البورصة المصرية السوق الذي فقد تنافسيته فى خطر ويحتاج لإعادة نظر
بقلم : محمد رضا
الباحث الاقتصادى والمحلل المالى لاسواق المال
القاهرة – صالة التحرير – البورصة هي أحد أهم مصادر التمويل للمشروعات والتي تدعم توسعات الشركات من خلال الاستثمار وتعتبر في الدول المتقدمة اقتصاديا المرآة التي تعكس الأداء الاقتصادي للدولة لكل من الاقتصاد الكلي والجزئي، ولكن في مصر يتم التعامل مع البورصة على أنها سوق للمضاربات ليس أكثر ولاتخلق قيمة مضافة للاقتصاد فلا تجد البورصة الدعم سواء من الدولة أو من المستثمرين للوصول إلى الهدف الحقيقي منها فلا يوجد اقتصاد قوي بدون بورصة قوية فعالة توفر مقياس يومي لأداء الدولة الاقتصادي والسياسي.
فنجد أن البورصة المصرية تعاني من مشكلات هيكلية تحتاج إلى تطوير قانون سوق رأس المال رقم 95 لسنة 1992 المنظم لها ونجد أن قواعد القيد الحالية تمثل عائق جوهري لقيد الشركات بالبورصة بالمقارنة بالبورصات في المنطقة مرورا بطول زمن تسوية التعاملات وقواعد الشطب وقواعد الشراء الإجباري بالإضافة إلى المعوقات والقيود التي تواجه تحويلات العملات الأجنبية، في الوقت الذي عانت فيه البورصة المصرية بشكل حاد خلال الثلاثة سنوات السابقة وخرجت منهكه من ثورتين وأنحصر تواجد المستثمرين والمؤسسات الأجنبية فيها وحققت الغالبية العظمى من المستثمرين خسائر كبيرة وأنخفضت المؤشرات وأحجام التداولات بشكل حاد وتخارجت كبرى الشركات المقيدة من البورصة المصرية.
وفي بداية عام 2014 وخاصة في الربع الأول بدأ سوق الأوراق المالية المصرية في تحسس طريقه للخروج من الكبوه دعما من إرتفاع مؤشرات الثقة على المستوى المتوسط وبدلا من أن يتم وضع وتطوير الآليات التي تمكن من زيادة حجم السيولة وجذب الأستثمارات الاجنبية وزيادة قاعدة المستثمرين مثل تبسيط قواعد القيد لتشجيع الشركات للقيد في البورصة ،ووضع آليات أكثر منطقية لعمليات الشراء الإجباري والتحول لآلية التسوية اللحظية، تم فرض ضريبة الأرباح الرأسمالية وضريبة التوزيعات والذين تسببوا في مزيد من الأنخفاض لأحجام التداول وعدم إستقرار السوق ،وبدون دراسة مامدى العائد الذي ستحققه فرض هذه الضرائب مقارنة بالأضرار الذي ستسببها للبورصة المصرية بمزيد من الضغوط الطاردة للاستثمار من سوق الأوراق المالية،
لنصل في النهاية إلى إنخفاض أحجام التداولات اليومية بالبورصة المصرية بشكل حاد لأكثر من 50٪ لتبلغ متوسط 500 مليون جنيه مصري فقط يوميا.. لنتفاجأ لاحقا بتصريحات من رئيس مصلحة الضرائب بأن محافظ الأسهم المتنوعة والتي تضم أكثر من سهم لمستثمر شخصية اعتبارية تخضع لضريبة ال٪ 25 ليتحول المشهد إلي ضبابية وتضارب وعدم وضوح الرؤية تزامنا مع عدم صدور اللائحة التنفيذية لهذه الضرائب حتى الأن، بالرغم من صدور القانون وتطبيقه بالفعل منذ يونيو 2014 ليؤدي لتخارج معظم المستثمرين من السوق وخاصة المؤسسات الأجنبية..؟!
مع العلم بأنه وفقا لما هو معلن من شركة مصر للمقاصة بأن حصيلة فرض الضرائب على البورصة التي تم توريدها إلي وزارة المالية عن الفترة من مطلع يوليو الماضي وحتى نهاية شهر سبتمبر (الربع الأول من العام المالي) بلغت نحو 93 مليون جنيه مصري فقط! أي حققت 4٪ من توقعات وزارة المالية وهي حصيلة ضعيفة جدا مقارنة بالأضرار الكبيرة التي تكبدتها البورصة المصرية ، وبعيدة جدا عن التوقعات التي أعلنت بأن الحصيلة من فرض الضرائب ستتخطى 2.5 مليار جنيه مصري للربع المالي الأول بإجمالي 10 مليارات جنيه سنويا.
الأعتراض لاينصب هنا بشكل كبير على مبدأ فرض الضريبة ، ولكن الأعتراض وبشكل محدد على توقيت فرضها على سوق بالفعل في مرحلة كساد متأثرا بمجموعة من المشكلات الهيكلية وثلاثة سنوات من الاضطرابات السياسية ويحاول الخروج منها فكان الأولى الأنتظار وتطوير البورصة المصرية حتى يدخل السوق في مرحلة الأنتعاش لتحقيق عائد للدولة مضاعف عما ينتظر الآن،
بالإضافة إلى أن فرض ضريبة الأرباح الرأسمالية مع ضريبة توزيعات الأرباح وفي وقت واحد ثم الحديث الأن عن أعتبار محافظ الأسهم المتنوعة شخصية اعتبارية تخضع لضريبة ال 25٪ تضرب جاذبية سوق الأوراق المالية المصرية في مقتل ويؤثر بشكل سلبي على حركة الاستثمار بسوق المال ويخلق مزيد من العوامل الطاردة والغير جاذبة للاستثمار الأجنبي … حيث أنه بدراسة الاسواق الناشئة الكبري في العالم نجد انه باستثناء السوق الروسية فباقي الدول لا تفرض كلا الضريبتين مجتمعتين (ضريبة الارباح الراسمالية و ضريبة توزيعات الارباح) وكان من الافضل الا يتم فرض الضريبتين مجتمعتين او تخفيض المعدل الضريبي عند فرضهما مرة واحدة فما بالك بأعتبار محافظ الأسهم المتنوعة شخصية اعتبارية تخضع لضريبة ال٪ 25.
نحتاج لإعادة النظر للبورصة المصرية على أنها السوق الأهم لتمويل المشروعات والتي تدعم توسعات الشركات من خلال الاستثمار وأنه لاتوجد دولة لديها اقتصاد قوي بدون وجود بورصة قوية تكون بمثابة مؤشر يومي للأداء الاقتصادي للدولة، من خلال إعادة النظر في التوجه الضريبي لتعاملات المستثمرين في البورصة والإلتزام بمبدأ وضوح الرؤية وعدم التضارب والإستقرار والثبات وأختيار التوقيت المناسب لفرض الضرائب، والتوجه لتطوير آليات عمل البورصة المصرية ..
وعلى سبيل المثال وليس الحصر تطبيق آلية التسوية اللحظية بديلا عن التسوية خلال يومين، وإعادة صياغة قواعد القيد في البورصة المصرية لتشجيع الشركات على قيد أسهمها في البورصة المصرية بإلغاء شرط أو تعديل نسب احتفاظ المساهمين الرئيسيين عند طرح إحدى الشركات فى البورصة والمحددة حاليا بنسبة لاتقل عن 65٪ من الأسهم المملوكة لهم فى رأسمال الشركة وذلك لمدة لا تقل عن سنتين ماليتين من تاريخ الطرح بالبورصة أو التعديل بالسماح بإستبدال مستثمر بآخر حال كون ذلك المستثمر مؤسسة مالية كبيرة ذات خبرة، علاوة على ضرورة تنظيم ضوابط الشطب الاختيارى والتوجه لتنظيم عمليات الاستحواذ بديلا عن الشراء الإجبارى من خلال تأخير خطوة الإلزام بتقديم عرض شراء إجبارى لمرحلة لاحقة وذلك بإعادة التفكير فى نسبة ال 33٪ والتى يتم إلزام المستثمر حال الوصول لها بتقديم عرض شراء إجبارى لحملة الأسهم،
وأقترح بتغيير النسبة الملزمة لتقديم عروض الشراء الإجبارية والبالغة٪ 33 لأخرى أعلى، مع وضع إجراءات يتم اتخاذها عند تخطى حاجز ال 33٪، وعلى سبيل المثال تجميد الحصة التى تفوق تلك النسبة أوحرمانها من حقوق التصويت والأرباح مع فرض غرامات، على أن يتم الإلزام بتقديم عرض الشراء الإجبارى حال الوصول حصة المستثمر والمجموعة المرتبطة لنسبة تتخطى 49٪، وهذا يحقق غرض حماية صغار المستثمرين، وعدم سيطرة المستثمر على التصويت بالجمعيات العمومية، فضلا عن أنه لا يلزم المستثمر بالشراء الإجبارى إذا ما تخطت نسبته 33٪ عن غير عمد بسبب تعاملات مجموعات مرتبطة، بالإضافة إلى إزالة المعوقات والقيود التي تواجه تحويلات العملات الأجنبية وتطوير آليات الأفصاح والشفافية للشركات المقيدة بالبورصة المصرية بنموذج متكامل للحوكمة.