السياحة بين وزارتين «وزارة الحج ومشروع وزارة السياحة»
بقلم : د أنور أبو العلا
أكثر وأنجح وأسهل الصناعات المرشحة لدينا لتنويع مصادر الدخل وإيجاد وظائف للمواطنين هي صناعة السياحة إذا أحسنا التصرف؛ لذا فإنه يجب منذ الآن أن نفكر تفكيرا سليما فنضع استراتيجية (رغم انني محبط من هذه الكلمة) مبنية على أسس سليمة يشرف على تنفيذها سلطة عليا قوية نافذة لديها الصلاحيات والكفاءة والقدرة على فرض تطبيق الأستراتيجية لتكون السياحة مصدر دخل للمواطنين (والدولة) وهذا سيتحقق تلقائيا بمجرد ان تكون جميع الوظائف التي يحدثها القطاع السياحي سيشغلها المواطنون.
الغرض من هذا المقال ليس استعراض مقومات السياحة في المملكة. كذلك ليس الغرض استعراض الجهود المشكورة (رغم أن مستواها الحالي لا يحقق الغرض الذي أعنيه) التي تبذلها حاليا هيئة السياحة لتوفير البيئة الملائمة وتطوير وتنظيم السياحة. وانما الغرض هو لفت النظر الى موضوع أهم كثيرا من هذه المسلّمات وهو ضرورة استغلال هذه المزايا لتكون صناعة السياحة مصدرا لتنويع مصادر الدخل. وهذا بالتأكيد لا يتحقق إلا إذا كان الريال الذي ينفقه السائح يتم تدويره (كما يحدث في جميع دول العالم) داخل الاقتصاد الوطني على شكل: أرباح عادلة للمستثمرين كعوائد على رؤوس أموالهم، وضرائب ورسوم للحكومة لقاء ما تقدمه من بنية وتجهيزات وخدمات عامة، وللمواطنين كرواتب وأجور وايجارات ومبيعات للسياح.
واضح أن تطبيق ونجاح الأستراتيجية بهذا المستوى يحتاج الى جهة مختصة متمكنة تقوم بالاشراف على تنفيذ الأستراتيجية والتقيد بمتطلباتها منذ البداية ولا داعي للتسرع فليس المطلوب اللهوجة كما يتم الآن في تنفيذ مشاريعنا الأخرى، وانما المطلوب إقامة صناعة سياحية مستدامة على مهل حتى نضمن لها البقاء وتكون لنا ولأجيالنا مصدر دخل عندما سيعز علينا (وهو ليس ببعيد عنا) دخل البترول لنضوبه (وليس الاستغناء عنه) ولا يتبقى لنا ولأجيالنا إلا ما يتم انتاجه بأيدي أبناء الوطن.
لكي يتسنى للسلطة التنفيذية الموكل اليها تنفيذ جعل السياحة مصدرا للدخل لابد أن تكون هي نفسها مقتنعة كليا بجدوى الاستراتيجية فتقوم بدورها باقناع الآخرين. وهذا يتطلب ان تكون السلطة نافذة لها حظوة وتأثير على صنّاع القرارات ومشرّعي السياسات الاقتصادية العليا للدولة. لذا ينبغي ان يكون لها حضور في مجلس الوزراء ومجلس الاقتصاد الأعلى وحتى المجلس الأعلى للبترول لأن صناعة السياحة – بلا جدال – هي أكثر وأسهل (أكرر أسهل) الصناعات المرشحة بأن تدر لنا دخلا كمصدر مرادف ثم بديل لإيرادات البترول عندما حتما سترتفع تكاليف استخراجه فجأة بسبب الاستنزاف الجائر.
إن صدقني حدسي (واعتقد انه صادق) أن سبب تأجيل انشاء وزارة للسياحة لدينا حتى الآن هو خشية حدوث ازدواجية بين أعمال وزارة الحج (فالقادمون معظمهم الحجاج والمعتمرون)، وأعمال وزارة السياحة. فمن ناحية فإن الحج من الأهمية للحفاظ على مكانة المملكة في العالم الاسلامي يتطلب أن تقوم بأعماله جهة تشريفية عليا لا تقل عن مستوى الوزارة. لكن من ناحية ثانية فإن السياحة أصبحت الآن صناعة حديثة مرشحة لان تكون مصدر دخل للمملكة يعوضها عن دخل المورد الناضب ويجب استغلال هذه الميزة على قواعد قوية تقودها سلطة تنفيذية عليا قادرة على التنفيذ وقادرة على أن تحول دون اختطاف صناعة السياحة لصالح قلّة محتكرة تأكل الهبرة وتعطي لعمال السخرة الشغتة وتحرم البلد من أهم مصادر معيشته.
نقلا عن الرياض