الفطرة
بقلم : د محمد فتحى الحريرى
الفطرة هي الاسم الشعبي لزكاة الفطر، أو صدقة الفطر، الواجبة على المسلمين في نهاية صومهم. والزكاة عموما فريضة وركن من أركان الإسلام، الجذر (ز ك ا ز ك ى) يفيد النماء والطهارة فالزكاة تنمي المال، ولا تنقصه أبدا، وهي تطهير لنفس الفقير من الحقد والحسد، وتطهر نفس الغني من الشح والأثرة.
الزكاء، ممدود: النماء والريع، زكا يزكو زكاء وزكوا.
وفي حديث علي، كرم الله وجهه: المال تنقصه النفقة والعلم يزكو على الإنفاق، فاستعار له الزكاء وإن لم يك ذا جرم، وقد زكاه الله وأزكاه.
والزكاء ما أخرجه الله من الثمر.
وأرض زكية: طيبة سمينة؛ حكاه أبو حنيفة. زكا، والزرع يزكو زكاء (ممدود) أي نما.
خاطب ربنا النبي الأعظم: ((خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها)).
قوله تعالى: وتزكيهم بها؛ قالوا: تطهرهم. قال أبو علي: الزكاة صفوة الشيء.
وزكاه إذا أخذ زكاته.
وتزكى أي تصدق.
وفي التنزيل العزيز: والذين هم للزكاة فاعلون؛ قال بعضهم: الذين هم للزكاة مؤتون، وقال آخرون: الذين هم للعمل الصالح فاعلون، وقال تعالى: خيرا منه زكاة؛ أي خيرا منه عملا صالحا، وقال الفراء: زكاة صلاحا، وكذلك قوله عز وجل: وحنانا من لدنا وزكاة؛ قال: صلاحا.
أما اسم الصدقة فهو من الجذر الثلاثي (ص د ق) فالمخرج للصدقة صادق في انتمائه وعمله وتطبيقه السلوكي للإسلم بما ينفع عباد الله تعالى.
وزكاة الفطر فرع من الزكاة إلا أنها مختصة برمضان، وهي واجبة على الغني والفقير سواء، بعكس الزكاة الفريضة التي لا تجب إلا على من ملك النصاب.
زكاة الفطر فريضة على كل مسلم: الكبير والصغير، والذكر و الأنثى، و الحر والعبد، لحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال (فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر من رمضان صاعا من تمر، أو صاعا من شعير، على العبد والحر، والذكر والأنثى، والصغير والكبير من المسلمين. و أمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة) صحيح البخاري.
تعطى زكاة الفطر لفقراء المسلمين في بلد مخرجها، ويجوز نقلها إلى فقراء بلد أخرى إذا كان أهلها أشد حاجة، ولا يجوز وضعها في بناء مسجد أو مشاريع خيرية.
حكمتها: تطهير الصائم مما عسى أن يكون قد وقع فيه أثناء الصيام من لغو أو رفث، فعن ابن عباس قال) فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين) صحيح أبي داود، قال وكيع بن الجراح رحمه الله : زكاة الفطر لشهر رمضان كسجدتي السهو للصلاة، تجبر نقصان الصوم كما يجبر السجود نقصان الصلاة. وكذلك لتكون عونا للفقراء والمحتاجين على شراء احتياجات العيد ليشاركوا المسلمين فرحتهم ولإغنائهم يوم العيد عن السؤال والتطواف
تجب زكاة الفطر: على كل مسلم يكون لديه ما يزيد عن قوته وقوت عياله وعن حاجاته الأصلية.
تارك إخراج زكاة الفطر: إن كان يعلم وجوبها، فإنه يعتبر عاصيا مخالفا لأمر الله تعالى في أمره بطاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم.
مقدار زكاة الفطر: الواجب فى زكاة الفطر صاع مما يقتاته أهل البلد من أرز أو سكر أو تمر أو برغل أو قمح أو شعير، ونحو ذلك مما يعتبر قوتا يتقوت به، ويقدر الصاع ب (3) كيلو جرامات من الأرز عن الفرد الواحد، ويختلف الوزن بالنسبة لغير الأرز من الأقوات، ولا يجوز إخراج ما فيه نقص ولا ما كان معيبا، فالله طيب ولا يقبل الا طيبا.
من أهل العلم من يمنع دفعها مالا، لأن الأصل إخراجها طعاما، ومنهم من قال أنه يجوز إخراج زكاة الفطر نقدا بمقدار قيمتها العينية دراهم إذا كان ذلك لمصلحة الفقير، وتقدر قيمتها بقيمة (3) كيلو جرامات من الأرز (أو السكر في أيامنا) حسب سعره في البلد، ويبحث الفقهاء عادة في مطولاتهم الفقهية وأبحاثهم واجتهاداتهم ما يجيب عن تساؤلات العامة من جمهور المسلمين، مثل:
وقت زكاة الفطر، وكان الصحابة يخرجونها قبل يومين، فعن نافع مولى ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال في صدقة التطوع (وكانوا يعطون قبل الفطر بيوم أو يومين) صحيح البخاري
المستحقون لزكاة الفطر.
على من تجب، وعمن تخرج …. الخ.
ونؤكد أن الراجح اليوم جواز إخراج قيمة الفطرة ونقول: نقدا لان هذا أرفق بالفقير؛ فعن معمر قال: كتب عمر بن عبد العزيز: «على كل اثنين درهم، يعني زكاة الفطر»، قال معمر: هذا على حساب ما يعطى من الكيل. أثر صحيح: رواه عبد الرزاق في المصنف (3/316 برقم 5778).
ورواه ابن أبي شيبة (3/282 برقم 10462 و 10463) من طريقين:
الأولى عن ابن عون قال: سمعت كتاب عمر بن عبد العزيز يقرأ إلى عدي بالبصرة: «يؤخذ من أهل الديوان من أعطياتهم، عن كل إنسان نصف درهم»،
والثانية من طريق قرة بن خالد قال: جاءنا كتاب عمر بن عبد العزيز في صدقة الفطر: «نصف صاع عن كل إنسان، أو قيمته نصف درهم».
ورواه حميد بن زنجويه في كتاب الأموال (3 / 1267-1269 برقم 2451 و 2453) من طريقين أيضا:
طريق ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، أن عمر بن عبد العزيز كتب: «يؤخذ من عطاء كل رجل نصف درهم زكاة الفطر قال يزيد: فهم حتى الآن يأخذونهم به»،
وطريق ابن المبارك، عن عوف قال: قرئ علينا كتاب عمر بن عبد العزيز في صدقة رمضان: «واجعل على أهل الديوان نصف درهم من كل إنسان، يؤخذ من أعطياتهم».
وأمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز أدرك عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، والسائب بن يزيد، وسهل بن سعد، وأنس بن مالك – رضي الله عنهم -، وهو الذي كتب إلى الناس: "لا رأي لأحد مع سنة سنها رسول الله – صلى الله عليه وسلم- ".
قال ابن حزم في المحلى (6 / 130-131): «وصح عن عمر بن عبد العزيز إيجاب نصف صاع من بر على الإنسان في صدقة الفطر، أو قيمته على أهل الديوان نصف درهم، من طريق وكيع عن قرة بن خالد قال: كتب عمر بن عبد العزيز إلينا بذلك، وصح أيضا عن طاووس، ومجاهد، وسعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، وأبى سلمة ابن عبد الرحمن بن عوف، وسعيد بن جبير، وهو قول الأوزاعي، والليث، وسفيان الثوري ».
وعن ابن شهاب قال: «أخذت الأئمة في الديوان زكاة الفطر في أعطياتهم» أثر حسن: رواه ابن زنجويه في الأموال.
ونحن لسنا في صدد الحديث عن الفتاوى، ولا مناقشة أقوال الفقهاء لبيان الراجح، وإنما نحن في مضمار لغوي جذوري بحت، وإن كانت طبيعة البحث الزمانية اقتضت الخوض فيه ونحن في رحاب الشهر الكريم.
أما الفطرة (بضم الفاء) فهي لفظ عامي من الفطر للصائم، وبالفطر تجب زكاة الفطر، وأصل الجذر (ف ط ر) هو الشق:
فطر الشيء يفطره فطرا فانفطر وفطره: شقه.
وتفطر الشيء: تشقق.
والفطر الشق، وجمعه فطور.
وفي التنزيل العزيز: هل ترى من فطور. وأنشد ثعلب:
شققت القلب ثم ذررت فيه *** هواك، فليم، فالتأم الفطور
وأصل الفطر: الشق؛ ومنه قوله تعالى: إذا انفطرت السماء؛ أي انشقت.
وفي الحديث الشريف: قام رسول الله، صلى الله عليه وسلم، حتى تفطرت قدماه أي انشقتا، أو كادتا. يقال: تفطرت بمعنى؛ ومنه أخذ فطر الصائم لأنه يفتح فاه (قاله ابن سيده) وقال: تفطر الشيء وفطر وانفطر. قلنا: فطر الصائم أن يشق الطعام صيام الجهاز الهضمي!