عمومية الكتابة وشبح السقوط
بقلم – فاطمة المزروعى
إن أجمل وأمتع ما في الكتابة، هو فتحها مساحات هائلة من التواصل والمعلومات والمعارف أمام من يتوجه لها وهمه التطور وتقديم كل ما هو متميز.
فالكتابة ممارسة عميقة ولها تاريخ طويل في مسيرة البشرية. ويكفي أن نعلم أن الكتابة بدأت أو اخترعها الإنسان في عام خمسة آلاف قبل الميلاد، حسب بعض المصادر التاريخية، وأن الكتابة على الألواح الطينية بدأت قبل عام 3600 ق.م وكان ينقش على الطين وهو طري بقلم سنه رفيع، ثم يجفف الطين في النار أو الشمس، حسب موقع ويكيبيديا على شبكة الإنترنت.
وغني عن القول إنه أمام هذا التاريخ الطويل يظهر لنا جوهر الكتابة والحاجة إليها فهي لم تأت إلا للحاجة الماسة للتفاهم، ولمزيد من الترابط، وأيضاً لحفظ الإنتاج الإنساني من الاندثار والنسيان، لذا فإن الكتابة تعد واحدة من قلة من الاكتشافات التي نقلت البشرية نقلات مدوية وكبيرة نحو الرقي والصعود وبناء كوكب الأرض.
البعض ممن يؤلف ويكتب يتذمر ممن يقتحم هذا المضمار ويعتبرهم دخلاء، لكن جوهر الكتابة يختلف عن مثل هذه النظرة، لأنها، وكما هو معروف، تتميز بالعمومية والشمولية، فهي ليست حكراً على أفراد دون سواهم، وليست مخصصة لطبقة دون أخرى، هي مشاعة، وللجميع دون استثناء اقتحامها والتعاطي معها وتقديم أفكارهم وكل ما من شأنه أن يخدم. وبعد هذا كله فهي ليست ممارسة صعبة أو قاسية، لكنها في الوقت نفسه ممارسة خطيرة، بمعنى أنه على الرغم من عموميتها إلا أنها فاضحة، فمن يكتب دون معرفة واطلاع وثقافة، فهو كمن يقول للناس تعالوا انظروا إلى سطحيتي، وطالعوا فداحة الأمور التي أجهلها.
وبالمناسبة فإن هناك مقولة بليغة توضح هذا الجانب للأديب الكبير ميخائيل نعيمة، الذي يعد من أهم مفكري الأمة العربية، ويعتبره الكثير اسماً كبيراً أسهم مع نخب أخرى في قيادة النهضة الفكرية والثقافية، يقول هذا الأديب «كم من أناس صرفوا العمر في إتقان فن الكتابة، ليذيعوا جهلهم لا غير». وهنا مكمن خطورة ممارسة الكتابة والتأليف، وهي على الرغم من عموميتها إلا أنها من الممكن أن ترتد سلباً على الكاتب نفسه، وقد تكون مضرة بمشروعه ومقوضة له.
تَوجَّه نحو الكتابة بعفوية وبساطة .. نعم، ولكن وأنت متسلح بالمعارف واحترام القارئ والمتلقي الوفي، الذي سيقرأ لك .. قدم ما يفيد الآخرين، وليس ما يوسع وينشر اسمك، لتكن همتك فائدة الناس ونشر المعرفة، فهذه من أهم وظائف الكتابة النبيلة.