Al Masalla-News- Official Tourism Travel Portal News At Middle East

أكمل بناء هيئة السياحة وفق أساس راسخ متين: هل ينجح سلطان بن سلمان في مواجهة الغول الشرس؟

أكمل بناء هيئة السياحة وفق أساس راسخ متين: هل ينجح سلطان بن سلمان في مواجهة الغول الشرس؟

 

إذا كان عدد كبير من الوزراء والمسؤولين يبنون فوق الأرض، وتظهر مشروعاتهم للعيان في فترات قصيرة بسبب ما تهيأ لوزاراتهم من اكتمال أنظمة، وبنية تحتية خلال سنوات طويلة ماضية، إلاّ أن قدر رئيس هيئة السياحة والآثار صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز جعله يتسلّم هيئة جديدة في بلد حديث عهد بصناعة السياحة، وما تعنيه من ثقل اقتصادي واجتماعي كبير.

أبلغ وصف يمكن إطلاقه على الأمير سلطان بن سلمان أنه يعمل تحت الأرض، بينما الآخرون يعملون فوقها، يحفر في الصخر، بينما الآخرون يسيرون على طرق معبدة ومهيأة، ورغم تعقيدات البنية التحتية، وصناعة أنظمة تصون السياحة والآثار، وتضمن لها أرضية صلبة تقف عليها لتكون مصدر خيرٍ في الوقت الحالي ومستقبلاً للأجيال المقبلة، إلاّ أن هيئة السياحة حققت الكثير من الاختراقات في هذا المجال، واستطاعت خلال 14 عامًا -هي كل عمر الهيئة- إحداث نقلة نوعية تُذكر فتُشكر، فنجحت أولاً، وهذا أهم شيء في بناء مؤسسة متينة ديناميكية، تعمل على أكثر من محور وغاية.

أثناء لقاء جمعني بالأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز عرفتُ منه كيف تعمل الهيئة العامة للسياحة والآثار على أكثر من 20 مسارًا متنوِّعًا، ورغم جبال الإحباطات، وبيروقراطية أداء بعض المؤسسات التي تتقاطع وتتشارك معهم في المسؤولية، يحققون تقدمًا هائلاً على أكثر من محور. ففي مجال المعارض والمؤتمرات أصبح لدينا كيان قائم بكفاءات وطنية، وخبراء أجانب يستطيعون جعل وطننا -الذي هو أكبر سوق استهلاكي- قبلةً للمعارض والمؤتمرات التي تجني خيراتها دول الجوار، هذا المركز سيكون غولاً شرسًا في سوق المعارض والمؤتمرات، وقد وجدتُ لديهم الكثير من الخطط، والبرامج، والرؤية الواضحة التي ستحدث نقلة نوعية كبيرة في صناعة المعارض والمؤتمرات؛ لتعود خيرًا على الوطن والمواطنين.

 

سياحة ما بعد العمرة

ولأن المملكة غنية بتراثها، وقيمها، وحضاراتها، تعمل الهيئة مع وزارة الداخلية على إطلاق مشروع سيمكّن مواطني 65 دولة من زيارة المملكة، ومعالمها السياحية والأثرية أثناء قدومهم لتأدية الحج والعمرة، وهو خلاف ما كان يحدث الآن، فما أن يحضر المعتمر حتى يغادر، دون أن يقف على تراث وطننا، وحضارته، وقيمه، وإرث إنسانه الكبير، كما تعمل الهيئة على تطوير سياحة الترانزيت في المطارات، ومنح القادمين فرصة التجول في المملكة، والبقاء فيها ليكونوا شهداء على وطن ينمو في ظل قيادة حكيمة.

سلخ قطاعات

وضمها للهيئة

ولأن الدولة وجهاز التنظيم الإداري وجدا في الهيئة القدرة الكاملة على تحمّل المسؤولية، تم سلخ الكثير من القطاعات، وضمها للهيئة، وفي مقدمتها الآثار التي كانت تتبع وزارة التربية والتعليم، والمعارض والمؤتمرات، والفنادق التي كانت تتبع وزارة التجارة والصناعة، ولك أن تتخيّل حجم نقل ثلاثة قطاعات في بلد مترامي الأطراف، ومع ذلك استطاعت الهيئة، وفريق عملها إحكام قبضتها عليها، ودفعها للأمام لتكون مسارات ناجحة ومتميّزة.

وفي مجال تطوير منظومة الخدمات الأساسية في قطاع السياحة، وفي مقدمتها الفنادق، ووكالات السفر والسياحة والنقل اطلعت على تدابير أقل ما يمكن أن توصف بأنها دقيقة، ومحكمة، ستقود إلى صناعة احترافية بسبب التصنيف الدقيق والرقابة على أدق تفاصيل هذه الصناعة سواءً في الوحدات السكنية أو الفنادق أو المنتجعات، وعرفت لاحقًا كيف قادت هيئة السياحة مشروع تطوير استراحات الطرق، وعملت عليه من الصفر حتى أصبح الآن في يد 5 شركات كبرى باشرت تنفيذ واحدة من أكثر الأمور إرهاقًا وصداعًا للمسافرين على الطرق الطويلة.

 

تأهيل الشركاء

في رحلات دولية
ولأن السياحة -كما يعلم أساطينها- لا يمكن أن تنجح دون شركاء، فقد حرص الأمير سلطان بن سلمان على توقيع أكثر من 180 اتفاقية تعاون مع جميع الجهات ذات العلاقة، بدءًا بإمارات المناطق، والوزارات، والمؤسسات الدولية ذات العلاقة، كما عمل على تأهيل الشركاء، حيث حرص على اصطحاب رؤساء البلديات، والمحافظين في جولات على الدول المتقدمة في صناعة السياحة والتراث، فعادوا إلى مواقعهم بفكر احترافي، ورؤية يمكنها مساندة الهيئة في جهودها للمحافظة على التراث الوطني، وتحويله إلى قيمة اقتصادية كبرى.

أطلعني الأمير سلطان بن سلمان على ما لديهم من مشروعات كبرى، شاركوا مع مؤسسات أخرى في رسم ملامحها، وكذلك تبنّيهم لبعضها. ولعل مشروع العقير الذي تتجاوز تكاليفه أكثر من 17 مليار ريال، وكذلك مشروع تطوير الطائف، والعناية بالوجهات البحرية وتطوير المناطق التاريخية في الدرعية، وجدة التاريخية، ومدائن صالح، وكذلك تطوير قلب الرياض ليكون نقلة نوعية مختلفة تمامًا من أهم المشروعات التي ستحدث نقلة نوعية في صناعة السياحة.

كما تحدث سمو رئيس هيئة السياحة عن مشروع تطوير فرسان، وكيف أنها ستكون أرخبيلاً سياحيًّا بعد انتهاء الكثير من الدراسات مع إمارة منطقة جازان، وغيرها من المواقع الأخرى المهمّة والكبيرة، فضلاً عن تطوير الكثير من الوجهات البحرية على سواحل البحر الأحمر، وعلى سواحل الخليج العربي، ولعلّ آخر هذه المشروعات التي شاركت الهيئة فيها ما يجري تنفيذه في تبوك هذه الأيام في الواجهة البحرية حقل من مشروعات كبرى هدفها توفير سياحة بحرية رائدة ومتميّزة.

 

الدفاع عن الوطن

دوليًّا، كانت المملكة -في نظر الكثير من مواطني الغرب، ودول أوروبا- بلدًا متأخرًا اقتصاديًّا وتنمويًّا، فقيرًا ثقافيًّا، وأن ثروته كانت النفط ولا غير، وقد أثبتت هيئة السياحة من خلالها معرضها المتنقل، الذي زار عشرات الدول الغربية أن المملكة ملتقى الحضارات، وفيها من الثقافة والتاريخ والآثار ما يُدهش العقول، وأودُّ أن أستشهدَ بالكلمة القوية التي ألقاها رئيس هيئة السياحة في جامعة أكسفورد، ضمن مؤتمر الجزيرة العربية الخضراء حيث قال: (… اقتصاديًّا، مثّلت شبه الجزيرة العربية موقعًا جغرافيًّا إستراتيجيًّا من الناحية الاقتصادية؛ لكونها دائمًا في صلب محاور الحضارات، والنشاط الاقتصادي، وأن وفرة الكنوز والأدوات الأثرية التي نعثر عليها في عملياتنا الاستكشافية حاليًّا، حيث جرى نقل السلع والبضائع والمواد الأولية على طرق التجارة، عبر طرق شبه الجزيرة العربية -آنذاك- كما هي حالة النفط حاليًّا؛ لذا ففي وسع المرء أن يقول إن شبه الجزيرة العربية كانت غنيةً لحقب طويلة قبيل اكتشاف النفط، وهذا يؤكّد بشكل واضح أننا شعب شبه الجزيرة العربية لسنا «حديثي نعمة»).

 

مشروع الملك عبدالله

للتراث الحضاري

ولأن المملكة بلدٌ غنيٌّ بالآثار والحضارة، فقد رفعت الهيئة مشروعًا وطنيًّا، توّجه خادم الحرمين الشريفين بالموافقة عليه، وأن يحمل اسمه، وهو مشروع خادم الحرمين الشريفين للعناية بالتراث الحضاري، والذي اعتمدت تكاليفه بأكثر من 6 مليارات ريال، والذي يهدف إلى حماية الآثار، والمحافظة عليها، وتوثيقها، البحث والتنقيب، تهيئة المواقع الأثرية والطرق التاريخية، إنشاء وتطوير وتشغيل المتاحف في المناطق والمحافظات، تأهيل قصور الدولة في عهد الملك عبدالعزيز، وفتحها للمواطنين بعد إعادة ما كانت تحتويه من قطع وآثار؛ ليشاهد المواطن كيف تم توحيد هذا الوطن الكبير، وكذلك المحافظة على مباني التراث العمراني، وتنمية القرى والمواقع الأثرية، فضلاً عن إطلاق مشروع برنامج الحرف والصناعات اليدوية.
لقد أحاطني سمو رئيس الهيئة برؤية هذا المشروع المتمثلة في تحقيق الحماية والمعرفة والوعي والاهتمام والتأهيل والتنمية بمكوّنات التراث الثقافي الوطني، وجعلها جزءًا من حياة وذاكرة المواطن، والتأكيد على الاعتزاز بها وتفعيلها ضمن الثقافة اليومية للمجتمع السعودي، إن هدف هذا المشروع الكبير يتمثل في تعزيز الارتباط بين المواطن، وموروث وطنه الحضاري، وتحقيق المعرفة والتوعية بهذه المكوّنات والاستفادة منها عبر مشروعات ملموسة على أرض الواقع.

 

الآثار الإسلامية

والعناية بها
ندرك أن الآثار الإسلامية بقيت لسنوات طويلة مهمّة، بسبب معتقدات لدى البعض، فعلمتُ من رئيس هيئة السياحة أن الهيئة دخلت فعليًّا في مراحل تنفيذية لمشروعات في مواقع هذه الآثار، ومنها تطوير جبل النور، وجبل ثور، وجبل أحد، والخندق، كما أن وزارة الدفاع تبنّت إنشاء متحف الغزوات في المدينة المنورة، وستكون هذه المتاحف متاحة للعامة، والزوّار؛ ليطّلعوا على تاريخ الإسلام، وكيف قام هذا الدين الحنيف الذي عمّ بخيره أرجاء المعمورة.

 

الاستثمار في القوة البشرية

لقد لمستُ من كثير ممّا قابلتهم من فريق هيئة السياحة حيويةً ونشاطًا، قلّ أن تجد مثله في مؤسسات الدولة الأخرى.. ولعلّ السبب في ذلك -بحسب ما قاله سمو الرئيس- هو الاستثمار الحقيقي في العنصر البشري، حيث عملت الهيئة على استقطاب أفضل وأقوى الكفاءات البشرية من القطاع الخاص، وهيّأت لهم سبل العمل وخوض التحدّي، وعملت على تأهيله داخل المملكة وخارجها وفق معايير غاية في الدقة والوضوح.
ختامًا.. أستطيعُ القولَ إنّ صناعة السياحة في المملكة تسيرُ في طريق صحيح، ونحو أفق أرحب، وسنجني جميعًا ثمار هذا العمل الشاق لهيئة تعمل على أساس راسخ وقوي، ووفق رؤية ستجعل من دور الهيئة ينحسر تدريجيًّا لتكون جهة إشرافية، بينما شركاؤها من المؤسسات، والقطاع الخاص هم مَن يقودون هذا القطـاع إلى مستقبل أفضل
نقلا عن المدينة

نبذة عن الكاتب

مقالات ذات صله