خبير آثار يروى ذكريات طريق الحج والعلم المصرى يرفرف فوق المحمل الشريف
القاهرة "المسلة" ….أكد الدكتور عبد الرحيم ريحان مدير عام البحوث والدراسات الأثرية والنشر العلمى بوجه بحرى وسيناء أن طريق الحج القديم عبر سيناء شاهد أثرى حضارى تاريخى على الروابط الدينية الحضارية بين المشرق والمغرب عبر أرض سيناء وقد انقسم الطريق لأربعة أقسام من القاهرة إلى عقبة أيلة (العقبة حالياً) ومن عقبة أيلة إلى قلعة الأزلم ومنها إلى ينبع ومنها إلى مكة المكرمة وكانت بدايته من بركة الحاج إلى قلعة عجرود بالسويس بطول 150كم ومن عجرود إلى قلعة نحل بوسط سيناء بطول 150كم ومن نخل إلى العقبة بطول 200كم يستكمل بعدها طريقه فى الأراضى الحجازية.
ويضيف د. ريحان بأن هذا الطريق لم يكن قاصراً على خدمة حجاج مصر فى ذهابهم وعودتهم وإنما كان يخدم حجاج المغرب العربى والأندلس وحجاج غرب أفريقيا وتزايدت أهمية الدرب خاصة مع قيام دولة سلاطين المماليك وتتمثل أهمية درب الحاج المصرى فى أنه أقصر الطرق الواصلة بين العاصمة ومدينة أيلة كما أنه يرتبط بمجموعة طرق أخرى تزيد من أهميته وقد شهد الطريق قمة ازدهاره اعتباراً من عام (666هـ / 1267م) حين أرسل الظاهر بيبرس قافلة الحاج فى البر على درب الحاج المصرى وكسى الكعبة وعمل لها مفتاحاً وفى عام (667هـ / 1268م) زار الظاهر بيبرس مكة عن طريق أيلة.
ويتابع بأن قافلة الحج فى ذلك الوقت بلغت 80 ألف راحلة دون الدواب الأخرى وكانت بداية الرحلة من بركة الحاج بالقاهرة وكانت بلدة تضم آبار مياه عذبة وتقام بها سوق عظيمة يقضى فيها الحجاج يومين أو ثلاثة قبل بدء الرحلة يتزود منها الحجاج لتنطلق الرحلة منها إلى قلعة عجرود 20كم شمال غرب مدينة السويس ومن عجرود يمر الحجاج على 24 عامود حجرى ارتفاعها 2م وهى عبارة عن أعلام منصوبة للحجاج حتى لا يضلوا الطريق ومن عجرود إلى نخل بوسط سيناء (240كم من القاهرة) والذى أنشأ بها السلطان الغورى خان وقد قام بتنفيذ ذلك خاير بك المعمار عام (915هـ / 1509م) وكان ينصب بنخل فى زمن الحج سوق وأفران لعمل الخبز وكان يرد لهذا السوق أهل سيناء وبذلك يتوفر للحجاج جملة خدمات من حيث الإقامة فى خان وتوفير الماء العذب الكافى من الآبار وفى الفساقى وكان يقوم بحراسة ركب الحجيج حتى عقبة أيلة قبائل سيناء وكان يرد إلى نخل قوافل تجارية من بلاد الشام وكان درب الحج السبب الرئيسى فى إحياء نخل والذى أهلها يوماً لأن تكون المركز الإدارى لكل سيناء والذى انتقل للعريش بعد هجر درب الحج.
ويستكمل د. ريحان رحلة الحجيج من نخل إلى بئر الثمد وبئر القريص إلى رأس النقب أو سطح العقبة ومنها إلى مقعد الباشا أو دبة البغلة ويوجد بها علامة هامة من علامات الطريق وهى صخرة الغورى وعليها الآيات القرآنية " إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطاً مستقيماً وينصرك الله نصراَ عزيزاً " والنص الخاص بتمهيد الطريق (رسم بقطع هذا الجبل المسمى عراقيب البغلة ومهد طريق المسلمين الحجاج لبيت الله تعالى وعمار مكة المكرمة والمدينة الشريفة والمناهل عجرود ونخل وقطع الجبل عقبة ايلا وعمار القلعة والآبار وقلعة الأزلم والموشحة ومغارب ونبط الفساقى وطرق الحاج الشريفة مولانا المقام الشريف والإمام الأعظم سلطان الإسلام والمسلمين الملك الأشرف أبو النصر قنصوه الغورى نصره الله تعالى نصراً عزيزاً )
وعلى الصخرة رنك للغورى نصه (لمولانا السلطان الملك الأشرف أبى النصر قانصوه الغورى عز نصره) .
ويصف د. ريحان أن المحمل الشريف احتفل به لأول مرة احتفالاً رسمياً فى عهد شجرة الدر وكان يتضمن كسوة الكعبة بما تشتمل عليه من كسوة مقام الخليل إبراهيم عليه السلام وبيارق الكعبة والمنبر وكانت الكسوة تعرض فترة عشرة أيام فى الحرم الحسينى ثم تخرج فى احتفال رسمى حتى تصل بركة الحاج وكان عدد الحجاج الذين يعبرون سيناء يتراوح ما بين 50 ألف و 300 ألف وهذا يدلنا على مقدار النشاط الذى كان يجرى فى سيناء وعلى اهتمام السلاطين المماليك بشئونها وكان العلم المصرى يرفرف فوق المحمل فى عهد المماليك وكان لونه أصفر.
وكانت القافلة تغادر مصر على النظام الآتى الرسميون ثم الأعيان ثم الحجاج وأما صندوق المال والمؤن والنساء والبضائع الثمينة فقد كانت توضع فى وسط القافلة ويتبعها ركب الحجاج العاديين من غير الرسميين والأعيان ويرافق أمير الحاج عدداً من الموظفين والخدم والحاشية وكانت سوق التجارة فى مكة المكرمة أعظم سوق فى العالم فى الأيام العشرة التى يقضيها الحجاج فى المدينة المقدسة وكان تبادل تجارة الهند ومنتجات الشرق يقدر بملايين من الدينارات وترسل تلك البضائع مع المحمل أو إلى جدة رأساً لنقلها من هناك إلى السويس وكانت جدة الميناء التى تتجمع فيها غلال مصر وخضرواتها وتجارة الهند والقهوة اليمنية.