فنادق بغداد تبحث عن نزلاء
بغداد “المسلة” …. اذكر قبل سنوات ، كنا نحجز مسبقا في فنادق بغداد الكبرى بسبب الزخم الكبير على غرفها ، لكني اعترف اليوم باني فوجئت حينما وجدت احد مدراء فندق كبير وسط بغداد يقضي وقته في لعب “الطاولي” مع عماله الآسيويين، بينما اغلب الغرف فارغة منذ أسابيع.
يقول المدير “45 عاما” ان “نشاط الفنادق تراجع بشكل كبير خلال الشهرين الماضيين”. ويعزو السبب الى تفاقم الأزمة الأمنية في البلاد عقب سيطرة مسلحين على أجزاء واسعة من المناطق الغربية والشمالية في حزيران الماضي.
كما بدأ معظم أصحاب مكاتب السفر بتحويل برامجهم السياحية من مصايف إقليم كردستان الى جولات أوروبية وعربية، بسبب انقطاع الطريق البري والزخم الحاصل على حجوزات الطائرات. فيما يفضل معظم سكان العاصمة التي تغيب عنها مظاهر الازدحام مع اقتراب ساعات الليل، الى ان ينظموا حفلات الزفاف والمناسبات في النهار خوفا من الأوضاع الأمنية.
بغداد ليست مقصداً سياحياً
في جولة في عدد من فنادق الدرجة الأولى توجهنا بتساؤلاتنا ومشاهداتنا إلى السيد أنطوان ساخون المدير العام لفندق كرستال عشتار (شيراتون سابقاً ) الذي اختصر الأمر بجملة مؤثرة تصلح لان تكون عنوانا لهذا الاستطلاع حيث قال : “بغداد ليست مقصداً سياحياً حالياً” مبينا لـ المدى : ان بغداد خسرت السياحة بسبب الظروف الأمنية والسياسية ونحن نعمل في هذه الأوقات وفق آلية إدارة الأزمات من اجل المحافظة على الوضع العام للفندق من ناحية الكادر العامل ونوعيته وطبيعة الخدمات كون الوضع استثنائيا ولا توجد أرباح تذكر اذ ان هناك عزوفا واضحا حتى في المشاركات الرسمية بسبب الأوضاع التي تشهدها البلاد بالإضافة الى ان هناك عزوفا كبيرا في العديد من مؤسسات الدولة من خلال إقامة المؤتمرات العلمية والمعارض بسبب عدم أطلاق الموازنة للسنة الحالية .
نجري تخفيضات مستمرة
(ساخون) أشار الى ان كثيرا من المشاكل يعاني منها قطاع الفنادق المعروفة في بغداد منها علي سبيل المثال عدم الحصول على الحصة المقررة من التيار الكهربائي الوطنية وهذا بطبيعة الحال يتطلب شراء كميات كبيرة من مادة الكاز لتشغيل أجهزة الفندق وبالأخص أجهزة التدفئة والتبريد حيث يدفع الفندق أكثر من 100 مليون دينار شهرياً لشراء مادة الكاز . وأضاف أن الإقامة في الفندق وطبيعة الأسعار متحركة وليست ثابتة بسبب الوضع الحالي ونحن نجري تخفيضات مستمرة بهذا الخصوص . كاشفاً أن معظم الفنادق تعتمد على المؤتمرات التي تقيمها الوزارات وورشات العمل والندوات التي تنظمها المنظمات الدولية والمنظمات غير الحكومية .
إقامة حفلات الزواج عصراً
حفلات الزواج كلها اليوم تقام في بغداد بعد الظهر. ونلاحظ في العديد من المناطق السكنية إقامة زفة العرس عصراً وتقتصر الزفة على سيارات لا تتعدى أصابع اليد وليس مثل السابق وتمر مبكرة في شوارع بغداد بموسيقاها وأغاني المحتفلين، مثل هذه الأجواء لم تتعودها بغداد في السابق. كانت تقاليد الاحتفال بالأعراس تتم في بغداد بان يقام الحفل بأحد الفنادق الكبرى او ان يزف العروسان الى احد هذه الفنادق بعد نهاية الحفل في وقت متأخر من الليل، لكن فنادق بغداد الكبرى خالية تقريبا.
لا عرسان لدينا
موظف الاستعلامات في فندق شيراتون أشار لـ ( المدى ) أنه لا توجد حالياً حفلات زفاف او عرسان يقضون ليلة أو ليلتين مثل السابق وهذه الحالة منتشرة في جميع الفنادق الكبرى في بغداد . وفيما اذا كان هناك بعض العرسان يقضون ليلة او ليلتين من شهر العسل في الفندق قال ان الفندق جاهز لاستقبال العرسان لكنهم يخافون على حياتهم كون هذه الفنادق قد تعرضت لعمليات مسلحة عديدة وهي هدف لتلك العمليات حسب توقع العرسان لهذا مثل هذه الظاهرة اختفت ونتمنى عودتها كون فندقنا مثلا وبقية الفنادق الكبرى محمية بصورة جيدة .
صناعة السياحة لم تتلق الاهتمام المطلوب
سليم فتحي ، (73 عاماً ) عمل في المجال السياحي لأكثر من 20 سنة قال لـ ( المدى ) أن المقومات التي تواجه صناعة السياحة في دول العالم تتباين في درجات التقدم الاقتصادي والحضاري . وفي العراق تحديداً واجهت صناعة السياحة العديد من العقبات والمشكلات التي أدت الى تقلص دور السياحة في مجالات التنمية الاقتصادية والاجتماعية بسبب الظروف التي واجهت البلاد على مدار 30عاماً ، وبرغم ما يحتويه العراق من موارد ومقومات للنهوض بواقع السياحة فان صناعة السياحة لم تلق الاهتمام المطلوب.
فتحي أشار الى وجود عدد من المعوقات والتحديات التي ماتزال تواجه التنمية السياحية ينبغي مواجهتها منها الافتقار الى ستراتيجية للدولة واضحة المعالم حول السياحة وآفاق تطورها يمكن ان تؤشر المطلوب على المستوى القومي الإقليمي والمحلي في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والبيئة والموروث الحضاري وعدم وضوح الرؤيا السياحية.
بالإضافة الى ضعف موقع التنمية السياحية في خطط التنمية ما يقلل وباستمرار من أهميتها في اطار تواضع التخصيصات المالية المخصصة للسياحة ما يعكس قلة المشاريع المنجزة او المخطط لها وضعف أداء السياسات العامة في تبني ستراتيجية واضحة المعالم للسياحة. كذلك تواضع نوعية المنشآت والخدمات وضعف او قصور في المرافق الأساسية والخدمات كالطرق والكهرباء والاتصالات والصرف الصحي. كذلك غياب الوعي السياحي وتخلف التوعية الشعبية بأهمية السياحة لدى معظم المواطنين.
السياحة الدينية تحافظ على نشاطها
مصدر في وزارة السياحة والآثار اكد لـ (المدى) أن السياحة في العراق تمر بمرحلة من الجمود بسبب الأوضاع الحالية التي تعصف البلاد فى حين حافظت السياحة الدينية على نشاطها بالرغم في ظل تردي الأوضاع الأمنية. المصدر اكد ان السياحة الدينية تطورت وبشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة. اذ من المتوقع أن يصل عدد السياح القاصدين للأماكن الدينية إلى أكثر من مليون ونصف المليون زائر.
المصدر كشف أن السياحة الدينية في طور النمو والعائدات جيدة، لكننا نطمح لأن تكون أكبر في المستقبل القريب ولا سيما أن عدد السائحين يتزايد يوماً بعد آخر ولازال العمل جاريا لتطوير المدن المعنية من حيث بناء الفنادق والمرافق السياحية وهناك مشاريع قيد الإنشاء يقوم بها القطاع الخاص ولكن كمفهوم سياحي لم تصل إلى مستوياتها المطلوبة أهمها الوضع الأمني غير المستقر وعدم توفر الخدمات المطلوبة لإنعاش السياحة الدينية.
لماذا العاصمة بغداد فقط ؟
المواطن سفيان مصطفي تساءل عبر الـ ( المدى ) عن الأسباب الحقيقية وراء تدمير جميع القطاعات في العاصمة بغداد ومنها القطاع السياحي خصوصاً في حين نرى ان العديد من المحافظات الجنوبية تزدهر فيها القطاعات المختلفة بما فيها تنشيط القطاع الترفيهي للمواطنين من خلال انشاء العديد من الأماكن الترفيهية .
سفيان أشار الى وجود عدد من الأماكن الترفيهية في العاصمة بغداد وقد تم بالفعل أنشاء العديد منها لكن نرى ان هناك اساءة مقصودة من قبل بعض المتنفذين لتدمير وتخريب تلك الأماكن .
سفيان أشار الى أن هناك حملة مقصودة تبدو واضحة للجميع من تشويه الصورة الحقيقية للعاصمة بغداد .
زخم كبير على حجوزات الطيران
عدنان الشلاه من شركة “تالة” للسفر والسياحة في شارع السعدون يبين لـ ( المدى ) ان هناك نشاطا كبيرا للفترة الحالية من قبل العراقيين للسفر خارج البلاد في مجال السياحة او الحصول على هجرة او إقامة وغيرها من الحالات خصوصاً في الوضع الحالي ما يتطلب من البعض السفر خارج البلاد لفترة قصيرة والعودة اليها.
عدنان بين انه كان احد الزائرين الى بيروت مؤخرا وشاهد وجود العراقيين والسوريين وان جميع الفنادق في لبنان مكتظة بالنزلاء موضحا أن جميع خطوط الطيران للدول التي يقصدها العراقيون محجوزة مسبقاً لأكثر من أسبوع ما جعل بعض الخطوط على تنظيم رحلات اضافية للحد من الزخم الحاصل لاسيما دول تركيا ولبنان .
1100 دولار ثمن سمة الدخول لمصر
الشاب محمد سعد التقته ( المدى ) عند مدخل احد مكاتب السفر في وسط العاصمة بغداد لتسأله عن الأسباب التي تدعوه للسفر فقال ان هناك اسباباً عديدة لهجرة الشباب الى الخارج منها الوضع الأمني المتردي داخل البلد حيث (يهرب) الشباب من هذا الوضع خوفا من الموت وايضا ليبتعدوا عن تلك القيود التي تفرض عليهم من العائلة .
بسبب القلق المستمر وانا حالياً دفعت مبلغ 1100 دولار لغرض الحصول على سمة دخول فقط لمصر والتي تسمى (الموافقة الأمنية ) وانا وغيرى من الشباب نفكر بالهجرة بالإضافة الى عدم توفر فرص عمل مناسبة للشباب حيث اننا نجد ان اكثر المهاجرين من الذين يحملون شهادات جامعية فعدم توفر وظائف كافية واقتصار الوظائف على شريحة معينة تدفع بالشباب الى اللجوء الى بلدان اخرى للبحث عن وظيفة مناسبة فالشاب هنا لا يجد في بلده ذلك الأمان المطلوب .
محمد بين أن الضغوط النفسية التي يعاني منها الشباب في هذه المرحلة قد تدفع بهم الى الهجرة هربا من تلك الضغوط او عدم تمكنهم من تحقيق هدف ما كانوا يصبون الى تحقيقه لذا يعمدون الى الهجرة ليسدوا النقص الذي يملأ حياتهم فحالة الانفتاح التي تعيشها بعض البلدان العربية تجعل من الشباب يحلمون بالهجرة ليتمكنوا من العيش بصورة اكثر انفتاحا وعولمة من البلد الذي يعيشون فيه فنجد اليوم ان اكثر شبابنا يهاجرون الى العديد من الدول لطلب الأمن اولاً ثم طلب الرزق والترفيه في ان واحد ولربما اخر سبب يفكر شبابنا بالهجرة لأجله هو التعليم والحصول على شهادة من بلد اخر بسبب ان معدلهم لا يؤهلهم من الحصول عليها داخل بلدهم او الحصول على شهادة عليا يفتخر بها .
الفنادق محط أنظار عصابات
الخطف
يقول أبو مشتاق ( 56عاماً ) وهو حارس لاحد الفنادق المعروقة في بغداد لـ ( المدى ) ان صاحب الفندق عرضه للبيع من اجل ان يستثمر أمواله في دبي ، فقد اشترى الفندق احد الأثرياء الجدد بعد ان هدأت أعمال العنف التي شهدتها العاصمة فحال فندقنا كحال بقية الفنادق التي تم عرضها للبيع ليستثمر أصحابها أموالهم في الدول العربية مثل مصر وسوريا والأردن التي ازدهرت أعمالها التجارية بفضل رؤوس الأموال المهاجرة اليها، فقد كان العراقيون والسياح العرب منهم والأجانب يتخوفون في الفترة السابقة من القدوم الى بغداد، فكيف يستطيعون المبيت في احد الفنادق خصوصا أنها أصبحت محط أنظار عصابات الخطف وهذا ما نسمعه عن عمليات الخطف لكل من يشتبه انه يمتلك مالا او كان أهله يمتلكون أموالا يمكن ان يدفعوها لمن قام بعملية الخطف.
المليشيات وراء تردي الخدمات السياحية
ويقول احد العاملين في فنادق الدرجة الأولى في بغداد رفض الكشف عن أسمه ان احد المستثمرين العرب وكان من لبنان استأجر احد الفنادق لمدة خمسة أعوام ولكن بعد اقل من ستة اشهر خطف مسلحون احد أولاده وطالبوه بفدية مالية ومبلغ خيالي وبرغم ذلك دفع الفدية واخذ ابنه وغادر العراق وما زال يتصل ببعض من عرفهم ويخبرهم انه غير اسف على مغادرة العراق برغم ما تكبده من خسارة لدفعها الى الإرهابيين او المبلغ الذي دفعه إيجارا للفندق الذي كان مكانه في قلب العاصمة بغداد وفي منطقة تجارية.
نعم …. سيبقى حال فنادق بغداد هكذا ان لم نقل ان الحال سيسوء اكثر فاكثر بسبب الوضع الأمني اولا وبسبب عدم اهتمام الجهات المختصة بتطوير عملية السياحة في العراق ، صحيح ان البعض سيقول ان الحكومة مهتمة بالسياحة والدليل ان هناك معهدا للفندقة والسياحة يقوم بتدريس احدث وسائل الفندقة والسياحة ، نقول هذا صحيح لكن خريجي هذا المعهد أين يعملون ؟ اذا كانت الفنادق فارغة بلا نزلاء ان لم نقل ان بعض الفنادق أغلقت أبوابها ، المطلوب أولا وأخيرا تحقيق الاستقرار والأمان في البلد لكي يعود زبائن الفنادق لالحجز المسبق وبدون ذلك فان المزيد من الفنادق ستغلق أبوابها !