Al Masalla-News- Official Tourism Travel Portal News At Middle East

جانبى طويل
جانبى طويل

الصوم والصيام … بقلم د. محمد الحريرى

الصوم والصيام

بفلم الدكتور محمد الحريرى

مما لا شك فيه أن أي كلمة في كتاب الله تعالى قد وضعت بقدر، ومن المستحيل أن تنوب عنها أي كلمة أخرى، وعلى سبيل المثال كلمتا:
"الصيام" وكلمة "الصوم" إذ لا ترادف بينهما ألبتة، هذا في كتاب الله تعالى، أما في كلامنا الدارج فلا فرق بين المفردتين، ومن حاول إرغام الناس العامة على التمييز بينهما في حديثه فقد دخل في باب من أبواب التنطع!

قال تعالى: ((يأيها الذين ءامنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون)) سورة البقرة 183، وقال جل وعلا في مكان آخر مخاطبا سيدتنا البتول مريم عليها السلام: ((فقولي إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا )) مريم 26.

وجاء في مختار الصحاح للرازي: (مادة ص و م): قال الخليل الصوم قيام بلا عمل والصوم أيضا الإمساك عن الطعم وقد صام الرجل من باب قال و صياما أيضا وقوم صوم بالتشديد و صيم أيضا ورجل صومان أي صائم و صام الفرس قام على غير اعتلاف وصام النهار قام قائم الظهيرة واعتدل و الصوم أيضا ركود الرياح وقوله تعالى (إني نذرت للرحمن صوما)، قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما صمتا وقال أبو عبيدة كل ممسك عن طعام أو كلام أو سير فهو صائم، وخير الكلام ما سمعته من سيدي الوالد ، سماحة الشيخ راشد الحريري رحمه الله، بعيد عن التقعر والتنطع: الصيام هو الفريضة التي افترضها الله تعالى على المسلمين، وكانت مفروضة على الأمم الأخرى فانحرفوا عنها وهي الإمساك عن شهوتي البطن والفرج من الفجر إلى المغرب مع نية التعبد لله تعالى، أما الصوم فهو الإمساك بالمطلق، ومنه عدم الكلام وما شابه ذلك، والله أعلم.

 

ومعجميا، في لسان العرب: الصوم ترك الطعام والشراب والنكاح والكلام، صام يصوم صوما وصياما واصطام ورجل صائم وصوم من قوم صوام وصيام وصوم بالتشديد وصيم قلبوا الواو لقربها من الطرف، وصيم عن سيبويه كسروا لمكان الياء وصيام وصيامى (والأخير نادر) وصوم وهو اسم للجمع وقيل هو جمع صائم وقوله عز وجل: ((إني نذرت للرحمن صوما)) قيل معناه صمتا ويقويه قوله تعالى: ((فلن أكلم اليوم إنسيا)) وفي الحديث قال النبي صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى (في الحديث القدسي): (كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به)، قال أبو عبيد: إنما خص الله تبارك وتعالى الصوم بأنه له وهو يجزي به وإن كانت أعمال البر كلها له وهو يجزي بها لأن الصوم ليس يظهر من ابن آدم بلسان ولا فعل فتكتبه الحفظة ، إنما هو نية في القلب وإمساك عن حركة المطعم والمشرب يقول الله تعالى فأنا أتولى جزاءه على ما أحب من التضعيف وليس على كتاب كتب له ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم ليس في الصوم رياء قال وقال سفيان بن عيينة الصوم هو الصبر يصبر الإنسان على الطعام والشراب والنكاح، ثم قرأ قوله تعالى: ((إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب)) سورة الزمر 10.

وجاء في التهذيب: الصوم في اللغة الإمساك عن الشيء والترك له وقيل للصائم صائم لإمساكه عن المطعم والمشرب والمنكح وقيل للصامت صائم لإمساكه عن الكلام وقيل للفرس صائم لإمساكه عن العلف مع قيامه والصوم ترك الأكل قال الخليل والصوم قيام بلا عمل قال أبو عبيدة كل ممسك عن طعام أو كلام أو سير فهوصائم والصوم البيعة ومصام الفرس ومصامته مقامه وموقفه وقال امرؤ القيس:

  كأن الثريا علقت في مصامها === بأمراس كتان إلى صم جندل
فكأن الصوم هو الامتناع عن حالة الشيء العادية المألوفة بالنسبة له، ويؤيد منحانا هذا متابعة صاحب التهذيب كما أوردها ابن منظور، ولنتابع:

ومصام النجم معلقه، وصامت الريح ركدت والصوم ركود الريح وصام النهار صوما إذا اعتدل وقام قائم الظهيرة قال امرؤ القيس:

  فدعها وسل الهم عنك بجسرة === ذمول إذا صام النهار وهجرا
وصامت الشمس استوت، وصامت الشمس عند انتصاف النهار إذا قام ولم تبرح مكانها وبكرة صائمة إذا قامت فلم تدر (على غير عادتها المألوفة) قال الراجز:

شر الدلاء الولغة الملازمه === والبكرات شرهن الصائمه
يعني التي لا تدور، فهي ممتنعة عما ألفه الناس فيها ومنها!

وبناء على ماتقدم فليس من المنطق اشغال العامة بالتفريق بين (الصيام) و (الصوم) فهذا ينفرهم من الدين، ويبدو المتكلم بينهم كمن يتلفظ بالطلاسم، أو يلوك المفردات لوكا أو يجترها اجترارا مقيتا تمجه مسامع العقلاء …

نعود ونكرر أن الصيام إشارة للعبادة، الركن الرابع من أركان الإسلام، أما الصوم فهو الامساك بالمطلق، إمساك المرء أو الأشياء عوماعما ألفناه منها:

امتناع البكرة عن الدوران، والخيل عن العلف، و المرء عن الكلام والصخرة عن تسريب المياه …… كل هذا صوم، امساك وامتناع بالعام المطلق كما يقول الأصوليون.

إن مناسبة هذا الحديث في الشهر الفضيل، هو كثرة الاتصالات الواردة إلي من الأخوة الباحثين والمهتمين، عن بعض الفروق التي يدندن فيها وحولها بعض المتمجهدين، دون أن يشبعوها بحثا أو أمثلة، فيتركوا القارئ في حيرة من أمره، ظنا منهم أنهم يحسنون صنعا، وهم في الواقع يبعدون النجعة، ذاهلين عن مرامي البحث العلمي في علم الدلالة وفقه الجذور، وأهمها تبسيط اللغة، والابتعاد بها عن الحوشي من اللفظ والمعنى، والبعد أيضا عن علك اللغة وأساليب التقعر والتنطع وحب الظهور، أقصد ظهور المتمجهد بما ليس فيه، فيبدو كلابس ثوبي زور، ،، وقديما قيل: "من لا يفهم فلن يفهم"!

وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم والحمد لله رب العالمين.

 

نبذة عن الكاتب

مقالات ذات صله