كساد السياحة في كردستان العراق وسط استمرار الحرب ضد «داعش»
ما لا يقل عن 72 فندقا أغلقت أبوابها خلال الستة أشهر الماضية
بغداد …. لا تزال اللافتات تقول «مرحبا بكم في أربيل عاصمة السياحة العربية لعام 2014» لكن غالبية الزوار الذين استقبلهم إقليم كردستان شمال العراق، العام الماضي كانوا فارين من هجمات المتطرفين.
كان من المفترض أن يشكل عام 2014 انطلاقة للسياحة في هذا الإقليم المستقر أمنيا لكن تبددت هذه الآمال بين عشية وضحاها إثر غرق العراق في الفوضى بعد هجوم تنظيم داعش الذي استولى خلاله على مساحات شاسعة في شمال وغرب البلاد.
وقال هيرش أحمد مدير جمعية المطاعم والفنادق في الإقليم: «لا أستطيع حتى التحدث عن حجم التراجع في الأعداد».
وكان نمو قطاع السياحة قد بلغ مليار دولار في عام 2013، لكن ذلك توقف عندما تمكن مقاتلو التنظيم من احتلال أجزاء كبيرة في غرب العراق وشماله ووصولهم إلى مشارف محافظة أربيل. وأدى ذلك إلى توقف تنفيذ خطط ومشاريع مثل إنشاء حديقة حيوان وإعادة تأهيل قلعة أربيل المدرجة على قائمة منظمة التراث العالمي (اليونيسكو) بالإضافة إلى مشاريع طموحة أخرى.
وقال أحمد، في تصريحات لوكالة الصحافة الفرنسية في تحقيق لها من أربيل: «بدلا من حصولنا على السياح، استقبلنا نازحين»، في إشارة إلى 900 ألف نازح فروا من مناطق النزاع وتوجهوا إلى أربيل.
ودفع تقدم المتطرفين إلى حشد قوات البيشمركة الكردية على خطوط المواجهة مع «داعش»، كما انقطعت المواصلات مع باقي مناطق العراق عن إقليم كردستان الذي يضم 3 محافظات، وتضررت صورته السياحية بعد أن كان بعيدا عن أعمال العنف التي مزقت البلاد.
وقال أحمد: «بعد العاشر من يونيو (حزيران)، لا يمكن أن تقول كنا عاصمة السياحة العربية لعام 2014، السياحة قد أبيدت». ولم يمثل العراق وجهة واضحة للسياحة في العقود الأخيرة، ولكن إقليم كردستان كان المكان الذي يقصده العراقيون وعرب آخرون لقضاء عطلة طويلة، كما يعد نقطة انطلاق للسياح الأجانب الباحثين عن المغامرة.
كما يعد الإقليم الذي يسعى لبناء دولة مميزة، الموقع الذي يحظى بأكبر اهتمام من المستثمرين في وقت كان باقي العراق يغرق في مشكلات سياسية وطائفية ويعاني من الفساد المالي.
وتمتاز كردستان بشلالاتها الرائعة وجبالها المغطاة بالثلج والمواقع الأثرية والجولات الثقافية فضلا عن سياسية عدم الحاجة لطلب تأشيرة دخول لمعظم الغربيين، مما جعله عامل جذب واسعا للزوار. وقال رئيس مجلس السياحة نادر روستي: «كل شيء كان جاهزا، لقد صرفنا الكثير من أجل الترحيب بهم»، مشيرا إلى أنه «ليس هناك أرقام موثقة لإعداد الزوار» في العام الماضي.
ووصل عدد السياح الذين دخلوا كردستان خلال عام 2013 إلى 3 ملايين زائر وكان من المتوقع أن يصل العدد إلى 4 ملايين خلال عام 2014. وكان هذا الإقليم المنتج للنفط يأمل أن يجعل السياحة الركن الثاني الذي يعتمد عليه اقتصاده خصوصا بعد انخفاض أسعار النفط بشكل كبير، مع ارتفاع كلفة الإنفاق العسكري.
من جانبه، قال أحمد إن ما لا يقل عن 72 فندقا أغلقت أبوابها خلال الستة أشهر الماضية، فيما أبقت فنادق أخرى على مطاعمها فقط. وأثر غياب السياح على اقتصاد آلاف الناس الذين يعملون في الفنادق، والمطاعم وحتى سائقي سيارات الأجرة.
بدوره، يقول محمد عزيز وهو يجلس أمام متجره لبيع الهدايا التذكارية عند سفح قلعة أربيل إنه سوف يضطر إلى الإغلاق إذا لم يتحسن الوضع قريبا.
وقال هذا الشاب البالغ 22 عاما من العمر «كنت أجني نحو 4 ملايين دينار شهريا (3000 دولار)، لكن الآن لم أتمكن من جني سوى مليونين خلال الأشهر الأربعة الأخيرة»، مشيرا إلى أن إيجار متجره الشهري يبلغ 500 ألف دينار.
وقال عزيز لـ الشرق الاوسط وهو يهز برأسه ويمسك بزوج من «الكلاش» وهو حذاء تقليدي كردي مصنوع يدويا، من القطن الأبيض والذي أصبح رائجا بين السياح الأجانب، «كانوا يأتون لاقتناء هذه الأشياء، وزبائني من الغربيين القليلين الذين يسكنون أربيل، تعلموا طريقة التعامل قبل الشراء».
بدوره، قال بختيار صادق أحمد الذي يدير شركة سياحة خاصة في أربيل، ومتخصص في جولات تركز على تاريخ المنطقة: «كل شيء كان يسير بشكل جيد، الأعمال كانت مزدهرة، وكنت أتوقع أن تصل 8 مجاميع خلال عام 2014، بعد أن كان لدي الوقت، قبل الأزمة، لا يغطي سوى مجموعتين فقط». وتتضمن الجولات التي تقوم بها شركة أحمد، مواقع ما وراء حدود كردستان الرسمية، وكانت تحظى بشعبية لدى المتقاعدين في سن مبكرة القادمين من دول أوروبا، الساعين للهروب من السياحة الجماعية واكتشاف ثقافات جديدة. وأضاف «كنت قد أعددت جولات تبحث عن وجود الأرمن في المنطقة والتراث اليهودي، والتاريخ الآشوري ومدينة لاليش التي تضم مرقد الإيزيدية على سبيل المثال». وأكد أن «هناك الكثير يمكن القيام به، لأنه يوجد 700 موقع أثري في محافظة أربيل فقط». وعلى الرغم من أن زيارة كردستان بقيت آمنة طوال فترة الأزمة، الآن وكلاء السفر وشركات التأمين الخاصة تشعر بقلق متواصل حول سير العمل.
وأضاف أحمد «الآن أحتاج الذهاب إلى أوروبا من أجل التسويق لعملي بشكل صحيح وطمأنتهم، وأنا مستعد لدفع تكاليف رحلتهم من أجل القدوم إلى هنا»..