Al Masalla-News- Official Tourism Travel Portal News At Middle East

جانبى طويل

صلالة..فقر السياحة وسياحة الفقر بقلم : د. سيف المعمري

صلالة..فقر السياحة وسياحة الفقر

 

بقلم : د. سيف المعمري

جاء موسم الخريف ولا تزال السياحة تثيرُ جدلاً موسميًّا لا ينتهي، ولا يزال الشريط يُعيد نفسه، نفس الأسئلة، ونفس الإشكاليات، ولا شيء جديد يدفع بالسياحة العُمانية قدماً إلى الأمام، ويبدو أن الإبهار الطبيعي لرذاذ الخريف وضبابه لم يصاحبه حتى الآن قُدرة على الإبهار في صناعة واقع سياحي يكون الجانب الطبيعي أحد عناصره فقط، بدلاً من أن يكون العنصر الوحيد، لا نريد سنويًّا أن نطرح نفس الموضوع، ولكنَّ الواقع يُشير إلى أن لدينا ثروات لسنا (غير قادرين) على استثمارها (فقط)، بل نثبت سنويًّا نمارس عملية تسويق جائرة لها، آن الأوان لنعترف بأننا لم نفلح في جعل السياحة تثري؛ لأننا غير قادرين على جذب نوعيات مختلفة من السياح من مستويات اقتصادية متباينة؛ لعدم توافر البنية السياحية التي تلبِّي رغبات وميول واهتمامات مُختلف الشرائح؛ وبالتالي فإنَّ معظم من يأتون إلينا هم نفس السياح سنويًّا، وهم في الواقع غير القادرين على الذهاب إلى مناطق سياحية أخرى في العالم …

 

بسبب البُعد والتكلفة المالية؛ لذلك فإن عدم قدرتنا على اجتذاب غير هذه الفئة يعطي مؤشراً بأن سياحتنا قائمة على سياحة الفقراء، وهذا ليس وصفي لها، وإنما هو تسمية أجدها مطابقة للواقع.. أطلقتها إحدى الشخصيات من المحافظة نفسها في حوار دار بيننا في رمضان حول قصور الرؤية وبطء النهوض السياحي بالمحافظة، ربما تثير هذه التسمية كثيرين ممن قد يفهمونها خارج إطارها، ولكن لابد من قراءة واقعية ناقدة لمسار السياحة في البلد بشكل عام، وفي محافظة ظفار بشكل خاص؛ حتى نتمكن أيضا من فهم بعض المعتقدات الخاطئة حول السياحة الخريفية، والتي أيضاً تساعدنا في فهم ما يحدث سنويا من سلوكيات من بعض السائحين من دول الجوار، أو ممن تشير أرقام سياراتهم إلى أنهم من الجوار.

 

أولاً: أن السائحين الخليجيين هُم المحرك الأساسي للسياحة في موسم الخريف؛ وبالتالي وما تناقلته شبكات التواصل الاجتماعي من صور لتصرفات بعض السياح خلال الأسابيع الماضية، يُعتبر إحدى نتائج هذا النوع من المُعتقدات، وقد يكون البعض طرح السؤال التالي: ما الذي يدفع مجموعة من القادمين من وراء الحدود إلى الاستهتار بالمكان، وساكنيه، والاعتداء على طبيعته؟ لا نحتاج إلى البحث طويلاً عن الإجابة؛ فهي بسيطة جدًّا لأن البعض يظن أنهم هم عماد سياحة فصل الخريف، وأنهم هم القادرون على دفع فاتورة السياحة الباهظة في فصل الخريف، لكن الإحصاءات تشير إلى أن العمانيين في الواقع هم عماد سياحة موسم الخريف، وهم يشكلون النسبة الأكبر مقارنة بالخليجيين.

 

فموقع “عربيان بيزنس” يشير إلى أن عدد زوار خريف صلالة من الفترة من 21 يونيو وحتى الخامس عشر من أغسطس العام الماضي، بلغ 229713 زائراً، شكل العمانيون منهم ما نسبته 61.1%، وجاء الإماراتيون بنسبة 20%، وشكل النسبة الباقية -وتبلغ 7.4- الزائرون من الدول الخليجية الأخرى؛ لذلك لم يكن أحد السائحين الخليجيين مُحقاً حين قال في تعليقه على بعض السلوكيات غير السوية التي صدرت من بعض السائحين خلال الأسابيع الماضية “أن العمانيين لا يحتاجون إلى أموالكم”؛ فالفئة التي تأتي إلينا ليست من أصحاب الوفرة المالية؛ لذلك فمن حسن حظها أن تتواجد محافظة صلالة لكي تتاح لهم فرصة للسياحة طالما إمكاناتهم لا تمكنهم من الذهاب إلى وجهات سياحية أغلى يذهب بعض العمانيين اليوم إليها للسياحة.

 

ثانياً: أن البنية السياحية في المحافظة أصبحتْ متطوِّرة، وتلبِّي حاجات الأعداد المتزايدة من السائحين؛ ففي الواقع لا تزال البنية السياحية فقيرة إلا من الجانب الطبيعي الذي يعتبر أغنى عنصر في المنظومة السياحية؛ فأماكن الإيواء لا تزال غير كافية، وما هو متوافر منها لا تتوافر فيه المعايير التي يحتاجها السائح نظير ما يدفعه، ورغم تفهمنا لحق أهل المحافظة في الاستفادة المادية من هذا الموسم القصير، إلا أن ذلك لا بد أن يتم وفق أسس واشتراطات يتم التأكد منها سنوياً، ويبدو أن الجهة المشرفة على مهرجان الخريف بعيدة عن المباني التي تملكها الشركات السياحية والتي تحتاج إلى تقييم فعلي وزيارات ميدانية قبل موسم الخريف؛ لأنها تعكس جدية البلد في التأسيس لسياحة تقوم على أسس وقواعد لا يمكن التغاضي عنها، وعلاوة على أماكن الإيواء لا تتوافر في المحافظة مقومات السياحة الأخرى التي تعكس تراث المكان وأصالته وتاريخه، وتباين بيئاته المختلفة البحرية والجبلية والريفية بعاداتها وتقاليدها وفلكلورها، فلا يجد السائح في برنامجه اليومي إلا الذهاب للجلوس في العشب الأخضر، يذهب بعدها للغداء من مطعم آسيوي، ويتكرَّر المشهد بشكل يومي طوال فترة إقامته، وهو مشهد لا يمكن أن يتكرَّر للسائح الذي يذهب إلى وجهات سياحية مشابهة في طبيعتها للمحافظة؛ مثل: الهند، وسيرلانكا، وماليزيا؛ فهذه الأماكن وظفت تراثها بمختلف أشكاله في صناعة بيئة باهرة للسائح، مكَّنته من تمضية برنامج رحلته بصورة متجددة كل يوم.

 

ثالثاً: مهرجان الخريف أصبح مهرجاناً متجدداً؛ لا يزال مهرجان الخريف فقيرًا للإبداع والتجديد، ويبدو أن الجهة المشرفة والمنظمة تستخدم نفس البرنامج مع الشطب والإضافة فيه كل عام، وربما هذا هو أسهل الطرق لتنفيذ برنامج روتيني يتكرر كل عام، وهذا جعل البعض ينظر إلى المهرجان بأنه مرادف لسوبر ماركت كبيرة تنقل إليه المحلات والمقاهي والمطاعم التي تقدم خدماتها خارج منطقة المهرجان، وكان يأمل أن يكون هذا المهرجان من أهم المهرجانات في المنطقة العربية في هذا الوقت من العام، وأن يستقطب فعاليات فنية وثقافية وعلمية على مستوًى عالٍ، توظَّف من أجل الترويج للمحافظة وللثقافة والقيم العمانية.

 

رابعاً: مَنْ يستفيد من موسم الخريف هم أهل المحافظة.. إنَّ المستفيد الرئيسي من موسم الخريف هم العمالة الوافدة سواءً من داخل المحافظة أو من خارجها؛ حيث تحدث هجرة موسمية نحو الجنوب من بعض المحافظات العمانية، ويعمل هؤلاء على طول شارع إيتين، وفي كثير من البنايات التي تعرض الشقق الفندقية، ولقد قال لي أحد الزملاء الذين استقروا في واحدة منها تملكها شركة معروفة في المحافظة في هذا القطاع، إن معظم العمالة فيها هاربة، علاوة على امتلاكهم للمحلات التي يقبل عليها السائحون والمتمثلة في الفواكه التي تشتهر بها المنطقة؛ مثل: النارجيل، والموز، والفافاي، ومنتجات اللبان؛ فأيُّ ثراء يجنيه أهل المحافظة من السياحة؟ وأي عائد مادي تحققه البلد إذا كانت عوائد الخريف تتجه يوميا إلى مكاتب “ويسترن يونيون”؟

 

… إنْ كان هُناك شيء نتعلمه كل عام من موسم الخريف؛ فهو: أن الطبيعة غنية، لكننا عاجزون عن الاستفادة من ثرائها، وأن غيرنا لديه بيئة فقيرة حوَّلها إلى بيئة جذب غنية للسائحين. والحقيقة التي لابد أن نعترف بها حتى نعمل على تجاوزها هي أن صلالة لا تزال وجهة سياحية فقيرة، وأنه من الأفضل من الآن التفكير جدياً في إثراء المنظومة السياحية بها، بدلاً من الطرح الموسمي لنفس الإشكاليات والتحديات.
 

نقلا عن البلد

نبذة عن الكاتب

مقالات ذات صله