Al Masalla-News- Official Tourism Travel Portal News At Middle East

اللفة والعمامة والعصبة … (تيجان العرب).. بقلم الدكتور محمد فتحى راشد الحريرى

اللفة والعمامة والعصبة …  (تيجان العرب)

 

 

 

بقلم – الدكتور محمد فتحى راشد الحريرى


اللفة من الجذر الثلاثي (ل ف ف) وقال فيه ابن فارس: اللام والفاء أصل صحيح يدل على تلوي شيء على شيء. وكان الأجدر فيه أن يقول: "اللام والفاء المضعفة، يقال: لففت الشيء بالشيء لفا ولففت عمامتي على رأسي.

قلت: ومن هنا استعمل العرب لفظ "اللفة" للعمامة التي يلبسها مشائخ الدين على رؤوسهم، والواقع أنها، أي "اللفة" ذات إطلاق جذوري أعم وأشمل من قصرها على المتدينين !!!

  وفي حديثنا مزيد من البيان: يقال: جاء القوم ومن لف لفهم، أي من تأشب إليهم، كأنه التف بهم. قال الأعشى:
وقد ملأت قيس ومن لف لفها = = = نباكا فقوا فالرجا فالنواعصا
ويقال للعيي: ألف، كأن لسانه قد التف، أو في لسانه لفف.

والألفاف: الشجر يلتف بعضه ببعض. قال الله تعالى: ((وجنات ألفافا)) [سورة النبأ 16].

والألف: الذي تدانى فخذاه من سمنه، كأنهما التفتا، وهو اللفف. قلت أنا العبد الفقير الى الله تعالى: وهو في النساء نعت، وفي الرجال عيب قال الشاعر:
عراض القطا ملتفة ربلاتها = = = وما اللف أفخاذا بتاركة عقلا
وقوله تعالى: "والتفت الساق بالساق" سورة القيامة 29، قيل: إنه اتصال شدة الدنيا بشدة الآخرة والميت يلف في أكفانه: إذا أدرج فيها. واللفيف: حي من اليمن.
واللف الصنف من الناس من خيار أو شرار.

أو المجموعة والفريق بلغة اليوم، فيجوز أن نقول: اللف الغربي واللف الشرقي، أو لف الزمالك ولف الأهلي (حسب الاذواق المصرية) وفي حديث نابل: قال سافرت مع مولاي عثمان وعمر، رضي الله عنهما، في حج أو عمرة فكان عمر وعثمان وابن عمر، رضي الله عنهم، لفا، وكنت أنا وابن الزبير في شببة معنا لفا، فكنا نترامى بالحنظل فما يزيدنا عمر عن أن يقول كذاك لا تذعروا علينا، اللف: الحزب والطائفة من الالتفاف، وجمعه ألفاف، يقول: حسبكم لا تنفروا علينا إبلنا.


والتف الشيء: تجمع وتكاثف. قال الجوهري: لففت الشيء لفا ولففته، شدد للمبالغة، ولفه حقه أي منعه. وفلان لفيف فلان أي صديقه. ومكان ألف: ملتف، قال ساعدة بن جؤية:
ومقامهن، إذا حبسن بمأزم = = = ضيق ألف، وصدهن الأخشب
وفي حديث معاوية رضي الله عنه- أنه مازح الأحنف بن قيس فما رؤي مازحان أوقر منهما، قال له: يا أحنف ما الشيء الملفف في البجاد؟ فقال: هو السخينة يا أمير المؤمنين. ذهب معاوية رضي الله عنه- إلى قول أبي المهوش، والأحنف إلى السخينة التي كانت تعيرها قريش، وهي شيء يعمل من دقيق وسمن، لأنهم كانوا يولعون بها حتى جرت مجرى النبز لهم، وهي دون العصيدة في الرقة وفوق الحساء، وكانوا يأكلونها في شدة الدهر وغلاء السعر وعجف المال، قال كعب بن مالك رضي الله عنه:
زعمت سخينة أن ستغلب ربها = = = وليغلبن مغالب الغلاب
وقال شاعر آخر:
يا شدة ما شددنا غير كاذبة = = = على سخينة لولا الليل والحرم
والاشارة الى قول الشاعر:
إذا ما مات ميت من تميم، = = = وسرك أن يعيش، فجئ بزاد
بخبز أو بسمن أو بتمر، = = = أو الشيء الملفف في البجاد
قال ابن بري: يقال إن هذين البيتين لأبي المهوس الأسدي، ويقال إنهما ليزيد بن عمرو بن الصعق، قال: وهو الصحيح، قال: وقال أوس بن غلفاء يرد على ابن الصعق:
فإنك، في هجاء بني تميم، = = = كمزداد الغرام إلى الغرام
  وهم تركوك أسلح من حبارى = = = رأت صقرا، وأشرد من نعام
والعمامة: (بكسر العين في أولها، لا بفتحها) من لباس الرأس معروفة، وربما كني بها عن البيضة أو المغفر، والجمع عمائم (بضم العين) وعمام، الأخيرة عن اللحياني، قال: والعرب تقول: "لما وضعوا عمامهم عرفناهم"، فإما أن يكون جمع عمامة جمع التكسير، وإما أن يكون من باب طلحة وطلح، وقد اعتم بها وتعمم بمعنى واحد، وقوله أنشده ثعلب:
إذا كشف اليوم العماس عن استه، = = = فلا يرتدي مثلي ولا يتعمم
قيل: معناه ألبس ثياب الحرب ولا أتجمل، وقيل: معناه ليس يرتدي أحد بالسيف كارتدائي ولا يعتم بالبيضة كاعتمامي (كطريقة لبسي للعمامة) ..


والعمامة طربوش يلف حوله قماش أبيض بطرق متعددة، صارت عموما تميل الى البساطة والتقليل من اللفات لدى أهل السنة والجماعة او استبدالها بالكوفية

وعممته ألبسته العمامة، وهو حسن العمة أي التعمم، قال ذو الرمة: "واعتم بالزبد الجعد الخراطيم" وأرخى عمامته: أمن وترفه لأن الرجل إنما يرخي عمامته عند الرخاء، وأنشد ثعلب: ألقى عصاه وأرخى من عمامته وقال: ضيف، فقلت: الشيب؟ قال: أجل قال: أراد وقلت الشيب هذا الذي حل.


وعمم الرجل: سود لأن تيجان العرب العمائم، فكلما قيل في العجم توج من التاج قيل في العرب عمم من العمامة، قال العجاج: وفيهم إذ عمم المعمم

والعرب تقول للرجل إذا سود (أي صيروه سيدا): قد عمم، وكانوا إذا سودوا رجلا عمموه عمامة حمراء في طقوس خاصة، ومنه قول الشاعر ابن الأعرابي:
  رأيتك هريت العمامة بعدما = = = رأيتك دهرا فاصعا لا تعصب
فاصعا: أي حاسر الرأس، ولا تتعصب، تفسيرها، أي لا تلبس العصبة على رأسك، والعصبة من أسماء العمامة، ولا يزال المواطنون في دولة الامارات وعمان وكثير من مناطق الخليج العربي يطلقون على العمامة اسم "العصبة"، وهي غطاء الرأس يلفونه على رؤوسهم بطريقة خاصة، ورأيت التلاميذ يطلب أحدهم من الآخر أن يساعده بالتعمم قائلا: عصبني.

ومن العادات العربية التي تؤكد أن العمائم تيجانهم فلا يتخلون عنها، أنهم اذا رأوا أحدهم حاسر الرأس (مفصعا) امتعظوا من مظهره وسألوه عن السر في ذلك المنظر غير المألوف.


  وفي حوران والبادية يقال لحاسر الرأس: "كفى الله شرك"
إذ لا يخلع أحدهم عمامته ولا العقال إلا في حالات خاصة، كأن يقسم الرجل ألا يلبس عمامته الا إذا أخذ بثأره، أو غسل العار أو ………… الخ. وكانت من أقسى العقوبات التي توقع على المجرمين إبان الخلافة العثمانية العلية أن يؤتى بالمتهم حافي القدمين حاسر الرأس أي مفصع كما أسلفنا، بشكل مذل ومهين. وينسب للحجاج حين دخل العراق خطبة عصماء يقول فيها: أنا ابن جلى وطلاع الثنايا === متى أضع العمامة تعرفوني!

واللفة والعصبة والعمامة في المجتمعات العربية والاسلامية ذات اشكال متعددة تعبر عن مكانة اجتماعية ومنزلة دينية معينة، فلدى الشيعة يختلف لون العمامة بحسب الرتبة الدينية، والعصبة النسائية في بلاد حوران وفلسطين والبادية لها دلالات حسب الوضع العائلي للسيدة او الفتاة، وعند طائفة الموحدين الدروز للعمامة دلالات ومعان يعرفها أرباب الشعائر الدرزية الخاصة، وللمرأة الدرزية عمامتها الخاصة، وكذلك لدى النصارى العرب المسيحيين فإن العمامة تعبر عن رتبة لابسها في سلك الكهنوت "الاكليروس" وهناك اختلاف عمائمي ملحوظ حسب المنطقة الجغرافية فالعمامة العمانية تختلف عن الاماراتية.

  واليمنية والصومالية، وعمامة الحوراني تختلف عن عمامة الحجازي أو التركي أو المصري الصعيدي وعند النساء تختلف عصبة السيدة الحورانية عن عمامة السيدة الكردية و … هكذا.


وكانت تمتاز عمائم الخلفاء العثمانيين بالطول الزائد، وهنا أكتب للقارئ الكريم سرا قد لا يعرفه، وقد يسمع به لأول مرة، وهو أن عمامة القادة والخلفاء العثمانيين هي الكفن نفسه، فخلفاؤهم مستعدون للموت جهادا في سبيل الله، وهم يحملون أكفانهم على رؤوسهم، فشتان بين عمائم وعمائم!

وتبقى اللفة الأزهرية أو تلك التي لبسها خريجو الجمعية الغراء بدمشق راسخة في وجدان كل مسلم، فاذا ما رأى أحدنا صاحب عمامة امتلأ قلبه تقديرا واحتراما لصاحبها وسارع الى تقديم أي خدمة أو سلوك يعبر عن احترامه لصاحب العمامة، ولا زلت أذكر موقفا لأخي وصديقي الدكتور عبدالرحمن الغبرة بدمشق في عام 1983 م، زرته بصحبة سيدي الوالد رحمه الله، لإجراء فحص القلب والاطمئنان عن صحته عموما، ولما أراد الوالد خلع الجبة والعمامة سارع الطبيب الى مساعدته، وتناول العمامة بكلتا يديه وقبلها باجلال وتقدير كبيرين ثم وضعها على طاولته الخاصة، مما أدخل البهجة إلى نفس المرحوم الوالد ومبادلته الطبيب احتراما باحترام، وكان ذلك مفتاحا لجلسة أدبية رائعة ونافعة !!!

وكنت مرة ذاهبا من منطقة باب مصلى بدمشق الى ساحة العباسيين – خلال خدمتي بالقوات المسلحة – وإذ بشيخ معمم يركض محاولا اللحاق بسيارات الاجرة ولا يفلح (وهي سيارات تمتاز برخص الاجرة) فأسرعت الى استئجار سيارة خاصة ودعوته اليها، فلبى طلبي شاكرا، وسألني عن سبب إكرامه دون سابق معرفة؟ فقلت له: لأن والدي يلبس مثل هذه العمامة يا مولاي،،، إنها عمامة الرمز التي تعني لنا – نحن المسلمين – الشيء الكثير، وكم تعاملت بأدب جم وتقدير كبير، مع رجال الدين النصارى من جيراننا الحورانيين في خبب وتبنا وبصير ونامر وغيرها من القرى التي يتساكن بها النصارى والمسلمون للسبب نفسه! وكم كنت أتلقى منهم الدعوات الكريمة والدعاء لله تعالى بالحفظ والتوفيق.

فالشماس والخوري والكاهن أو القسيس أو البطرك والبطريرك وغيرهم من أصحاب الالقاب النصرانية الكريمة يتعممون بعمائم خاصة ولباس خاص بكل واحد منهم، وكل حامل لهذه الدرجات إنما يسعى كسفير عن السيد المسيح عليه السلام لأجل خدمة المصالحة مع الله عز وجل وعبادته تعالى بالطريقة الصحيحة، حسب تعاليم الكنيسة …

.ومن الادب أن نحترمهم لتحقيق التعايش والتسامح الديني.

 

      ومن قصص العمائم: لما استخلف عمر بن عبد العزيز وفد إليه الشعراء فمكثوا ببابه أياما لا يؤذن لهم ولا يلتفت إليهم، فساءهم ذلك وهموا بالرجوع إلى بلادهم، فمر بهم رجاء بن حيوة فقال له جرير:

يا أيها الرجل المرخي عمامته = = = هذا زمانك فاستأذن لنا عمرا

فدخل ولم يذكر لعمر من أمرهم شيئا، فمر بهم عدي بن أرطاة، فقال له جرير منشدا:

يا أيها الراكب المرخي مطيته = = = هذا زمانك إني قد مضى زمني

أبلغ خلفيتنا إن كنت لاقيه = = = أني لدى الباب كالمصفود في قرن

لا تنس حاجتنا لاقيت مغفرة = = = قد طال مكثي عن أهلي وعن وطني


فدخل عدي على عمر بن عبد العزيز فقال: يا أمير المؤمنين الشعراء ببابك وسهامهم مسمومة وأقوالهم نافذة، فقال: ويحك يا عدي مالي وللشعراء، فقال: يا أمير المؤمنين إن رسول الله قد كان يسمع الشعر ويجزي عليه، وقد أنشده العباس بن مرداس مدحه فأعطاه حلة ، فقال له عمر: أتروي منها شيئا؟ قال: نعم! فأنشده: رأيتك يا خير البرية كلها = = = نشرت كتابا جاء بالحق معلما …. الخ القصة.

ومنها أن الاديب المصري عبد العزيزالبشري (1886 – 1943) حدث عن امرأة رأته يلبس قفطانا وعمامة فطلبت ان يقرأ لها رسالتها فاعتذر أنه أمي، فقالت: أمي وتلبس العمة والجبة؟ فخلع العمة وألبسها اياها قائلا: هاقد لبست العمة فاقرأي !!!

 

 

 

نبذة عن الكاتب

مقالات ذات صله