الاقتصاد هو كلمة السر لتحقيق الاستقرار السياسي والاجتماعي
بقلم: محمد رضا
مدير إدارة البحوث المالية والاقتصادية في كبرى المؤسسات المالية العاملة في أسواق المال
• لماذا الاقتصاد أولاً؟
• ماهي حقيقية الأوضاع الاقتصادية لمصر؟
• هل يتحسن الوضع الاقتصادي لمصر أم يتدهور؟
• ماذا يحتاج الاقتصاد المصري لتحقيق الاستقرار السياسي والاجتماعي؟
يلعب الاقتصاد دوراً رئيسياً في تحقيق الاستقرار السياسي والاجتماعي للشعوب بإختلاف تصنيفاتها، حيث من الأسباب الرئيسية التي تؤدي إلى سخط الشعوب هي الأوضاع الاقتصادية التي يعيشون بها فكلما أنخفضت مستويات المعيشة وأرتفعت البطالة مع انخفاض التوقعات بتحسن الفرص المعيشية وغياب المساوة الاقتصادية وغياب العدالة الاجتماعية في توزيع الدخل مع زيادة الضرائب المفروضة بدون أن تعود على الشعب بتحسين للخدمات تؤدي جميعها إلي اضطربات إجتماعية تساهم في خلق حالة عدم الاستقرار السياسي وتؤدي بدورها إلى ضعف ثقة القطاع الخاص وانخفاض الاستثمار وضيق الحيز المتاح للاصلاح الاقتصادي والتي تؤدي في النهاية إلي مزيد من تفاقم إرتفاع البطالة وزيادة توقعات النمو المنخفضة.
ومع التحولات السياسية التي جرت في مصر ارتفعت آمال الشعب وارتفع سقف تطلعاته أملا في تحسين أوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية لكن من سوء حظ الحكومة الجديدة أنها ورثت اقتصاد وطني متعثر مثقل بالعديد من المشكلات، وجاءت في ظروف اقتصادية عالمية تحيطها مخاوف من كساد الاقتصاد العالمي في ظل بوادر تعثر اقتصادي ومالي عالمي كبير، مما سيضطر الحكومة إلى اتخاذ قرارات اقتصادية مؤلمة وغير شعبية للتحكم في توازناتها المالية والاقتصادية، مما سيخلف حالة من الإحباط لدى الشارع خاصة منه المنتمي للفئات المتوسطة والفقيرة.
والحقيقة المؤلمه للاقتصاد المصري التي يجب أن نواجهها بكل شفافية وموضوعية أن اقتصادنا يواجه وضعاً هو الأسوأ ولم يكن هذا وليداً للفترة الحالية وأنما جاءت على مدار عقود ولم تكن الثورات وماصاحبها من اضطرابات سياسية وأمنية واسعة هي السبب وأنما أدت إلي تفاقم حجمها ، ويظهر ذلك بشكل واضح في التدهور الحاد للمؤشرات الأقتصادية حيث حقق الناتج المحلي الإجمالي معدل نمو متواضع بنسبة 2.2% خلال عام 2013/2014 وسجل معدل البطالة 13% كما سجل عجز الميزان التجاري مع دول العالم قيمة 33.7 مليار دولار أمريكي عام 2013/2014 في ظل عدم استقرار أسعار الصرف وانخفاض الاحتياطي من العملات الأجنبية ليصل إلي 15.43 مليار دولار في يناير 2015 وانخفاض صافي تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر.
إضافة إلى ذلك، فقد تصاعد حجم الإنفاق على فوائد الدين العام والأجور والدعم والتي مثلت نحو 81% من إجمالي الإنفاق لتواجه الحكومة تصاعدا فى عجز الموازنة والذى وصل إلى255 مليار جنيه فى العام المالى الماضى أى ما يعادل 12.8% من الناتج المحلى الإجمالي وقد أدى تصاعد العجز إلى تفاقم الدين العام الذى وصل لقرابة 86٪ من الناتج المحلي الإجمالي حيث بلغ إجمالي دين الموازنة العامة (محلي وخارجي) 1995 مليار جنيه مصري في نهاية سبتمبر 2014 وارتفعت تكلفة خدمة الدين ليتجاوز ربع الموازنة، في الوقت الذي أنخفضت فيه إيرادات القطاع السياحي وانحصر أعداد السياح الوافدين لمصر في ظل عدم الاستقرار الأمني بجانب توقف أكثر من 4500 مصنع تقريباً عن العمل ومديونيات مستحقة على الدولة لقطاع البترول والمقاولات أدى إلي توقف جزئي في هذه القطاعات، وارتفاع التكلفة الـمالية للدعم الحكومي الذي وصل لقرابة ثلث الموازنة وخاصة دعم الطاقة الذي يلتهم نحو 20 بالمئة من الموازنة العامة بشكل أرهــق المـوازنة العامه وأدى لرفـع مـستــويات الديـن الـعام مما أدى بدوره الى نقص حجم الأموال المتاحة لأوجه الإنفاق الأخرى ذات الـصلة بالتـنمية حيث مثل الإنفاق على الدعم أكثر مما تم إنفاقه على الصحة والتعليم والبنية التحتية، في الوقت الذي يعاني فيه الدعم الحكومي من تدني نسب الكفاءة وارتفاع نسب الهدر وعـدم استـهداف محدودي الدخل في صورة جيدة حيث تعود منافعه بالدرجه الأولى على المستهلكين الأيسر حالاً ولصالح الصناعات كثيفة الاستخدام للطاقة والتي لاتشجع توفير فرص العمل، وزيادة الاسـتـهلاك الكثيف وغير الفاعـل للطاقة بسبب أسعارها المتدنية وتهريب الوقود عبر الحدود للاستفادة من الفروق السعرية مع الدول المجاورة، في ظل عدم كفاءة الجهاز الإداري والذي تحول إلي نظام بيروقراطي قوي يعيق تطور الأداء الاقتصادي بجانب النظم الضريبية التي لاتدعم التنافسية.
كما تضاعف حجم الاقتصاد الغير رسمي بشكل كبير ويرجع السبب الرئيسي لزيادة وأتساع حجم القطاع الغير رسمي إلى إضطرار كثير من الأعمال الصغيرة إلي العمل في القطاع الغير رسمي نتيجه ماتفرضه البيروقراطية من أعباء ثقيلة، وفي نفس الوقت الذي أثرت فيه ممارسات القطاع الخاص الذي اهتم بالاستئثار بملكيات القطاع العام التي تحولت إليه لتزيد تركز الثروة ولم يبادر باستثمارات جديدة مولدة لفرص العمل مما أدى لإرتفاع نسب البطالة وعجز الحكومات المتعاقبة عن استيعاب الوافدين الجدد إلى سوق العمل، في ظل وجود شبكات ضمان اجتماعى مقيدة ووصول الخلل فى عدم المساواة بين الأفراد فى الدخل والثروة لدرجة تمزق نسيج المجتمع، وكانت أحد أهم الأسباب وراء خروج الشعب هو الشعور بالسخط وعدم الرضا لنقص الفرص الاقتصادية والبطالة المرتفعة ولكن البطالة أرتفعت مع الأسف على مدار السنوات الماضية نتيجة للنمو المنخفض وضعف ثقة القطاع الخاص وتفاقم انخفاض الاستثمار فى البنية التحية لسنوات وتدهور الأوضاع الاقتصادية بسبب الاضطرابات المصاحبة للفترات الأنتقالية والصراعات الأقليمية والآفاق السياسية الغير واضحة وتراجع التنافسية والبيئة الاقتصادية الخارجية المليئة بالتحديات في ظل أن فرصة وجود استجابة اقتصادية شاملة قوية محدودة الآن وعلى المدى القصير.
ونأتي هنا للسؤال الأهم: هل يتحسن الاقتصاد المصري أم يتدهور؟؟ الإجابه بشكل كبير حدث تحسن نسبي للاقتصاد المصري ولكنه مازل غير كافي حيث أستقرت معظم مؤشرات الاقتصاد فيما عدا الدين العام والاحتياطي من العملات الأجنبية وأستمرت المشاكل الهيكلية بالموازنة العامة حيث لايزال يمثل حجم الإنفاق على فوائد الدين العام والأجور والدعم أكثر من 81% من إجمالي الإنفاق.
وجاءت مؤشرات النصف الأول من العام المالي الحالي 2014/2015 لتؤكد على تحسن الاقتصاد بشكل نسبي مستهدفاً نسب نمو مابين 3.5% إلي 4% للناتج المحلي الإجمالي بنهاية العام المالي الحالي وتراجع المعدل السنوى للتضخم الأساسى الى 7.06% في يناير 2015 وتحسن أداء الاستثمارات حيث حققت خلال الربع الأول من العام المالي 2014/2015 معدل نمو سنوي يعادل 14% مقابل معدل نمو بالسالب يقدر بـ 7.3% خلال نفس الفترة من العام المالي الماضي، بالرغم من ارتفاع عجز الموازنة بنسبة 43% ليسجل 124 مليار جنيه مقارنة بـ 87 مليار جنيه مصري خلال نفس الفترة من العام الماضي والذي يرجع إلي إنخفاض الإيرادات الكلية بنسبة 6.8% بسبب انخفاض المنح لتسجل 7.8 مليار جنيه فقط مقارنة بـ 37 مليار جنيه خلال نفس الفترة من العام الماضي، في الوقت الذي أرتفعت فيه النفقات الإجمالية بنسبة 9.7% ولكن من المتوقع أن يتراجع عجز الموازنة بنهاية العام المالي الحالي لمستوى 10.5% إلي 11.5% بالقرب من المستويات المستهدفة من قٌبل الحكومة بدعم من أنخفاض الأسعار العالمية للبترول ومن المساعدات المالية الخليجية المتوقعة للحكومة خلال النصف الثاني من العام الحالي، كما يعد زیادة الحصیلة الضریبیة بنسبة ٩٫٩ % عن العام السابق مؤشر جيد لنشاط القطاعات الاقتصادية.
وأتخذ البنك المركزي المصري والحكومة مجموعة من السياسات الإصلاحية على الصعيد المالي والنقدي كانت في مضمونها جيدة وأن أختلفنا على مدى كفايتها وعلى آليات تنفيذها لتحقيق الإصلاح الاقتصادي المنشود، وكان للإستقرار السياسي ومجموعة الإجراءات المالية الإصلاحية بجانب الدعم الخليجي الكبير بعد 30 يونيو أثر كبير على تقييم المؤسسات الدولية للاقتصاد المصري حيث قامت مؤسسة فيتش برفع درجة التصنيف الائتماني لمصر إلي B مستقر كما عدلت مؤسسة موديز نظرتها لمصر إلي مستقر بالإضافة إلي التقرير الإيجابي عن مصر والذي صدر مؤخراً من صندوق النقد الدولي خاصة فيما يتعلق بالإجراءات التي اتخذتها الحكومة المصرية والبنك المركزي والتي أعتبرها الصندوق أنها كان لها دور كبير في التحسن النسبي للاقتصاد المصري.
ولكن تبقى المخاوف متزايدة بشأن أستمرار ارتفاع دين الموازنة العامة وانخفاض الاحتياطي من العملات الأجنبية حيث سجل دين الموازنة العامة (محلي وخارجي) 1995 مليار جنيه مصري في نهاية سبتمبر 2014 بنسبة 86% من الناتج المحلي الإجمالي مقارنة بـ 1721 مليار جنيه مصري في نهاية سبتمبر 2013، واستمر انخفاض رصيد الاحتياطي من العملات الأجنبية لدى البنك المركزي المصري ليصل إلي 15.43 مليار دولار في يناير 2015، وتزداد المخاوف بشكل كبير من أستمرار حالة عدم الإستقرار الأمني وأتساع حجم العمليات الأرهابية وكذلك المخاوف التي صاحبت الضربات الجوية في ليبيا والتي تعتبر العائق الأكبر الآن على تدفق الاستثمارات الاجنبية لمصر والتي تلقى بظلالها على نجاح مؤتمر قمة مصر الاقتصادية في جذب الاستثمارات المنشودة.
ويظل السؤال عن: ماذا يحتاج الاقتصاد المصري لتحقيق الاستقرار السياسي والاجتماعي؟؟ إن الدوله أصبحت الآن مطالبة بالعمل من خلال ثلاثة أولويات: وهي توفير المزيد من فرص العمل على المدى القصير والحد من مواطن الضعف لحماية الاستقرار الاقتصادي، والشروع في الإصلاحات لتحقيق نمو أعلى وأكثر احتواء لمختلف شرائح المواطنين، والحلقة التي يتعين كسرها لكسر الحلقة المفرغة من الكساد والصراع الإجتماعي – السياسي المستمر هي البطالة المرتفعة والتوقعات المنخفضة بتحسن الفرص المعيشية والتي تؤدي إلي اضطربات إجتماعية تساهم في عدم الاستقرار السياسي وتؤدي بدورها إلى ضعف ثقة القطاع الخاص وانخفاض الاستثمار وضيق الحيز المتاح للاصلاح الاقتصادي والتي تؤدي في النهاية إلي مزيد من تفاقم إرتفاع البطالة وزيادة توقعات النمو المنخفضة.
لذلك أصبح التحرك وفقاً لرؤية إصلاح اقتصادي قوية واضحة ومحددة، وبآليات تنفيذية وبجدول زمني لأقامة اقتصاد أكثر ديناميكية وتنافسية وتركيزاً على الابتكار واحتواء لكافة الشرائح المجتمعية ومواجهة الأزمة المرحلية للاقتصاد القومي وعلاج المشاكل الهيكلية التي يعاني منها الاقتصاد بشكل جذري بعيداً عن الحلول والمسكنات المؤقتة التي يترتب عليها تفاقم أكبر للمشاكل وأعباء تتحملها الأجيال القادمة من خلال مجموعة من الإصلاحات الهيكلية والتي تشمل سياسات الاقتصاد الكلي والشفافية والحوكمة وتوظيف الشباب وتحسين مناخ الأعمال وأطلاق العنان لأنشطة ريادة الأعمال والاستثمار الخاص وكبح ممارسات الفساد والقضاء على الروتين الحكومي وتخفيض حجم الاقتصاد غير الرسمي وتحسين فرص الحصول على التمويل، وإعادة هيكلة الدعم الحكومي وخاصة دعم الطاقة، وأقامة شبكات ذات كفاءة للأمان الإجتماعي، وإقامة نموذج اقتصادي يتيح درجة أكبر من المساواة، وذلك على سبيل المثال من خلال العمل:-
• زيادة معدلات النمو الي نسب تفوق 5% سنويا لتوفير على الأقل 500 ألف فرصة عمل سنويا بما يخفض معدل البطالة إلى أقل من 8%.
• قيادة القطاع الصناعي والزراعي لقاطرة نمو الناتج المحلي الاجمالي.
• الوصول بنصيب الفرد من الناتج المحلي الاجمالي الي ما يتراوح بين 10 الاف و 12 ألف دولار سنويا.
• العمل علي زيادة الاحتياطي من النقد الأجنبي ليصل الي مستويات 30 مليار دولار أمريكي لتخفيف الضغوط على أسعار الصرف المحلية.
• وضع أتجاه واضح للسياسة النقدية مستهدفاً خفض أسعار الفائدة لخفض تكلفة التمويل وتحرير أسعار الصرف.
• حل مشكلة المنشآت والمصانع المتعثرة والمتوقفة عن العمل، والأنتهاء من تسوية كافة المنازعات القائمة مع المستثمرين.
• دعم البدائل التمويلية الاكثر مرونة والقائمة على المشاركة الاستثمارية في التنمية وليست القائمة على الاستدانة للدولة وذلك لتخفيض الدين العام الإجمالي لمستوى آمن مع عدم السعي لزيادة نسبة الدين الخارجي.
• العمل على تخفيض العجز في الميزان التجاري بدعم زيادة الصادرات والحد الإجباري من الواردات الاستهلاكية الغير ضرورية.
• أقامة شبكات ذات كفاءة للأمان الإجتماعي من أجل حماية الفقراء والضعفاء بطرق اقتصادية.
• إعادة هيكلة الدعم الحكومي وخاصة دعم الطاقة وذلك لتخفيض عجز الموازنة وتخفيض مـستــويات الديـن الـعام وتخفيف العبء على المـوازنة وتوفير حجم الأموال المتاحة لأوجه الإنفاق الأخرى ذات الـصلة بالتـنمية.
• إقامة نموذج اقتصادي يتيح درجة أكبر من المساواة، وترتبط المساواة في السياسة الاقتصادية إلى حد ما بكيفية استفادة جميع شرائح المجتمع من ثمار النمو بمفهوم النمو الإحتوائي فلا تكون حكرا على مجموعة محدودة والمساواة في توفير الوظائف وفرص مزاولة النشاط الاقتصادي للجميع.