النظام السوري يكافح الهجرة بإغلاق مكاتب السياحة
دمشق …. أحرجت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل النظام السوري بما فعلته تجاه اللاجئين السوريين، بفتحها باب بلادها على مصراعيه لدخولهم، إضافةً إلى ما اتخذته الدول الأوروبية من خطوات جديدة باستعدادها لاستقبال المزيد من السوريين، لاسيما بعد حادثة غرق الطفل إيلان على شواطئ مدينة بودروم التركية، والذي انتشرت صورة غرقه كالنار في الهشيم لتتصدر لعدة أيام الصفحات الأولى لمعظم الصحف الغربية، وبعض الصحف العربية.
خطوة النظام
النظام السوري وجد نفسه أمام الخطوات الأوروبية مدانًا أكثر مما مضى، فعظم السوريين يهربون إلى أوروبا من براميله المتفجرة واعتقالاته التعسفية، والغلاء الذي لم يعد يطاق، والبطالة التي أصبحت بدون حدود، والخدمة الإلزامية التي لم تعد تفرق بين كبير وصغير.
أمام ذلك كله، وكخطوة أولية في مكافحة الهجرة، انتفضت قوات النظام الأمنية لتشن حملة على مكاتب السياحة وتغلق العديد منها بالشمع الأحمر، وتعتقل عدد كبير من موظفيها بتهمة تسهيل سفر السوريين إلى أوروبا، والتعامل بالعملة الأجنبية.
وجاءت هذه الخطوة بعد إعلان وزارة السياحة في حكومة النظام، بأنها ستجد حلًا لمشكلة المهاجرين الشباب، ولكنها لم تصرح بأن الحل سيكون بتكسير المكاتب السياحية واعتقال من فيها.
تخبط في القرارات وتذمر بين الموالين
وفي محالة من النظام لإيهام العالم بأنه يكافح الهجرة، أصدر قرارًا صباح السادس عشر من الشهر الحالي، منع فيه خروج أي مسافر من سوريا عبر مطار دمشق الدولي إن لم يكن قد سبق له وسافر في وقت سابق خارج البلاد.
القرار لاقى ردود فعل مستنكرة من السوريين، ومن المؤيدين أنفسهم، عبر صفحات التواصل الاجتماعي، فقال أحدهم «والله هي قمة الوقاحة بلكي واحد بدو يطفش وينقبر يعيش متل البشر، شو بدكن تساوو الدنيا زريبة»، في حين علق آخر قائلًا «ما بأثر جميل جدًا سيطبق القرار على العامة أما أولاد الضباط والصرامي وأولاد الحمير سيسافرون بدون تأشيرة ورغم أنف ما يسمى بالحكومة السورية»، في حين ذكر آخر «يلا رزقة جديدة لتجار البشر من أهل الساحل، يوجد بلم من اللاذقية إلى أزمير».لكن النظام ما لبث بعد ساعات من إصدار القرار، الذي حرم بموجبه من السفر حوالي 200 شخص، أن تراجع عن قراره. وجاء التراجع على لسان شركة أجنحة الشام للطيران المملوكة لرجل الأعمال المقرب من النظام، رامي مخلوف، والتي ذكر مصدر فيها، أن الشركة أبلغت المسافرين بإلغاء القرار، وأعيد العمل بالإجراءات الاعتيادية.
وفسر متابعون، تراجع النظام عن القرار إلى فقدانه ملايين الليرات التي يدفعها السوري لحجوزات الطيران عبر مكاتبه، في حين قال آخرون إنه مجرد لعبة من النظام لتغريم السوريين ببعض الأموال الناتجة عن عدم السفر.
حصر التهريب
المحلل والصحفي الاقتصادي ممدوح الغزي، وفي تصريح لعنب بلدي، أرجع سبب حملة النظام على مكاتب السياحة إلى محاولة حصر تدفق الأموال بالشركات الخاصة التابعة له، ومنها أجنحة الشام للطيران، التي احتالت على العقوبات الدولية وبدأت بتسيير رحلات إلى معظم الدول ومنها تركيا.
وأضاف الغزي، إن قدرة بعض الشركات على خرق العقوبات المفروضة على النظام، كون العقوبات المفروضة على شركة الطيران السورية التابعة للنظام لا تشمل شركات طيران القطاع الخاص، موضحًا أن قرار العقوبات على قطاع الطيران السوري يطال فقط قطع التبديل والغيار ووقود الطائرات، بالإضافة إلى عقوبات تمنع هبوط الطائرات السورية، حصرًا، في المطارات الأوروبية.
وعن كون الشركة مملوكة لرامي مخلوف المُعاقب دوليًا أيضًا، بيّن الغزي، أن أجنحة الشام للطيران بعد العقوبات أصبحت تقدم نفسها على أنها مملوكة لمجموعة حميشو التجارية، والتي هي خارج العقوبات الاقتصادية الدولية.
وأشار إلى أن النظام أدرك أنه سينتظر طويلًا لفك العقوبات على قطاع الطيران، لذا عاود الاعتماد على طيران أجنحة الشام للاستفادة من أموال السوريين الراغبين بالسفر والهروب من جحيم الحرب.
المهاجرون وانهيار الليرة
وزير الاقتصاد في حكومة النظام، همام الجزائري، قال في الثالث من أيلول الجاري خلال لقاء مفتوح مع الصحفيين، إن كلفة المهاجرين السوريين وصلت إلى 420 مليون دولار مؤخرًا، مضيفًا أن كلفة كل مهاجر تصل إلى نحو 7 آلاف دولار يتم سحبها من سوق الصرف، نظرًا لأن الكثير من المهاجرين باعوا ممتلكاتهم وبيوتهم وسياراتهم ومصاغهم واشتروا دولارات لدفع تكاليف الهجرة، وهو نزيف آخر لموارد الحكومة.
وهذه هي المرة الأولى التي يعترف فيها مسؤول في حكومة النظام بأثر الهجرة على سوريا، ولكن أن يتم تحميل المهاجرين وزر تدهور الليرة السورية أمر غير منطقي، فالليرة فقدت قيمتها جراء الحرب والعقوبات الاقتصادية المفروضة على النظام وتوقف حركة التصدير بشكل كبير جدًا، وإن كان للمهاجرين دور في ذلك فهو مهملٌ بالمقارنة مع ذلك.