بالصور التحرش واستباحة الجسد جرائم وحشية صورها الإغريق على الأوانى الفخارية
دراسة للدكتور محمود الفطاطرى استاذ الاثار اليونانية بجامعة كفر الشيخ
يعرضها الدكتور عبدالرحيم ريحان الباحث الاثرى
القاهرة – المسلة- مع قدوم العيد نطلق صرخة تحذير من التحرش والتصرفات الغير لائقة التى تقتل فرحة العيد وتسئ لآى شعب يقترف أبناؤه هذه الجرائم النكراء ، والاغتصاب هو الرعب الصامت الذى يترك ضحاياه وهم يشعرون بالخيانة والتمزق والضياع فى سلسلة من العار والذنب والخوف لا نهاية لها، وقد ألقت دراسة مهمة للدكتور محمود الفطاطرى أستاذ الآثار اليونانية الرومانية بجامعة كفر الشيخ الضوء على هذه الجرائم التى صورها الفنان اليونانى على الفخار عنوانها "تصوير الاغتصاب على الفخار الإغريقى ذى الطراز الأحمر على الأرضية السوداء فى العصر الكلاسيكى."
العقوبة
أشارت الدراسة لاعتبار اليونان الإغتصاب جريمة فى اساطيرهم حيث كانت البداية فى ظهور الاغتصاب من الأرباب للبشر مثل اغتصاب إيروبا بواسطة زيوس وأصبح الاغتصاب فى فكر اليونانيين جريمة عندما اغتصب كريسبوبوس بواسطة لايوس والذى عرف باسم "جريمة لايوس" ، وقد فرض القانون اليونانى القديم على المغتصب غرامة مالية "أى مغتصب يتعرض لرجل أو إمرأة حرة عليه غرامة مالية وعليه أن يدفع غرامة قدرها مائة ستاتير (عملة اليونان قديما)، أما إذا كان الفعل بالكلام فقط فعليه أن يدفع عشرة ستاتير، أما إذا قام عبد بتلك الفعلة (الاغتصاب) فعليه دفع الضعف فى كلا الحالتين (الاغتصاب قولا أو فعلا) ، وإذا قام شخص حر باغتصاب عبد أو أمه عليه دفع غرامة مالية قدرها خمس دراخمات ، أما إذا كان بين العبيد فعليه دفع خمس ستاتير بل أن الشخص اذا ما اغتصب خادمته بالمنزل لفظا أو فعلا فعليه دفع اثنين من الستاتير "وكل هذا فى عدم وجود شهود بل يكتفى بإدلاء المغتصب للفعل.
واعتبر اليونانى القديم الإغواء جريمة أكبر من الاغتصاب لأنها مقدمة للتحرش والاغتصاب وضاعف العقاب فى الإغواء ليصل لحد تحويل فاعل هذه الجريمة لمرتبة العبودية ، وتزخر الأسطورة الإغريقية بالعديد من القصص التى تروى عملية الاغتصاب الجسدى سواء بين الأرباب أو بين الأرباب والبشر ويتبين من خلال تلك القصص أن من يحاول ارتكاب تلك الفعلة ينتهى أمره بالعقاب الرادع الذى يصل إلى حد الموت.
استباحة الجسد
يحاول الباحث من خلال تلك الدراسة توضيح مفهوم الاغتصاب المصور على الفخار الإغريقى الأحمر وما يقوم به مرتكب عملية الاغتصاب عن طريق تتبع مراحل استباحة جسد الآخرين فى عملية جنسية لا ترضى عنها الضحية المغتصبة ، وقد صور الفنان على كأس من الفخار خطف المعبود زيوس للأميرة الفينيقية إيروبا عبر البحر إلى جزيرة كريت ، وعلى كأس آخر محفوظ بمتحف بوسطن تصوير لحظة اختطاف الكنتاوروس نيسوس لديانيريا تمهيدا لاغتصابها.. ووجود هيراكليس لينقذها معبرا عن شهامة أولاد البلد بعد استنجاد ديانيريا به رافعة يدها اليمنى وباسطة أصابعها المرتعشة باتجاه هيراكليس الواقف إلى الخلف من الكنتاوروس ، ورافعا يده اليسرى ليمسك بذراع المختطفة بينما يقبض بقوة على هراوته ليهم بها على الكنتاوروس لينقذ الفتاة المخطوفة ، ويكون المغتصب دائما منشغلا بجسد المغتصبة التى تكون أكثر إدراكا فى تلك اللحظة وتحاول بكل ما تملك من قوة دفع الأذى عنها.
الاغتصاب النفسى
ويشير د. الفطاطرى أيضا للاغتصاب النفسى وهو أخذ بالقوة لشىء ضد الرغبة حيث صور على أنية فخارية من نوع هيدرا محفوظة بالمتحف البريطانى عملية خطف لإبنتا ليوكيبيديس اللتان تحملان بالقوة من أمام زوجيهما من قبل ديوسكوروى فى حضرة المعبودة أفروديت الجالسة على المذبح ومن أمامها تقف بيثو التى تلعب دور الإغراء للفتاتين .. ويذكر من خلال الإسطورة أن أفروديت بنفسها حضرت مأدبة الزفاف لتشاهد فعلة الديوسكوروى اللذان خطفا الأختين من بلدتهما "مسينيا" إلى اسبرطة ليصيرا زوجاتهما بالقوة ، وقد ضحكت كثيرا عندما رأتهما يحملان بنتى ليوكيبيديس وتزوجاهما دون أن يقدما لأبويهما هدية الزفاف أى ضد رغبته وهذا هو المقصود بالاغتصاب النفسى ، كما يتضح من خلال الموقف المصور أن الفتاتين قد اختطفتا ضد رغبتهما وهو ما يبدو فى القوة التى تحمل بهما بالإضافة إلى المقاومة التى تبديها الفتاة المتطايرة فى الهواء وكأنها تقاوم الاتجاه التى تقاد إليه.
مطاردة المرأة
وتشير الدراسة أيضا لمطاردة المرأة للرجل ويظهر ذلك مصورا على كأس للشراب يصور إيوس المجنحة وهى تهرول مسرعة وتنجح فى أن تمسك بكلتا يديها بالأمير الطروادى الوسيم تيثونوس محاولة أن ترفعه لأعلى لتتخذه رفيقا أو عشيقا لها، ويحاول الفتى القابض بيده اليمنى على الآلة الموسيقية القيثارة أن يخلص نفسه من قبضة المعبودة ،ويظهر الفنان رفض الفتى للخضوع لرغبة المعبودة بتصوير اتجاه جسده المخالف لحركة المعبودة لدرجة أنه قدمه اليسرى تبدو وكأنها خارج الإطار للتعبيرعن رغبته الشديدة فى الهروب إلى جانب أصابع يده اليسرى المنبسطة لتعبر عن المفاجأة التى تلقاها الفتى.
إغاثة المرأة
اتضح فى الفن اليونانى القديم أهمية إغاثة المرأة لحمايتها من الاغتصاب فى منظر مصور على أمفورا حيث يظهر العملاق بروفيريون لحظة هجومه على هيرا عندما ألقى زيوس الرغبة الجنسية فى صدره لمعاشرة هيرا وعندما قام برفع ردائها ليغتصبها صرخت مستنجدة حيث يقوم زيوس برميه بالصاعقة بينما يقتنصه هيراكليس بالسهام ،ويتضح فى المنظر المقاومة الشديدة للشخصية المغتصبة هيرا فهى لم تكتف بطلب المساعدة ولكنها تحاول القبض بأطراف أصابع يدها اليسرى على درع هلالى الشكل وتهم بدفع الحربة التى تمسكها بيدها اليمنى فى اتجاه صدر من يحاول اغتصابها ، والذى يظهر بالمنظر متدثرا بجلد النمر على ذراعه الأيسر ويمسك بشعلة بيده اليمنى ليدافع بها عن نفسه ومتجها بنظره إلى أعلى حيث تظهر أرجل زيوس ويصور المنظر فشل عملية الاغتصاب للمقاومة التى أبدتها الشخصية المغتصبة إلى جانب النجدة الممثلة فى الشخصيات التى تساعد عن بعد دون أى تدخل مباشر مع المغتصب.
وتشير الدراسة إلى أن المغتصب تعتريه شهوة وقتية بصرف النظر عن نتائجها يصبح فى حالة نفسية وعقلية مغيبة تماما عن الوعى تدفعه لاختلاق أفعال شيطانية للحصول على غرضه ومنها التخطيط للخطف أو التحايل والإغواء … كما تظهر رفض المجتمع اليونانى وكذلك كل الحضارات الإنسانية لهذه الجريمة النكراء وضرورة تشديد عقوبتها وضرورة إغاثة من تتعرض للاغتصاب مع حرص المجتمع على منع هذه الجرائم بشتى الوسائل.