Al Masalla-News- Official Tourism Travel Portal News At Middle East

جانبى طويل

السعودية: «ثقافة التحريم» تحاصر السياحة… وحملات «الاحتساب» وقودها

السعودية: «ثقافة التحريم» تحاصر السياحة… وحملات «الاحتساب» وقودها

 

الدمام ….في أواخر تسعينات القرن الميلادي الماضي، ومحاكاة للتوجه السياحي الذي انطلق من مدن وعواصم خليجية، دخلت المملكة هذا الميدان، وقامت بمحاولات مستمرة من أجل إيجاد بيئة سياحية مناسبة، يمكن أن تستقطب السائح وتحفزه على صرف أمواله في الداخل. بيد أن غالبية تلك المساعي لم يكتب لها النجاح، فكانت السمة الأبرز «الانتكاسة» والعودة إلى الخلف أو البقاء على الحال ذاته، حتى مل الناس ما يقدم.

 

ورأى عدد من المختصين في مجال السياحة أن أبرز معوقات السياحة الداخلية متعلقة بالجوانب الاجتماعية والثقافية وما يسمى «حملات الاحتساب»، موضحين أن القصد «ليس المطالبة بتغير العادات والتقاليد، ولكن تفسير قواعد السلوك الاجتماعي وتطبيقها، وتفاوتها من مدينة إلى أخرى، وبالتالي القبول بها، وفرص نجاحها من عدمه». وطالبوا عبر «الحياة» بضرورة أن يكون هناك «توجه رسمي» بالتنسيق مع الجهات الرسمية كافة، من أجل الخروج بـ «رؤية استراتيجية طويلة المدى»، لا تغيّب أثر الجانب الثقافي، لكونه «عقبة تقف في وجه المشاريع السياحية».


 

الموسيقى كـ «أزمة» مجتمع

 

دشن أول مهرجان غنائي بالسعودية في 1998، بمدينة أبها. وشهد حضوراً كبيراً من داخل السعودية وخارجها، وشارك فيه عدد من كبار المغنيين المحليين، على رأسهم الراحل طلال مداح، إضافة إلى محمد عبده وعبادي الجوهر، وغيرهم. واستمر المهرجان في تحقيق نجاحات باهرة، حتى شنت حملة لإيقاف المهرجان في 2007، وتوقف بعدها إلى غير رجعة. فيما كان مؤجلاً لعامين، ففي 2005 لم يقم لوفاة الملك فهد بن عبدالعزيز. وأوقف في العام التالي بسبب العدوان الإسرائيلي على لبنان. وجاءت هذه الحملة متزامنة مع تعيين أمير جديد لمنطقة عسير، وهو الأمير فيصل بن خالد، الذي قرر إيقاف المهرجان الغنائي. كما قرر أن يكون انطلاق مهرجان عسير (الغنائي كان جزءاً منه) من المسجد، بدلاً من مسرح «المفتاحة»، الذي كان تقام فيه حفلات المهرجان.

 

ولم يختلف مصير حفلات جدة عن مهرجان عسير، تماماً كما حدث سابقاً مع حفلات الرياض، التي كان أخر عهد المتابعين لها في 1988، بعد عقود من النجاحات والحضور اللافت أيضاً. ورأى الكاتب عبدالعزيز الوهيب أن «ملاحقة الحفلات الغنائية أحد الوجوه المعبرة عن الأزمات الثقافية التي تواجه مجتمعنا السعودي»، لافتاً إلى أن هناك «تشدداً دينياً مبالغاً فيه، بوضع أية فعالية ثقافية مصحوبة بالموسيقى، في خانة «السوء»، وأنها تحرض على الفجور والفسق، فهناك تعميم في اللا وعي العام بأن الموسيقى مقترنة بالفعل السيئ».

 

ولفت الوهيب إلى أن «من يصادرون رأي الآخرين في أمر مختلف عليه وهو الموسيقى، تجدهم يقبلونها عندما يسافرون إلى الخارج، ويتعاملون معها بكل أريحية، ولكن في الشأن المحلي فإن رغبتهم في تضييق الخناق يدفع الراغبين في الموسيقى، وبقية الفنون الأخرى، إلى شد الرحال إلى دول أخرى».

 

وعما إذا كان وجود الموسيقى من عدمه «عائقاً»، قال: «ليس عائقاً، لكنه يستحق الدراسة بوصفه أعمق من الخلاف السطحي. إذ إن القصد هو أن تسود وجهة نظر ثقافية واحدة، وفي حال لم يحدث ذلك، فيجب الإلغاء من خلال استعداء السلطة على الأطراف الأخرى، وهنا تكمن أزمة تفوق أزمة الموسيقى إن وجدت أم لم توجد، بل هي أزمة استيعاب الخلافات الثقافية والدينية، وغيرها».

 

وأدت محاصرة مظاهر الفرح العامة، إلى غياب عدد من مظاهر الفنون التي تصاحبه وتزدهر بسببه، لذلك نشأ عددٌ من الفرق الترفيهية التي تقدم عروضاً بسيطة مرتجلة، لتحل بدلاً من العروض المسرحية والموسيقية الاحترافية. وتقوم هذه الفرق بتقديم الإنشاد مصحوباً بالمهرجين، إضافة إلى تقديم مسابقات ومجموعة من الفعاليات الحركية للجمهور. وسرعان ما تكيف وتعايش الجمهور مع هذه الفرق، إلا أنها هي الأخرى تعاني من تفسير السلوك الثقافي الذي يقدم في محتواها.

 

وذكر وائل مكاوي، الذي كان يدير فرقاً ترفيهية، أنه خاض مفارقات مختلفة خلال تجربته القصيرة. وقال: «إن الفعالية التي تقدم في جدة أو الخبر والطائف مثلا، لا تصلح أن تقدم لاحقاً في مدن أخرى، والعيب ليس في الفرق ولكن في تقبل الجمهور. فمثلاً هناك مواقع تقبل وضع إيقاعات كخليفة، مع وجود فتيات دون سن التكليف (أقل من 9 أعوام) يقدمن بعض الفقرات. فيما يواجه هذا القبول من طرف آخر رفضاً تاماً من آخر، بل يتحول تقديم هذا النوع من العروض إلى سبب لتشويه السمعة في المهرجان والمخيمات الأخرى».

 

ولفت مكاوي إلى أن هناك «تفاوتاً في التقبّل الاجتماعي، والذي يمتهن هذا المسلك المربح، يدرك أن غياب أية خطوة رسمية للتواصل مع الجمهور بشرائحه كافة، لن يغير الحال في إقصاء طرف لآخر، فحتى الآن لم نصل إلى مرحلة القول بوجود سياحة بمفهومها الحقيقي»، رافضاً أن يكون ما يجري «صراع تيارات». وقال: «إن جزءاً منه كذلك، وهذا نلمسه كعاملين في هذا المجال على مستوى القيادات الكبرى لتلك المحاضن. ولكن الأمر تحول لاحقاً إلى ثقافة شعبية، إذ أصبح الناس هم من يبادرون بمهاجمة الأنشطة وإيقافها، معتبرين ذلك جزءاً من الاحتساب، حتى وإن لم يكونوا متدينين».

 

وتواصلت «الحياة» مع المدير العام للهيئة العامة للسياحة والآثار في المنطقة الشرقية المهندس عبداللطيف البنيان، والذي بدوره ذكر أن التعليق على هذا الأمر ليس من اختصاص فرع الهيئة بل هو موكل إلى العلاقات العامة في الهيئة «بالرياض». وتم الاتصال بمدير الإعلام السياحي سعود المقبل، إلا أن «الحياة» لم تتلق أي رد منه.

 

 

العفالق: السياحة تنشّط الاقتصاد… وربطها بـ «الفساد» غريب!

 

< أكد المعنيون بإدارة السياحة بشكل مباشر، وفي أكثر من محفل، أن «السياحة بحاجة لصناعة»، رافضين ربط ذلك عضوياً بالتخلي عن العادات والتقاليد. وهذا ما أشار له الرئيس التنفيذي لشركة الأحساء للسياحة رئيس اللجنة الوطنية للسياحة في مجلس الغرف السعودية عبداللطيف العفالق، الذي قال: «صناعة السياحة ستغير شكل البلد وستوفر ملايين الفرص الوظيفية المباشرة وغير المباشرة، في مجال الفنون والإبداع والمهن والحرف. فصناعة السياحة مرتبطة بتغير شامل لشكل ومحتوى البلد».

 

وأضاف العفالق: «إن القرى ستنشط، كما ستنشط المناطق الجبلية والزراعية. وسيبرز حراك اجتماعي واقتصادي واستدامة للتنمية»، منوهاً إلى أنه «من الغريب أن يكون الربط الوثيق بين السياحة وإيجاد بيئة تعزز الفساد وتحرض عليه، بسبب التخلي عن المبادئ والعادات والتقاليد التي تربينا عليها، فهذا بدوره يعزز نظرة انطباعية أن السائح بطبيعة الحال لا يبحث من خلال القيام بأية جولة سياحة إلا عن السلوكيات السيئة».

 

وشدد العفالق على أنه «من الخطأ الظن أن السياحة عبارة عن بناء فندق، أو تشييد مجمعات تجارية أو تسوية شاطئ، وكل ذلك يتم بشكل منفرد، بينما نجاح السياحة مرتبط بإيجاد منظومة وتوجه استراتيجي بعيد المدى، يتم فيها تطويع الإمكانات والأدوات كافة، من أجل صناعة السياحة والاستفادة مما ينتج منها من ثروة».

نبذة عن الكاتب

مقالات ذات صله