عندما تضرب عنق الحداد بجريمة النحاس
بقلم د.محسن العبيدي الصفار
حكى أنه في أحد الأيام وفي إحدى الولايات كان هناك أمير له ولد يحبه كثيرا وذات يوم أرسله الى ولاية اخرى كي ينقل رسالة الى أمير تلك الولاية ولكن بعد فترة جاءه الخبر المحزن ان ابنه قد قتل في شجار على يد نحاس (رجل يصنع الأواني النحاسية) والقاتل هرب ولم يقبض عليه.
حزن الأمير واستشاط غضبا لسببين الأول مقتل ابنه الحبيب والثاني عدم قدرته على معاقبة القاتل، وأخيرا تفتق ذهنه النير عن فكرة عبقرية فطلب من الحرس ان يجلبوا له احد النحاسين من مدينته كي يضرب عنقه انتقاما من النحاس الذي قتل ولده في الولاية الأخرى.
خرج الحرس في رحلة البحث عن نحاس فاكتشفوا انهم جميعا قد هربوا بعد ان وصلهم خبر قرار الحاكم فما كان من الحرس الا ان اعتقلوا حدادا وساقوه الى الحاكم فأمر بضرب عنقه على اساس ان مهنته اقرب المهن للنحاسين!
هذه القصة خطرت على بالي عندما شاهدت في الأخبار الاغتيال الآثم لعشرات من المصريين الأقباط على يد تنظيم داعش الإجرامي في ليبيا بطريقة وحشية ومهينة ومشينة تخلو من أية شفقة أو انسانية بذريعة المطالبة بزوجتي قسين أعلنتا إسلامهما تارة والثأر لمقتل بن لادن تارة اخرى،
وسبقت هذه الحادثة قبل سنوات اعتداءات على كنيسة سيدة النجاة في بغداد، وقتل المصلون الأبرياء فيها بنفس الذريعة الواهية، ولا أريد الخوض في تفاصيل صحة هذا الادعاء من عدمه ولكنني أتساءل ما دخل المسيحي العادي المصري أو العراقي فيما تفعله الكنيسة المصرية وما تتخذه من قرارات؟
وما دخل اي مسيحي فيما تفعله الاستخبارات الامريكية؟ هذا المنطق الفج الذي برر به المجرمون من تنظيم داعش ذبح المصريين الأبرياء دون اية شفقة وبررت به من قبل القاعدة مهاجمة الكنيسة في بغداد الذي ينقض جميع الحرمات ولا يمت للإسلام بأية صلة والتهديد بعدها باعتبار جميع مسيحيي الشرق الأوسط اهدافا مشروعة!
هو عين الغباء الإجرامي الذي لا يميز بين الناس ويعتبر أن من حقه محاسبة الحاضر بذنب الغائب، وإذا لم تطل يده النحاس فلا بأس من قتل اي نحاس آخر على اساس ان المهنة الواحدة تجعله مسؤولا عن أي جرم يرتكبه اي نحاس في اي مكان في العالم، وإذا لم يجد نحاسا فلا بأس ساعتها في قتل اي حداد تعيس الحظ لمجرد انه يعمل ايضا في مجال المعادن مثل النحاسين.
إن هذه العقول المريضة هي التي شوهت صورة الإسلام هذا الدين السمح الذي أوصى بكل الاشكال باحترام حقوق أتباع الديانات الأخرى وحمايتهم وعدم التعرض لهم وهو نفس الدين الذي اوصى باحترام النفس البشرية واعتبر أن من قتل نفسا بغير حق كان كمن قتل الناس جميعا، هؤلاء الهمج عندهم منطق واحد هو الدم وهو يجيز لهم قتل الناس على أتفه الأسباب واستباحة دمائهم وأعراضهم وأموالهم بشكل همجي يذكرنا بالعصور الحجرية وهجمات التتار والمغول.
لقد وقع الشعب الليبي المظلوم بين براثن هذه الميليشيات المتناحرة فيما بينها سعيا للمال والسلطة ولا تتورع عن القتل في سبيل ذلك فاسحة المجال لدخول تنظيمات ارهابية همجية مثل داعش على الخط لسفك مزيد من الدماء البريئة اللبيبة وغير الليبية.
نتقدم بالتعزية لجمهورية مصر العربية قيادة وشعبا مسلمين ومسيحيين ولكل الشعوب التي ابتليت بهذا الوباء المسمى داعش في هذا المصاب الجلل الذي يطال كل انسان يؤمن بالقيم الأخلاقية ويرفض هذه الأعمال الدنيئة المسيئة الى الرسالة المحمدية الأصيلة القائمة على الرحمة واحترام الإنسان وكل الاديان.