يوميات وزارة السياحة ج 5 الأخير
الكاتبة: بثينة حمدان
هل "الغارديان" فلسطينية أكثر منا!
لا يتعلق الأمر بالوزارة فقط بل بكل مؤسسة وموقع إلكتروني يمنح لنفسه الحق بالتعريف عن المدن الفلسطينية وتاريخها العريق، ومن المستغرب جداً أن مواقع إلكترونية لبلديات تعتمد أيضاً على مراجع ومؤرخين يهود، ودون أن أذكر أسماءها؛ فقد نقلت إحداها معلوماتها عن "يوسيفيوس" المؤرخ الذي أوضحت أنه يهودي وقاد التمرد اليهودي ضد الدولة الرومانية ولا يثق المؤرخين بتأريخه للحقبة الرومانية في فلسطين… وبلديات أخرى تذكر اسم "السامرة" عاصمة لمملكة الشمال (أي اسرائيل)… السؤال؛ رغم أن التاريخ يتحدث عن وجود اليهود في فلسطين لفترة مؤقتة لا تذكر أمام الحضارات التي مرت علينا، لماذا علينا أن نأتي على ذكر هذه الفترة في مطبوعاتنا ومواقعنا، أو تتأثر نصوصنا التي تتناول المدن الفلسطينية بتسمياتهم؟ لماذا لا نتأثر بحضارات أكثر عراقة وأعمق زمناً؟ هذا رغم احترامنا كمسلمين ومسيحيين للديانة اليهودية، والتي لا خلاف معها، إلا أن اسرائيل تعمل على إقامة دولتها اليهودية على أنقاضنا بل ويقوم الاسرائيليون بمحو وجودنا وتزوير التاريخ وسرقة الآثار وابتداع روايتهم الخاصة؟
لماذا نكون قديسين مع من لا يستحقون؟ أعتقد أن اسرائيل لو أخذت صورة عن نصوصنا هذه فيمكنها أن تصل مع السياح الذين تشرح لهم تاريخ "اسرائيل!" إلى نتيجة مفادها: "كنا هنا باعترافهم أيضاً". بل وتكتب وزارة السياحة الاسرائيلية على سبيل المثال على موقعها الإلكتروني: "مغارة ماكفيلة في الخليل هي إحدى الأماكن المقدسة والموجودة على أرض اسرائيل". –المغارة التي عاش ومات فيها سيدنا ابراهيم عليه السلام وعائلته-.
وإذا كانت صحيفة الغارديان البريطانية رفضت نشر إعلان مدفوع الأجر لوزارة السياحة الاسرائيلية لاستخدام ما ورد فيه من مصطلحات مثل: "غولان، السامرة، يهودا" وهي مصطلحات قالت الصحيفة أنها غير مقبولة لدى المجتمع الدولي، بل ورفضت نشر خريطة اسرائيل لا تظهر فيها حدود عام 1967 في منطقة هضبة الجولان والضفة الغربية المحتلة، واعتبرت الصحيفة الإعلان "تضليلي"؟
وزارة السياحة أرجوك نريد رواية واحدة موحدة تعمم على الشركات والسفارات والبلديات.. وأطلب من الجميع أن يدع تلك الفترة المؤقتة لليهود لكتب التاريخ وتفاصيلها.
فوضى الآثار
تجدها في بيوت المواطنين، متناثرة هنا وهناك، وفي مراكز الشرطة مقبوض عليها، ومزورة لدى المتاحف الاسرائيلية… هذه ليست فزورة، بل هي حكاية القطع الأثرية الفلسطينية، والتي تعيش حالة من الفوضى: أولاً: هناك مواقع أثرية عبارة عن كومة من الأحجار غير المفهومة وغير المرممة والتي لا تصلح لالتقاط صورة وقامت الوزارة بطباعة مطويات تشرح تاريخ هذا الموقع، بينما لم تحظ مواقع أخرى قد تكون أكثر أهمية وجمالاً لا بترميم ولا بمطوية. ثانياً: تعرضت مواقع أثرية للهدم في سكون الليل من قبل مواطنين استغلوا ضعف القانون الذي لا يردع وغياب الرقابة، فجرفوا المكان وهكذا يصبح أمراً واقعاً لا تستطيع الوزارة أو الأجهزة الأمنية فعلَ شيء إزاءه، وبعض هذه المواقع تقع في مناطق (أ) وفي أوساط المدن ويمكن حمايتها.
ثالثاً: لا شك أن العائق الأكبر في حماية الآثار هو الاحتلال، إضافة إلى شح الامكانات في ترميم وحماية أكثر من 7000 موقعاً أثرياً في فلسطين حسب بيانات الوزارة. عدا عن ذلك ومثلما يحدث في سبسطية تمنع الوزارة البناء لوجود مواقع أثرية دون أن يلزم كل مواطن يرغب بشراء أرض أن يحصل على شهادة خلو من الآثار قبل أن يفاجئ بالمنع؟ وتبقى الأرض بلا استخدام ولا تتحول إلى موقع أثري أو أية حلول أخرى!
فلسطين بلا متاحف!
قبل قيام السلطة عام 1994 أظهرت الدراسات ضعف المتاحف في فلسطين لذا تأسست دائرة المتاحف في الوزارة، ولجنة وطنية للمتاحف كفرع للمنظمة الدولية للمتاحف (الأيكوم) ووضعت خطة تطويرية عام 2008، ومع ذلك فليس لدينا في فلسطين اليوم متاحف وطنية، وما لدينا هو مجموعات متحفية متناثرة هنا وهناك تفتقر للامكانات والكفاءات، بل إن ما فيها من تحف غير موثق وغير مسجل.
وزارة الآثار بلا سجل وطني للآثار!
إن عدم وجود متاحف حتى اليوم يعني توفير غطاء لعمل لصوص الآثار، فالمتاحف تتضمن تقنيات لحماية محتوياتها عدا عن أن كل قطعة فيها يجب أن تكون مسجلة، ويمكن المطالبة بها إذا ما تعرضت للسرقة. بل إن الوزارة وعلى لسان وكيلها السابق د. حمدان طه أعلنت أن هناك سنوياً سرقات لـ 100 ألف قطعة أثرية وأنها تهرب إلى اسرائيل؟ فكيف حددت الوزارة هذا العدد الضخم ونحن لا نملك متاحف ولا نوثق موجودات المتاحف ولا سجلاً وطنياً لهذه القطع، التي تعرض اسرائيل جزءً منها في متاحفها مزورة التاريخ. كما أن الوزارة خالية من مخازن عامة للقى الأثرية –كما هو موضح في استراتيجتها الحالية- فأين تذهب لقى المكتشفات الأثرية والتنقيبات التي تجري منذ سنوات؟
علماً أن خبراء الآثار يؤكدون صعوبة توثيق عدد الآثار المسروقة في فلسطين ويقدرونها بالآلاف وعشرات الآلاف لأن جزء كبير منها غير معروض بالمتاحف الاسرائيلية، بل وينتقدون آداء الوزارة التي لا تبذل جهداً في المطالبة بالآثار المسروقة. وهنا لابد من الاستفادة من التجربة المصرية في المطالبة بمسروقاتها من الآثار والتي اضطرت كثيراً لشرائها من المتاحف العالمية لإستعادتها، عدا عن المؤتمر السنوي للآثار المسروقة الذي تنظمه مصر وتطرح خلاله أفكاراً عديدة لحماية الآثار وطرق المطالبة بها لا سيما انشاء سجل إلكتروني للآثار.
إن قطاع الآثار في الوزارة مثل بقية الوزارات يعاني من بقاء المسؤول على كرسيه مدى الحياة، دون تطبيق نظام التدوير الوظيفي والذي من شأنه الحد من المحسوبية والشللية والفساد، فكيف تضمن الوزارة الشفافية في بيئة خصبة بالفساد إذا كانت بلا تدوير وبلا سجل وطني للآثار ولا مخازن للقى الأثرية؟
باعتراف الوزارة
جاء في استراتيجية الوزارة لعام 2014- 2016 أن التنقيبات التي يقوم بها فريق الوزارة سواء وحده أو بالتعاون مع شركاء دوليين تعيقها العديد من المشاكل أبرزها: أن عمليات التنقيب هي عمليات تدمير منظم للمواقع الأثرية إضافة إلى ضعف كادر قطاع الآثار! (لا تحتمل فلسطين مزيداً من الدمار المنظم!).
تهريب تذاكر السفر
مع قيام السلطة الفلسطينية حصلت فلسطين على الكود الدولي للطيران ورقمه (25) من اتحاد النقل الجوي الدولي IATA والذي يعد انجازاً لأنه عبارة عن تمثيل واعتراف دولي بفلسطين في الاتحاد، بينما كنا سابقاً نتعامل بالكود الأردني (40) والاسرائيلي (37). وحالياً وبدلاً من المحافظة على هذا الكود ضمن سياسة بناء مؤسساتنا على أسس صحيحة وقوية، ولأن هدفنا المستقبلي أن يكون لدينا مطار دولي، إلا ان العديد من الشركات الفلسطينية تقوم ببيع التذاكر عبر الكودين الاسرائيلي والأردني الأمر الذي يزيد الامتيازات ونسبة الخصم على التذاكر لهذه الدول. إن عدم استخدام الكود الفلسطيني هو بمثابة تهريب منتج يتمثل بتذاكر الطيران وبيعه دون دفع ضريبته للسلطة، عدا عن أن التذاكر أيضاً يجب أن تكون مشمولة بحملة مقاطعة البضائع الاسرائيلية، والمواطن الفلسطيني لا يعرف بأمر هذا الكود الذي قد يظهر على كعب التذكرة ويمكن التأكد بالاستفسار لدى وكيل شركة الطيران. ومن الآن فصاعداً يتحمل المواطن مسؤولية التأكد من أنه ابتاع تذكرة عبر الكود الفلسطيني 25.
والأمر يتطلب سياسة من وزارتي السياحة والمواصلات لالزام الشركات باستخدام الكود الفلسطيني وبالتالي الحفاظ على اسم فلسطين في التعاملات الدولية في قطاع الطيران مما يمكنها من الحصول على حقوقها وامتيازاتها التي تزيد كلما زادت نسبة التذاكر المباعة عبر فلسطين، وتأخذ السلطة حصتها من ضريبة هذه التذاكر، عدا عن التقليل من الاحتكار بين هذه الشركات التي يأكل فيها الوكلاء والشركات الكبرى، الشركات الصغرى لعدم وجود سياسة تنظيمية تضمن مصالح الجميع.
المنتج السياحي
يندثر أمام عدم دعم المشاريع الصغيرة، فقانون تشجيع الاستثمار رغم ميزاته إلا أنه لا يشمل منح امتيازات لهذه المشاريع. كما أن المنتج السياحي الفلسطيني غير محمي ولا يستطيع منافسة البضائع الصينية، فما هي خطة الوزارة في دعم المنتج علماً أن دعه هو ضمن أهدافها الرئيس منذ مايزيد على عشرة سنوات على الأقل!
القانون البالي
رغم أن جوهر الصراع الفلسطيني- الاسرائيلي هو صراع تاريخي ثقافي تراثي بحت، إلا أن السلطة أهملت إقرار قانون يحمي التاريخ والآثار في فلسطين، علماً أن مسودة القانون جاهزة منذ سنوات لدى جامعة بيرزيت. إن القانون الحالي وهو على زمن الإدارة الأردنية لا يحمي الآثار ولا يشمل إلا التي أنشأها الانسان قبل سنة 1700 ميلادية وأن أي أثر بعد هذا التاريخ يكون تحت سلطة وقرار الوزير. القانون يتيح تداول المواطنين للآثار دون معرفة أهميتها ويسمح للمواطنين باتلافها وهدم العديد من المباني الأثرية دون محاسبة وبعقاب بسيط هو السجن لمدة ما بين شهرين إلى سنتين وغرامة قيمتها 20- 200 دينار فقط. قانون بائس لا يتيح للوزارة الاشراف والرقابة وترخيص المطاعم والمتنزهات السياحية، ولا الفنادق التابعة لمؤسسات دينية وجمعيات خيرية.
حالة من اللاسياحة.. في أرض السياحة
آمل أن تكون اليوميات أضاءت قطاع السياحة والآثار من حيث العمل والمكان التاريخي والرواية وأهمية الوزارة التي تأتي دائماً في ذيل قائمة التشكيل الحكومي بينما هي الأهم بين الوزارات من حيث قيمتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية بل والروحية. تعد السياحة من أكبر القطاعات المشغلة للأيدي العاملة وبالتالي التقليل من نسبة البطالة وزيادة الدخل، فهو قطاع يساهم في انعاش القطاعات الأخرى بلا استثناء. لذا مطلوب من الحكومة والسلطة كل الدعم والاسناد للوزارة.
إلى اللقاء وزارة السياحة..
في ختام اليوميات صرنا نعلم أن الوزارة لم تكن قادرة على تحمل مسؤولية مطبوعات تعبر عن فلسطين، ولا تزويدنا باحصاءات سليمة لأسباب خارجة عن إرادتها تتعلق بالاحتلال وعدم السيطرة على الحدود، وأخرى تتعلق ببذل جهود أكبر لتقليل نسبة الخطأ قدر الإمكان، وهي غير قادرة على إدارة ملف السياحة والآثار لخلل تقر به في استراتيجيتها ويتعلق بضعف الكادر وضرورة إعادة دراسة وتطوير هيكلية الوزارة. السياحة وهي نفط فلسطين بل هي نبضها، بحاجة إلى تنظيم سياستها الداخلية والخارجية ضمن الامكانات قبل أن تطالب بميزانيات أكبر –نؤمن أنها تستحقها-، والتركيز على تقوية الجبهة الداخلية في الوزارة، والسياحة الداخلية وصناعة السياحة عموماً، وربما من الضروري إعادة دراسة فكرة أهمية أن يدفع السائح ضريبة في هذا البلد النامي والفقير والواقع تحت الاحتلال، وإعادة الاعتبار ليوم السياحة الفلسطينية 15 تشرين الثاني والذي أقره عام 2004 مجلس وزراء السياحة العرب لأهمية فلسطين السياحية، وبقي في أدراج الحكومة.
المطلوب تفعيل مسارات السياحة في فلسطين سواء المسارات الدينية أو البيئية وغيرها ففي الأردن مثلاً هناك 14 مسار! وضرورة التنسيق مع القطاع الخاص، واستصدار قرار مجلس وزراء بخصوص تعامل البلديات مع المواقع الأثرية لضبط تهاونهم في هذا المجال. وحملات توعية بالآثار وكيفية المحافظة عليها. وانتاج منهاج للأدلاء السياحيين لتوحيد الرواية، وعمل شراكات مع الجامعات الفلسطينية لتدريسه فلا يقتصر على جامعة بيت لحم وجمعية الكتاب المقدس في بيت لحم.
المطلوب ابتكار شعار للسياحة بشكل سنوي، وعمل بث مباشر تلفزيوني عبر الانترنت لعدد من المواقع الأثرية تجعل السائح أكثر ثقة بالمناطق التي ينوي زيارتها، وإنتاج فيديوهات عن آراء السياح الذين جاؤوا، بهدف تجميل الصورة عن فلسطين وابعادها عن الصورة النطية المرتبطة بالارهاب والتي تروج لها اسرائيل، ومن المهم جداً أن تكون السياحة حاضرة عبر اعلانات في الصحف العالمية، والترويج بالشراكة مع الشركات السياحية الفلسطينية لتنظيم رحلات إلى القدس تحديداً والتي تراجعت السياحة الوافدة إليها منذ عام 2010، في الصحف والفضائيات العربية والاسلامية. ومن الضروري جداً متابعة إعلانات وزارة السياحة الاسرائيلية في الصحف العالمية.
ملاحظة: بعد أكثر من ثلاثة أشهر من العمل في ملفات وزارة السياحة… أسافر إلى الوزارة السادسة: يوميات وزارة العمل… قريباً.
*تتناول المقالات والتي تنشر كل ثلاثاء والمكتوبة في أربعة أجزاء عمل وزارة السياحة والآثار خلال الفترة مابين 2009-2013، بتحليل نحو 550 خبراً، والاطلاع على الاستراتيجية والهيكلية والاطلاع على المواقع الإلكترونية التابعة للوزارة وبعض الدراسات، و38 من مطبوعات وملصقات الوزارة وبعض التقارير الربعية والاحصائية التي وفرتها الوزارة مشكورة.