يوميات وزارة السياحة والآثار ج2
تتناول المقالات والتي تنشر كل ثلاثاء والمكتوبة في أربعة أجزاء عمل وزارة السياحة والآثار خلال الفترة مابين 2009-2013، بتحليل نحو 550 خبراً، والاطلاع على الاستراتيجية والهيكلية والمواقع الإلكترونية التابعة للوزارة وبعض الدراسات، و38 من مطبوعات وملصقات الوزارة وبعض التقارير الربعية والاحصائية التي وفرتها الوزارة مشكورة.
حين يزيح الزمن غباره:
هي رسالة حب، كوب ماء، بعض الأوراق والرسومات، جذع شجرة، حكاية، مكان ما… ما أن يزيح الزمن غباره عن كل هذا، حتى نرى الماضي معتقاً شهياً وأصيلاً، ذا قيمة وتاريخ ودلالات؛ مخطوطة أو قطعة أثرية أو معلماً لحضارة ما. إن ما أتحدث عنه في هذه الحلقة من اليوميات هي اصدارات وزارة السياحة والآثار؛ فكل ما يطبع عليه شعار دولة فلسطين هو وثيقة، وغداً يصبح مخطوطة ودليلاً تاريخياً، لذا يفترض أن يستند إلى باحثين وعلماء ومراجع تاريخية ودينية ونتائج الحفريات الأثرية. هذه جولة في مطبوعات وزعت بأخطائها في العديد من دول العالم، ومازالت متداولة بين أفراد المجتمع الفلسطيني والمؤسسات والمكتبات العامة.
المراجع التاريخية:
غاب تاريخ اصدار مطبوعات التاريخ عن وزارة التاريخ، وكأن الحفريات الأثرية هو مسار غير ضروري أخذه بالاعتبار وما يمكن اكتشافه لا يعدل أو يعزز مجرى الرواية، فهذه المنشورات بنظر الوزارة صالحة لكل مكان وزمان، بل هي وثيقة يمكن أن تبرزها اسرائيل استكمالاً لروايتها المختلقة عن المكان والزمان، وثيقة عصرية مختومة باسم السلطة الوطنية الفلسطينية!
ورغم أننا نعلم يقيناً حقيقة الرواية التوراتية التي تروج لها اسرائيل، ورغم أن العالم الغربي قبل الشرقي اكتشف أن الرواية التوراتية لا يمكن الاعتماد عليها كما أخبرني د. حامد سالم رئيس دائرة الآثار في جامعة بيرزيت إلا ان الوزارة تصر على اعتماد مراجع مثل: المؤرخ اليهودي يوسيفيوس أو جوسيفيوس، وسفر يشوع، والتوراة.. كما ذكرت بشكل مباشر في نصوص مطبوعاتها. فلماذا تتعب الوزارة بالبحث في المراجع اليهودية؟ لماذا لا تأخذ الرواية كاملة من اسرائيل؟ ولماذا تجهد موظفيها وتجلب خبراء الآثار من العالم إذا لم تكن نتائج تنقيباتهم -وهي أكبر برهان- موجودة في نصوصهم؟
وكانت نتيجة الاعتماد على هذه المراجع أن كتبت الوزارة في كتيب عن تل بلاطة والذي يوزع حتى يوم أمس في الموقع بأن في التل قطع سيراميك تعود لمدينة "سماريا عاصمة مملكة اسرائيل"…. (برافو وزارة السياحة فقد استخدمت الأسماء العبرية بمهارة فلماذا لا تقولين أيضاً يهودا والسامرة متناسية أن التل هو جزء من "شكيم" الكنعانية؟).
الطريق إلى فلسطين؟
في الوقت الذي توقفت فيه الرحلات الجوية إلى اسرائيل خلال الحرب الأخيرة على غزة، وفي الوقت الذي تصل فيه سفن الدعم إلى فلسطين عبر ميناء غزة وما تحمله من مخاطر، وفي الوقت الذي يرفض فيه العديد من الأجانب وجميع العرب الدخول إلا عبر جسر الملك حسين، والدخول من أريحا، فإن وزارة السياحة تطرح على السياح عبر منشوراتها وموقعها الإلكتروني خيار الوصول إلى فلسطين عبر مطار بن غوريون الاسرائيلي!
لغة النصوص.. بلا احتلال وأهلاً باسرائيل!
تفتقر المنشورات للغة الفلسطيني وروحه وقراءته لمسقط رأسه، فاللغة هي ترجمات تعتمد على معلومات الخبراء والممولين الأجانب المشاريع وحفريات الوزارة دون قراءة فلسطينية وطنية واعية.
الاحتلال في هذه المنشورات غائب غالباً، ومع ذلك فليس المطلوب إخافة السياح بل اعلامهم بالحقيقة ضمن سياق السرد التاريخي للمناطق الفلسطينية، ففي دليل المدن الفلسطينية ذكرت الوزارة الحقب التاريخية التي مرت على فلسطين بدءً من حقب ما قبل التاريخ كالكنعانية والفلستينية وغيرها وصولاً إلى المرحلة الحالية والتي كتب عنها: "1967-1994: اسرائيل؛ الاحتلال الكامل لفلسطين من قبل دولة اسرائيل"؛ فهل توقف الاحتلال عند اتفاقية أوسلو؟
لم يتوقف الاحتلال فقط بل أقحمت "دولة اسرائيل" بشكل غير منطقي في الدليل بنسختيه العربية والانجليزية، وكتب تحت عنوان (نابلس): "حافظت نابلس على أهميتها كمركز إقليمي بعد انتهاء العهد البيزنطي مروراً بالعهد المسيحي والاسلامي واليهودي والتعايش السلمي السومري الأخير وحتى تأسيس دولة اسرائيل" فهل تذكر اسرائيل في منشوراتها السياحية دولة فلسطين أو أي كلمة تشير للفلسطينيين، عدا عن أن الجملة تركيبتها عجيبة، وتخلط ما بين السامريين وهم أقدم أقلية دينية موجودة في العالم والسومريين وهم إحدى حضارات بلاد الرافدين.
تبجيل الأنبياء!
للأسف تغيب عن النصوص وعن الموقع الإلكتروني للوزارة الاحترام عند ذكر شخصيات دينية فـالأنبياء "ابراهيم واسحق ويعقوب" عليهم السلام هم شخصيات عادية، لا تذكر الوزارة كلمات مثل: "سيدنا" أو "النبي" أو "عليه السلام"، وأشارت أنهم جميعاً من "شخصيات العهد القديم" أي التوراة وهذا ترجمة عن النسخة الانجليزية، وفي كتيب عن الخليل قالتها الوزارة صراحة بأن سيدنا ابراهيم عليه السلام هو "الأب التوراتي" واستخدمت الاسم العبري له "أبراهام".. شكراً يا بلد الديانات السماوية، شكراً وزارة السياحة الفلسطينية.
طلاسم سياحية
الاصدارات مليئة بالجمل غير المفهومة ودون اي مراعاة لاختلاف المستويات الثقافية للسياح، فتكررت أسماء دون توضيح مثل في مطوية "تلول ابو العلايق" كتب: "وقد اتخذه الملك هيرودس منتجعاً شتوياً له ولأسرته، وذكر يوسيفيوس بأن مارك أنتوني قام بإهداء بلسم هذه البساتين والحدائق إلى كليوباترا ملكة مصر". فمن هو هيرودوس ويوسيفيوس ومارك أنتوني وما هو البلسم؟
وإذا قرر القارئ فك هذه الطلاسم سيعرف مثلاً أن الملك هيرودوس الذي في معظم المنشورات هو ملك اليهود خلال حقبة مؤقتة سبقها الكنعانيين العرب بآلاف السنين وغيرهم، وكأن تاريخنا يبدأ من هيرودوس فقيل: "زمن وعهد وعصر هيرودوس" وهو تهديد لثقة الفلسطيني خاصة الناشئين، ويؤكد للأجنبي أحقية اسرائيل بالأرض-وهذا جوهر الصراع-، هذا في الوقت الذي تروج فيه اسرائيل لـ"قلعة هيرودوس" في بيت لحم مثلاً على أنها موقع سياحي اسرائيلي!
ناهيك عن أن يوسيفيوس أو جوزيفيوس هو أحد المؤرخين اليهود الذي اعتمدت الوزارة مرجعاً، بينما تؤكد الأدبيات أنه قاد تمرد اليهود العسكري ضد الرومان في منطقة الجليل، ويشكك الباحثون في تأريخ يوسيفيوس للحقبة الرومانية التي كانت تحكم فلسطين والتمرد اليهودي عليها لتأسيس ما يسمى "مملكة اسرائيل".. شكراً لهذا الدعم الفلسطيني الرسمي!
وفي نص عن أريحا كتب: "أول مكان يكتشف فيه الفخار قبل حوالي 10000 عام قبل Mesopotamia ومصر". وهذه الكلمة الانجليزية المعترضة والتي تعني بلاد ما بين النهرين، يبدو أن المترجم تعب من ترجمتها، بل وتكررت في الصفحة الإلكترونية للوزارة.
منشورات جميلة
من بين الاصدارات قصتين للأطفال أنتجتهم الوزارة ضمن مشروع حماية التراث، بطباعة فاخرة ورسومات جميلة، وكتاب فخم باسم "Palestine Celebrating the Faithful" عام 2009 طبع على شرف زيارة البابا وكتب مقدمة الكتاب الرئيس ورئيس الوزراء والوزيرة د. خلود دعيبس، وبيع الكتاب بثمن باهظ، وتم إهداء مجموعة منه لبعض الشخصيات الهامة من رؤساء دول وسفراء وغيرهم، وقد ورد خطأً حين زجت صورة صياد يرمي شبكته في البحر ضمن الجزء الذي تحدث عن مدن المثلث الخصيب: جنين وقلقيلية وطولكرم، خطأ يجدر اصلاحه بإضافة ملصق داخل الكتاب يوضح ذلك، ولفتني من بين ما أرسلته الوزارة لي هذا الصيف أنها ضمت مجلتين من انتاج القطاع الخاص بالانجليزية والعربية، والتي تتميز بمحتواها من خرائط وأسماء مواقع وفنادق وتفاصيل الفعاليات الشهرية في البلد. أما الملصقات فتميزت بل وحاز ملصق (أريحا أقدم مدن العالم) على جائزة أفضل ملصق من منظمة الصحة العالمية 2011.
ولأن الوزارة هي وزارة الماضي والتراث أيضاً، فقد كنت حذرة في قراءتي وتنشيط ذاكرتي باحثة في المكتبات العامة عن بعض الكتب وفي الموسوعة الفلسطينية، والتي وجدت فيها ما هو أفضل بكثير مما أنتجته الوزارة.
لا يسعني في النهاية إلا أن أخرج عن مكاني ككاتبة لأهديكم أغنية جوليا بطرس: "نحنا الثورة والغضب، نحنا أمل الأجيال، من هون من عنا انكتب، تاريخ الأبطال..".
نقلا عن معا : بثينة حمدان