عورات تكشفها السياحة
بقلم د. فهد الطياش
يبدو أن هذا الصيف السياحي الساخن كشف عن عورات كثيرة في سياحة الداخل والخارج، بل وعلى مستوى خارطة الشعوب ومناطق الجذب السياحي. وما يهمنا هنا أكثر هو ما انكشف من عورات لم تعد تسترها "ثقافة العيب" و"يا غريب كن أديب". وقبل أن أبدأ باستعراض بعض تلك السلوكيات التي تخصنا كسعوديين سأتوقف عند موقف دولي من السائح الصيني.
فالحكومة الصينية اتخذت تدابير قانونية رادعة لكل صيني يشوه صورة بلاده خارج الحدود. فقد طفح كيل بعض الدول الجاذبة للسياحة من سلوكيات السائح الصيني إلى درجة أن حكومة تايلاند أصدرت حملة عن" اتيكيت السياحة" بمختلف اللهجات الصينية للحد من سلوكيات سياحهم في تايلاند. لكن الحكومة الصينية أخذت الموضوع بشكل جاد فصورة الشعب يجب أن تحمى من سلوكيات الأفراد.
فمرتكب السلوك السيئ يعاقب داخل البلد مما يعني أنه تحت طائلة العقاب خارجها أيضاً. ومن العقوبات المتوقع تطبيقها في حق السائح المخطئ إيقاف الخدمات البنكية مثل بطاقات الائتمان عنه وفرض غرامة على سلوكياته وربما منعه من السفر. ولا يقتصر على رأي دولة حول سياح دولة أخرى بل أصبحت هناك صناعة صحفية تتعقب السلوكيات السياحة وتضع ترتيبا للدول الأسوأ من سلوكيات السياح. ولله الحمد لم ندخل ضمن تلك التصنيفات السيئة مثل الإيطاليين والبرازيليين وحتى الهنود. كل هذا يصب في ما أسمته دافنيا ستانفورد (006) عن سوء السلوك السياحي في رسالتها للدكتوراه عن السياحة المسؤولة: نيوزيلاند نموذجاً.
ففيها تطرقت إلى قضية مهمة تعني تحديد جهة تتحمل المسؤولية الوطنية لمتابعة سوء السلوك السياحي والمحافظة على البيئة والثقافة المحلية في المنطقة السياحية دون تقصير في حق السائح. وهذا يعني أن المسؤولية القانونية تقع على جميع أطراف العملية السياحية. ولكن هل يعني أن سائحنا السعودي خاصة والخليجي الذي نقع معه في نفس دائرة التصنيف بعيدون عند الدخول في عالم السلوك السياحي السيئ؟ لا أظن ذلك، فسياحنا في هذا الصيف كشفوا عن عورات لم تكن في الحسبان. ويعود السبب إلى حد كبير أن تلك العورات انكشفت في مناطق السياحة المكشوفة.
فهناك في الثقافة السياحية ما يعرف ب" الفقاعة السياحية /الثقافية" وأكثر من يعيش في هذه الفقاعة هم من الأميركيين الذي يسافرون وفق منظومة أميركية صنعت لديهم وتم تصديرها للخارج مثل سلسلة الفنادق الأميريكة وسلسلة المطاعم الأميركية وغيرها من السلاسل التي تبدأ هناك وتنتهي في معظم أطراف الدنيا. وبالتالي يختفي السائح الأميركي في تلك الفقاعة الثقافية الأميركية المصدرة لاستقباله خارج أرضه. ولكن سائحنا الخليجي في هذا الصيف تجاوز الخطوط الثقافية المقبولة في السلوكيات السيئة مثل التنقل بالملابس الداخلية وإلقاء النفايات في الأماكن العامة.
ولعل المقولة للمسؤول عن ملعب مباراة السوبر بين الهلال والنصر في لندن تدل على ذلك. ففيها يقول لم أرَ الملعب بهذه القذارة بعد أي مباراة. فمعنى هذا أن الحضور هم من لا يعرف النظافة. هذا حديث الملعب فما بالك بكمية النفايات في دور السينما وإزعاج الحضور بعد حضور سياحنا لها. إنها مناظر قد لا نتفق معها ولكن علينا مواجهتها بحزم وخصوصاً في الأماكن التي يدخلها السائح وهو يحمل جواز سفره كالمطارات والطائرات، وعندها يتم محاسبة هذا الفرد الذي لم يعد يمثل نفسه.
ولعل العورة الأخطر من السياحة الخارجية تلك العورات التي انعكست منها على السياحة الداخلية. فالسائح المحلي لم يعد بعيداً عن جدول المقارنات. فمقطع الفيديو لمواطن يقارن بين الغرف المتاحة في المدن السياحية السعودية وخدماتها السيئة ويقارنها بين أجمل الأماكن في العالم ورخص ثمنها وعلو الخدمات المقدمة فيها وبعدها يقدم رسالته السلبية عن الموقف من السياحة الداخلية.
بل إن المناظر "المقززة" لدورات مياه في مدينة سياحية سعودية ورفعتها امرأة سعودية مع عبارة "اتقوا الله فينا" رسالة واضحة لهيئة السياحة. وهي رسالة أقرنها بالدعوة أن يكون الله في عونهم. فهم يتعاملون مؤسسات تعمل في السياحة وهي ليست أهلاً لها. فهي تستغل الضيف تحت مسمى "موسم". ويجب أن تعالج أولاً عورات المواسم خاصة في الحج والعمرة وبشدة وتقديم أرقى الخدمات لضيوف بيت الله ومسجد رسوله عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم. ومن لا يعرف قيمة المكان وأهمية الضيوف وحرص قيادتنا عليهم فليخرج من صناعة السياحة غير مأسوف عليه. وربما حان وقت شرطة السياحة حتى يعرف من يعمل في هذا القطاع أن الأمر لا تهاون فيه. والحكمة تعلمنا أن من"أمن العقوبة أساء الأدب".
نقلا عن الرياض