قرارات الحكومة برفع دعم الطاقة تزيد من آلام المواطنين وتعمق جراح الاقتصاد المصري
بقلم : محمد رضا
أالقاهرة – المسلة -صدرت الحكومة المصرية مجموعة من القرارات المتسارعة والصادمة في آن واحد، حينما قامت بتخفيض دعم الطاقة بقيمة 41 مليار جنيه وذلك بتحريك أسعار الطاقة للمواطنين بالزيادة للبنزين والسولار والغاز والكهرباء وتحريك أسعار الطاقة بالزيادة بشكل محدود لبعض الصناعات بالزيادة للغاز والمازوت، وكانت هذه القرارات في أعقاب الموافقة على الموازنة العامة للعام المالي 2014/2015 بعدما تم خفض عجز الموازنة بحوالي 51 مليار جنيه..
وكما ذكرت في مقالي السابق أن الاقتصاد المصري والمواطنين هم من سيتحمل أعباء الموافقة على هذه الموازنة وبالفعل هذا ماحدث بصدور هذه القرارات، ومازاد من صدمتي هو حالة الألتباس عند البعض بأن ما تم تخفيضه من العجز بقيمة 51 مليار تم توجيه إلي الإنفاق على الصحه والتعليم وأن قرارات الحكومة برفع جزء من الدعم ستؤدي إلى عدم قيام الحكومة بالاستدانة أو الحصول على مساعدات ومنح ولكن هذا بعيد عن الصواب لأن تخفيض العجز معناه تخفيض الاستدانة في العام المالي القادم بقيمة 51 مليار جنيه فقط في الموازنة للعام المالي 2014/2015 والتي لم تأت بجديد ..يث أننا مازلنا مطالبون بالاستدانة لتغطية العجز في هذه الموازنة والذي يصل إلي 240 مليار جنيه أي مايوازي 33 مليار دولار أمريكي.
والسؤال الآن ماهو آثار قرارات الحكومة الأخيرة برفع الدعم على المواطنين وعلى الاقتصاد المصري؟
تتلخص الإجابة في أن الإجراءات قلصت الإنفاق على دعم الطاقة بقيمة 41 مليار جنيه ونجد أن قيام الحكومة برفع أسعار الطاقة بهذا الشكل الكبير وبدون تطوير شبكة الضمان الاجتماعي وفي ظل عدم امتلاك الحكومة قاعدة بيانات قوية تستطيع من خلالها استهداف الفقراء الذين سيتأثرون برفع أسعار الطاقة وبدون إجراءات للتحكم في السوق ومحاربة السوق السوداء فإن هذه القرارات ستؤدي إلى ارتفاع الأسعار نتيجة لارتفاع التكاليف وجشع التجار والفساد وتوسع السوق السوداء وارتفاع كافة أسعار الخدمات المهنية بالاضافة لتحريك أسعار الطاقة بشكل محدود لبعض الصناعات بالزيادة للغاز والمازوت لتقوم هذه المصانع في ظل غياب الدور الرقابي للدولة على الأسواق والأسعار بتمرير هذه الزيادة وتحميلها على المواطنين وبشكل مضاعف، وبالتالي فإن محدودي ومعدومي الدخل لن يتمكنوا من زيادة دخلهم مقابل زيادة الأسعار فتنخفض قدرتهم الشرائية وبالتالي سيضطرون لتخفيض الاستهلاك وينخفض الطلب على السلع والخدمات ويحدث ركود في السوق وبالتالي تقوم المصانع بتخفيض الانتاج لعدم قدرتها على تخفيض التكلفة فتسرح العمالة لتزداد البطالة وندخل في ذات الحلقة المفرغة حيث ستؤدي زيادة البطالة بالتبعية لتخفيض الطلب أكثر على السلع والخدمات لتقوم المصانع بتخفيض إنتاجها أكثر وأكثر وهكذا.
وهنا نأتي لمنظور آخر بإرتفاع تكلفة السلع المصرية لتصل أو تزيد عن تكلفة السلع الأجنبية وفي الأغلب تكون السلع الأجنبية أعلى في جودتها من السلع المصرية فيزداد الطلب على السلع الأجنبية في مقابل السلع المصرية ليزداد الطلب على استيراد السلع الأجنبية وبالتالي زيادة الطلب على الدولار الأمريكي وبالتالي تنخفض قيمة الجنية المصري وتنخفض القوة الشرائية للجنية أكثر وأكثر ويزداد الركود بالسوق أكثر وأكثر، وتصبح المصانع في معضلة أكبر بسبب انخفاض الطلب على منتجاتها في السوق المصري وإذا حاولت تصديرها في ظل اقتراب تكلفتها للأسعار العالمية لن تستطيع منافسة السلع الأجنبية من حيث الجودة…
وبالتالي فإن المصانع قد تتعرض للإغلاق فينخفض التصدير ومن ثم تنخفض الاستثمارات ويخرج المستثمرون من السوق المصري وتخرج معهم رؤوس أموالهم وبالطبع سيتم التخارج للاستثمارات الأجنبية بالدولار الأمريكي ليحدث مزيد من الطلب على الدولار الأمريكي وتنخفض قيمة الجنيه المصري أكثر وأكثر ومزيد من الضغوط على الاحتياطيات الأجنبية لتنخفض القوة الشرائية للمواطنين وينخفض الطلب ونستمر في ذات الحلقة المفرغة.
وهنا يطرح سؤال: لماذا فعلت الحكومة كل هذا؟ تأتي لنا الإجابة أن هذه الإجراءات لتخفيض عجز الموازنة ولكن حقيقة ماسيحدث بقرارات الحكومة هو ارتفاع الأسعار وانخفاض قيمة الجنية المصري وانخفاض القوة الشرائية وانخفاض الطلب والاستهلاك في السوق ودخول الاقتصاد في مرحلة الركود التضخمي بالاضافة لانخفاض الإنفاق الاستثماري في الموازنة ليؤدي ذلك لمعضلة أكبر بانخفاض حصيلة الدولة من الضرائب وبالتالي مزيد من التعثر والانهيار للاقتصاد المصري،
ونجد في ذات الوقت أن قرارات رفع الدعم الأخيرة لم تحقق إعادة هيكلة الدعم ولم تحقق العدالة الاجتماعية ولم تحقق إعادة توجيه الدعم لمستحقيه كما هو معلن، ونجد في النهاية أن المتضرر الأكبر هم مستحقي الدعم والذين يعيشون تحت خط الفقر وهم 25 مليون مواطن مصري تقريبا من معدومي الدخل 30٪ من الشعب المصري أولئك الذين يعيشون على أقل من 10 جنيه تقريبا فى اليوم، بالإضافة إلى تضرر محدودي الدخل بشكل حاد بمزيد من الأعباء والضغوط الشديدة عليهم والذين بالفعل ساءت أحوالهم بشدة فى الأعوام الثلاثة الأخيرة والتي ستؤدي في النهاية إلى تحول جزء كبير من محدودي الدخل ليصبحوا تحت خط الفقر،
وبالرجوع للدستور المصري بهذا الشأن فسنجد المادة 124 من الدستور نصت على "أنه في جميع الأحوال لايجوز أن تتضمن الموازنة أي نص يكون من شأنه تحميل المواطنين أعباء جديدة" لنصبح أيضا أمام تجاهل للدستور المصري بعدم دستورية الموازنة والقرارات التي اتخذت من الحكومة والتي حملت المواطنين بأعباء جديدة.
وفي النهاية، كان على الحكومة التفكير هكذا لدراسة آثار قراراتها برفع الدعم لتقليل عجز الموازنة فإذا كانت الحكومة تريد خفض الدعم فيجب أن يتم ذلك بإعادة هيكلة الدعم ليصل لمستحقيه من خلال توسيع نطاق التغطية الاجتماعية واتباع أساليب استهداف لمستحقي الدعم أكثر وضوحا وكفاءة للحد من الهدر في الإنفاق ،
وكما طرحنا أن الأزمة الاقتصادية التي تمر بها مصر وتفاقم عجز الموازنة يحتاج إلى رؤية إصلاحية حقيقية متكاملة تمتلك الجرأة والإرادة والتفكير خارج الصندوق بحلول غير تقليدية من خلال وضع خطة إصلاح اقتصادي حقيقية للاقتصاد المصري وإعادة هيكلة الموازنة العامة كما طرحت ذلك في مقالي السابق بتاريخ 1 يوليو 2014 بعنوان "موازنة الآلام والخيار الأمثل الغائب لرؤية الإصلاح الاقتصادي المصري وهيكلة الموازنة" وكما أيضا طرحت في الرؤية التي قدمتها لإصلاح الاقتصاد المصري بعنوان "خارطة طريق مصر الاقتصادية" والتي تتكون من عشر محاور يتم تنفيذها بالتوازي خلال 12 عاما تنتهي بوضع الاقتصاد المصري على خريطة الاقتصاد العالمي.