ثقافة واثار البحرين :السياحة الثقفية في شبه الجزيرة العربية قبل أكثر من ألف عام
المنامة "المسلة" …. لم يكن الروائي البريطاني تشارلز ديكنز يعلم، إذ يصوغ أحداث رواياته في مقاطعة كِنت البريطانية، أنه وفي عقود لاحقة، ستعلن المقاطعة أن "السياحة الأدبية" وحدها تسهم بأكثر من 3 ملايين دولار كمدخول سنوي للمقاطعة، حيث يرغب قراء الكاتب البريطانيّ تشارلز ديكنز، الذين قرأوا عنها في كتبه بزيارتها لرؤيتها على الطبيعة، وعندما لم تكن تلك هي الظاهرة الوحيدة في العالم، أن يشكل الأدب عامل جذب لمدينة بعينها، فإن قوائم تصنف المدن حسب أهميتها في "السياحة الأدبيّة" استحدثت لمعرفة أكثر المدن التي خلق الأدب فيها عامل جذب سياحيّ.
ورغم استحداث القائمة، إلا أن الفكرة غير حديثة، بل إنها متجذّرة في ثقافة شبه الجزيرة العربية، وليس أدل عليها من سوق عكاظ الذي يعدّ نموذجًا للسياحة الأدبية في شبه الجزيرة العربية قبل أكثر من ألف عام، ذلك أن سوق عكاظ كان باجتماع أدباء وشعراء العرب، صحبة الموسيقى، والتسوّق ببضائعه المادية، وبموسميّته أيضًا، تجليَّا راقيًا ومتكاملًا للسياحة الأدبية، وهي اليوم تشكل جزءًا يسيرا من حجم إيرادات السياحة الثقافية التي حازت بصحبة سياحة الترفيه والمغامرات والسياحة الشاطئية، على أكثر من نصف إرادات السياحة البالغة 1245 مليار دولار في العام 2014م حسب تقرير منظمة السياحة العالمية.
بالتماشي مع حالة سوق عكاظ كنموذج للسياحة الثقافية، وحول مفهومها، تحدّث تقرير لصحيفة الجارديان البريطانية شارحًا "يدور مفهوم السياحة الثقافية حول العرض المتكامل الذي تقدمه وجهة ما، رابطة هذا العرض بمجموع الصناعات ذات الصلة (الطعام، الشراب، الفنادق، التسوّق، وما إلى ذلك ) والتأكد من أن هذه العروض والصناعات، موظفة في حزم كاملة وعروض متكاملة ذات معنى للمستهلك."
وبناءً على هذا الفهم، فإن 3 مجالات أساسية وضعها أصحاب الاختصاص لتحديد الأدوار الرئيسية والإجراءات التي تسهم في تنشيط السياحة الثقافية، هي: استحداث المناسبات، إحياء الدروب والمسالك القديمة والوسائط الثقافيّة. وقد عملت هيئة البحرين للثقافة والآثار ولاتزال وفق هذه الرؤية العلمية لتنشيط السياحة الثقافية في مملكة البحرين وتعزيز حضورها كوجهة للسياحة الثقافية بعزم وثقة تستند إلى رؤية ومعرفة.
في استحداث المناسبات والتي تعني ابتكار مواسم واستغلال ظروف معنية بما يحقق تنويع المنتج السياحي لجذب شرائح جديدة من السائحين والزوار، فإن هيئة البحرين للثقافة والآثار عملت ولاتزال على مواسم ومهرجانات سنوية وموسمية، مثل مهرجان صيف البحرين، مهرجان تاء الشباب، ربيع الثقافة، مهرجان البحرين الدولي للموسيقى، مهرجان التراث، ليلة "ما نامت المنامة"، يوم اللغة العربية، قافلة الشعر/يوم الشعر العالمي، عامدة في ذلك إما لاستحداث مواسم ومناسبات أو إحياء مناسبات عالمية وإقليمية أو محليّة.
وليس أدل على إحياء الدروب والمسالك القديمة كواحد من أهم عوامل تنشيط السياحة الثقافية من مشروع طريق اللؤلؤ ، الذي يحيي ذاكرة البحرين الاجتماعية والاقتصادية في حقبة اللؤلؤ، بدءًا من استخراجه، تصنيعه، بيعه وتصديره وكل ما يصحب هذه الحقبة، من إرث اجتماعي وفني وثقافي. كما يعد إحياء المدينة القديمة في المحرق وجهاً آخر لهذا العامل، والذي يحمل في داخله رهانا على جعل المدينة القديمة بالمحرق وجهة سياحيّة ثقافيّة أساسية لزوّار المملكة بحسب بنا.
أما في شأن الوسائط الثقافية والتي يدل عليها، إنشاء المراكز الثقافية، أو الفرق الموسيقيّة أو المسرحية، وإقامة المعارض أو المؤتمرات، فإن هيئة البحرين للثقافة والآثار عملت ولا تزال على إثراء المتحف الوطني بعروض متحفيّة ومعارض فنية مستمرة، كما في مركز الفنون والصالة الثقافية، ووضعت جدولا متواصلًا لحفلات وعروض المسرح الوطني في سنتيه الأولى والثانية، كما دعمت النشاط الأدبي والموسيقي والفني لعدد من الأفراد والمجموعات/الفرق لتنتج منتجًا ثقافيّا بحرينيًا أصيلا ومعاصرًا. بأمل أن يترك هذا النتاج أثرًا شبيها، بذاك الذي تركه ديكنز، وقراؤه الذين باتوا سيّاحاً ومحبي مدينة كِنت!