النزل الإغلاق، كذلك الأمر بالنسبة لوكالات الأسفار في حال عدم التزام الحكومة بتطبيق الإجراءات التي جرى اتخاذها لإنقاذ النزل ووكالات الأسفار، معتبراً أن تمكين العاملين من الحد الأدنى من منحة البطالة الفنية (120 دولاراً) سيساهم في دفع أصحاب النزل إلى المثابرة من أجل المحافظة على أكبر قدر ممكن من مواطن الشغل إلى حين مرور الأزمة الحالية.
وقد واجهت الحكومة عقب الإعلان عن هذه الإجراءات سيلاً من الانتقادات، بعد اتهامها بالانحياز لصالح لوبيات (مجموعات ضغط) اقتصادية تنشط في القطاع السياحي وتسخير مجهودات الدولة لخدمة أفراد بعينهم.
كذلك اتهم المشرفون على العديد من القطاعات الأخرى على غرار القطاع الزراعي الحكومة بالانحياز للمستثمرين في السياحة، على الرغم من هشاشة هذا القطاع وارتفاع نسبة مديونيته لدى المصارف، مما أدى إلى دخول المصارف الحكومية في صعوبات أجبرت الدولة مؤخراً على التدخل لإعادة هيكلتها، وهو ما يفسر، وفق المهتمين بالشأن السياحي، تأخر الحكومة في الالتزام بالوعود التي تعهدت بها. وشهد القطاع السياحي منذ بداية العام تراجعاً في عدد السياح الأجانب بنسبة تناهز 75%، كذلك طاول هذا التراجع عدد الليالي التي انخفضت بنسبة 9% و76.6% مقارنة مع عامي 2013 و2010، ما جعل تونس تخسر أكثر من 50% من مداخيل العملة الصعبة. وعلى الرغم من قتامة المشهد تتمسك وزارة السياحة بموقفها المتفائل بانقضاء الأزمة في الأشهر القريبة القادمة معولة على المساعي التي يبذلها المسؤولون لإقناع وكالات الأسفار العالمية على غرار" توماس كوك" و"توي" بالعودة السريعة إلى تونس.