– الانتهاء من تطوير الواجهة البحرية لمتنزه البليد الأثري .. وإنشاء مراكز للمعلومات في “وبار” و”سمهرم”
صلالة "المسلة" ….. تشهد المواقع الأثرية بمحافظة ظفار التي يشرف عليها مكتب مستشار السلطان للشؤون الثقافية حركة سياحية نشطة، حيث اصبحت وجهة سياحية فريدة تثري استراتيجية السياحة الثقافية والطبيعية بالمحافظة بشكل خاص والسلطنة بشكل عام.
وقد بلغ عدد زوار مواقع أرض اللبان بمحافظة ظفار نحو 119 ألفا و621 زائرا في الفترة من يناير وحتى 16 أغسطس الجاري وذلك حسب الاحصائية الواردة من دائرة مواقع أرض اللبان بمكتب مستشار جلالة السلطان للشؤون الثقافية بحسب العمانية.
ويقوم مكتب مستشار جلالة السلطان للشؤون الثقافية بتطوير عدد من المواقع الأثرية وتزويدها بالمرافق الخدمية والجمالية بهدف تعزيز السياحة الثقافية والأثرية بمحافظة ظفار.
وقال غانم بن سعيد الشنفري مدير دائرة مواقع أرض اللبان بمكتب مستشار جلالة السلطان للشؤون الثقافية في حديث لوكالة الأنباء العمانية انه تم الانتهاء من تطوير الواجهة البحرية لمتنزه البليد الاثري الذي يشتمل على عدد من المقاهي تقع على الشاطئ مباشرة وسوف تقوم هذه المقاهي بتقديم خدماتها قريبا للزوار إضافة إلى انشاء مراكز للمعلومات في موقعي وبار (شصر) وسمهرم الأثريين.
وأضاف: ان المكتب قام بوضع خطة علمية لكشف مكنونات المواقع الأثرية، مشيرا إلى ان المحاور الرئيسية للبحث والاستكشاف تضمنت التنقيب الاثري وما يتصل به من دراسات علمية وتاريخية من أعمال مختلفة منها تصنيف القطع الأثرية وتحليلها وتوثيقها واستخلاص معلوماتها التاريخية، بالإضافة إلى الاعمال المتعلقة بالجانب الهندسي ودراسة مخطط المدينة وترميم الجدران التي يتم الكشف عنها من خلال التنقيبات الأثرية وذلك لضمان صلابتها ومتانتها أمام عوامل الطقس الخارجي بعد اجراء توثيقها.
وأوضح مدير دائرة مواقع أرض اللبان بمكتب مستشار جلالة السلطان للشؤون الثقافية بأن البحث والتنقيب والاستكشاف للمواقع الأثرية اشتملت على أعمال التطوير والتهيئة لتسهيل وصول ودخول الزوار لهذه المواقع بعد اشهارها عالميا، مشيرا الى إنشاء متحف أرض اللبان الذي تم افتتاحه عام 2007م ليكون الحاضنة الرئيسية لعرض جميع المواد المتحفية التي تقدم بدورها عرضا لجميع المراحل التاريخية التي مرت بها محافظة ظفار عبر حقب زمنية مختلفة منذ العصر الحجري المتقدم وحتى الفترة الاسلامية.
وقال إن من بين أعمال التطوير بالمواقع إنشاء ممرات للمشاة وتزويدها بالإنارة وتركيب لوحات ارشادية تحتوي على معلومات مختصرة لأبرز المعالم التي تم الكشف عنها من خلال التنقيبات الاثرية، إضافة إلى انشاء دورات مياه وقوارب كهربائية تقل الزوار في البحيرة المحيطة بالموقع وعربات كهربائية يتم التنقل بها في الموقع الأثري، بالإضافة إلى مركز لبيع المشغولات التقليدية العمانية والتحف والهدايا.
وأضاف غانم بن سعيد الشنفري: ان اعمال التنقيب والترميم والتطوير مستمرة في هذه المواقع وبما تتطلبه الحاجة لخدمة السياحة الثقافية والطبيعية والأثرية للمحافظة خاصة مع ما تشهده هذه المواقع من كثافة في عدد الزائرين لها من الأفواج السياحية والأسر والمقيمين وكذلك طلبة المدارس والكليات والجامعات من داخل السلطنة وخارجها على مدار العام.
وتقع مدينة البليد الأثرية في ولاية صلالة على الشريط الساحلي في المنطقة الواقعة بين الدهاريز والحافة وهي مستطيلة الشكل تبلغ مساحتها 640 ألف متر مربع والبليد هي المدينة الإسلامية الأثرية الأكثر أهمية على ساحل بحر العرب خلال القرون الوسطى وقد أجمع الباحثون من خلال الاكتشافات والشواهد الأثرية ومن دراسات الفخار والمواد العضوية أن الموقع يعود إلى العصر الإسلامي بينما تشير الشواهد إلى أن الموقع كان مأهولاً منذ أواخر الألفية الخامسة قبل الميلاد وأوائل الألفية الرابعة قبل الميلاد.
وتفيد المصادر التاريخية بأن المدينة قد أعيد تأسيسها في القرن العاشر الميلادي ثم جدد بناؤها بمستوى معماري متقدم يضاهي المدن الإسلامية الكبيرة في أساليب الفن المعماري وفي أسوارها الكبيرة وتحصيناتها القوية، حيث اشتملت على منشآت معمارية متميزة مثل الحصن والجامع الكبير والمساجد الصغيرة ودور السكن والمرافق العامة الأخرى وقد استفادت هذه المدينة من تجارة اللبان مما أدى إلى ازدهارها وكانت على صلة تجارية مع موانئ الصين والهند والسند واليمن وشرق أفريقيا والعراق وأوروبا.
وقد قام الباحث بيرترام توماس في عام 1930م بالتقاط صور ضوئية للموقع والتي مثلت أهم المراجع في دراسة الفن الهندسي والمعماري للمنطقة كما قامت البعثة الأميركية برئاسة وندل فليبس وبإدارة ويليام فرانك البرايت في عام 1952م بالكشف عن مبنى كبير في أقصى شرق المدينة وبقايا أعمدة مزخرفة وأحجار مطلية وبقايا قواعد أعمدة.
كما تم تنفيذ برامج حفريات وتنقيب وترميم في المدينة بالتعاون مع جامعات متخصصة من ألمانيا كشفت عن كثير من معالم المدينة المهمة ولا تزال أعمال التنقيب والترميم مستمرة للكشف عن معالم أخرى في المدينة مثل الجامع الكبير وهو من أهم المباني في الموقع ويضم نحو 144 عمودا تشكل ثلاثة عشر صفاً من الأعمدة موازية لجدار القبلة معظمها ثمانيّة الأضلاع وتتوسطها مساحة غير مسقوفة، كما تم الكشف عن مجموعة من المساجد الصغيرة ودور للسكن وكذلك حصن البليد الذي هو مقر الحاكم ومركز السلطة في المدينة.
وذكرت المصادر التاريخية أن مدينة البليد كانت محصنة ومحاطة بأسوار دفاعية ولها أربع بوابات وقد جاءت التنقيبات لتبين امتداد السور حول المدينة، حيث تم الكشف عن جزء كبير من سور الجانب الشمالي لها والذي يحتوي على البوابات مع أبراج في جوانبه ويحيط بالمدينة خندق مائي “خور” من الجهة الشمالية والشرقية والغربية إلا أن الخور في الجهة الغربية اندثر بفعل الزمن ويعتقد أن الخور كان يستخدم لنقل البضائع إلى المدينة من السفن الراسية في البحر أو كمرسى طبيعي للسفن الصغيرة أو كحماية طبيعية للمدينة من السيول لتصريف المياه إلى البحر ويعتبر خور البليد محمية طبيعية ضمن محميات الخيران بساحل محافظة ظفار.
ويقدم متحف أرض اللبان الذي تم افتتاحه في 23 يوليو 2007م موجزاً لتاريخ عُمان ويوفر المتحف للزائرين والباحثين ملخصاً لمسيرة عُمان عبر تاريخها الطويل، حيث يشكل المتحف إطلالة شاملة على السلطنة بمختلف مناطقها وفتراتها الزمنية إلى جانب التعرف على موروثها التاريخي وتراثها البحري من خلال عرض مجموعة من الشواهد والآثار من مختلف محافظات السلطنة بالإضافة إلى نماذج مختلفة لبعض الشواهد والمواقع الأثرية والتاريخية ومجموعة من الصور، حيث تعتبر مثل هذه المتاحف مؤسسات تعليمية تساعد على ربط الأجيال الحالية بماضي الإنسان وحضارته وجسرا للتواصل بين الماضي والحاضر والمستقبل.
ويشتمل المتحف على قاعتين هما “قاعة التاريخ والقاعة البحرية” ففي قاعة التاريخ يتم عرض نماذج من الشواهد الأثرية عبر العصور إلى وقتنا الحاضر من خلال ستة أقسام مختلفة منها “جغرافية عُمان وعُمان في الأزمنة القديمة وأرض اللبان وإسلام أهل عُمان وملامح من التاريخ العُماني ونهضة عُمان” اما القاعة البحرية فتشتمل على مفردات البيئة البحرية العُمانية ومهارات عمليات الإبحار ومفاصل تاريخية مهمة عن علاقة عُمان بالبحر ونماذج السفن العُمانية التقليدية وذلك من خلال سبعة أقسام تضمها هذه القاعة منها “التراث البحري والبحر وبناء القوارب والسفن الشراعية والإبحار والتجارة وواقع البحر الافتراضي والنهضة”.
كما يقوم المتحف بتنظيم أنشطة وفعاليات متنوعة للزوار واستضافة معارض دولية ومحلية بين الحين والآخر وعرض بعض الأفلام الوثائقية في قاعة الوسائط المتعددة إلى جانب تنظيم بعض الأنشطة للزيارات الطلابية خلال برنامج زيارتهم بإقامة برامج مختلفة للطلبة مثل (حلقات عمل في الترميم ـ نشاط الرسم والتلوين) وعدد من المحاضرات التوعوية والتثقيفية، بالإضافة إلى مشاركة المتحف مع المجتمع المحلي في العديد من الفعاليات والمناشط المختلفة التي يقوم بها القطاعان العام والخاص من خلال البرامج التي لها علاقة بتوعية المجتمع وتثقيفه.
ومن المواقع الأثرية التي تم تسجيلها في قائمة التراث العالمي الثقافي والطبيعي تحت مسمى طريق اللبان عام 2000م “وادي دوكة” وشصر “وبار” وخور روري “سمهرم” و”البليد” وذلك لأهمية هذه المواقع باعتبارها مواقع ذات قيمة انسانية عالمية.
ويبعد خور روري (سمهرم) عن ولاية صلالة نحو 40 كيلومترا ناحية الشرق ويتصل الخور بالوادي المنحدر من شلالات دربات الواقعة شمال الموقع.
وتشير نقوش في سمهرم عند البوابة والمكتوبة بالأبجدية العربية الجنوبية إلى تأسيس المدينة، بينما تم الكشف عام 2003م عن معبد صغير خارج جدران سمهرم ربما يكون مرتبطاً بالمقبرة، فيما عثر في معبد المدينة الداخلي على أدوات النذور مبعثرة فوق أرضية المعبد مثل قاعدة لشمعدان وأجراس وأوان وأدوات للزينة الشخصية مثل سوار وخاتم يد وقلادة وعملات معدنية ومبخرة من البرونز وجرة كاملة من الحجر وطاولة للقرابين وعدة أصداف بحرية تستعمل كمصابيح تضاء بالزيت.
كما تشير الشواهد من بعض الأدوات والعملات المعدنية والفخار إلى أن مدينة سمهرم كانت من إحدى المدن العربية التي تميزت خلال تلك الفترة التاريخية بعلاقات بحرية متينة مع مناطق البحر الأبيض المتوسط والهند ومنطقة الخليج وقد تم تحديد الحقبة الزمنية للموقع ما بين القرن الرابع قبل الميلاد إلى القرن الخامس الميلادي.
وإلى الشمال من مدينة صلالة على بعد 40 كيلومترا تقريبا يقع وادي دوكة في منطقة نجد بعد المنحدرات الشمالية لسلسلة جبال ظفار وتنمو بالوادي بكثافة شجرة اللبان المعروفة علميًّا باسم (بسويلا سكرا) حيث يقوم مكتب مستشار جلالة السلطان للشؤون الثقافية باستنبات شجرة اللبان بوادي دوكة للوصول إلى اعداد تتجاوز عشرة آلاف شجرة في المساحات التي لا يوجد بها كثافة لأشجار اللبان وذلك نظرا لأهمية “وادي دوكة” كموقع مدرج ضمن قائمة التراث العالمي الثقافي والطبيعي كأحد مواقع ارض اللبان في منطقة النجد.
وكان مكتب مستشار جلالة السلطان للشؤون الثقافية قد أقام فعاليات اليوم المفتوح لمهرجان حصاد اللبان بمحمية أشجار اللبان بوادي دوكة العام الماضي الذي جسد البيئة القديمة لإنتاج محصول اللبان ليتعرف الزائر بصورة مباشرة على الممارسة التقليدية لعملية الحصاد سبقه تنفيذ تجربة لإنتاج محصول اللبان في المحمية على أربع مراحل في فترات زمنية متفرقة باستخدام الطرق التقليدية النموذجية المتبعة لإنتاج اللبان قديما في مواسم محددة.
وفي الطرف الجنوبي من صحراء الربع الخالي وعلى بعد حوالي 170 كيلومترا عن مدينة صلالة ناحية الشمال يقع موقع شصر الاثري (وبار) في نيابة الشصر بولاية ثمريت، حيث اشار العلماء والباحثون والرحالة العرب إلى ثروات هذه المنطقة ورواج تجارة اللبان والبخور ومسارات طرقه عبر صحراء الربع الخالي.
وذكرت (وبار) في المصادر الإسلامية بأنها تقع شمال محافظة ظفار على طريق اللبان القديم، كما ذكرتها مصادر كثيرة بأنها تقع على الطريق القائم بين ظفار وبغداد لنقل تجارة اللبان والبخور عبر صحراء الربع الخالي.