Al Masalla-News- Official Tourism Travel Portal News At Middle East

الشناشيل البغدادية .. طراز معماري وإرث حضاري مهدد بالفناء

الشناشيل البغدادية .. طراز معماري وإرث حضاري مهدد بالفناء

بغداد " المسلة " …  طراز معماري لطالما ميز العاصمة التي اهدت اسمها لهذه الشرفات فأصبح يطلق عليها (الشناشيل البغدادية ) بعد ان أفلح الاسطوات البغداديون قبل عقود طويلة مضت بجعل مزيج من الطابوق والجص والخشب يصمد لمئات السنين الا ان تلك المنازل التي لا تقدر قيمتها التاريخية بثمن دفعت ضريبة الاهمال من قبل ساكنيها والجهات الحكومية لتتحول الى اشياء لا تمت للتراث بصلة، فقد راحت ضحية لعمليات نصب واحتيال واستغلال لثغرات في القانون من أجل هدمها على الرغم من امتدادها في شوارع بغداد لاسيما القديمة منها مثل شارع الكفاح وشارع الشيخ عمر والخلفاء والبتاويين والكاظمية والاعظمية والشواكة والكريمات وصولا الى شارع الرشيد الذي مازالت بيوته تنتظر من يعيدها الى سابق عهدها، فيما تحولت الكثير من هذه المنازل الاثرية الى مقار تابعة لدوائر حكومية أو استغلتها جهات غير معروفة!.

 

شناشيل بغدادية

في ( درابين) شارع الرشيد، كما تسمى الضيقة الملتوية، لم يبق في تلك الأزقة القديمة سوى بيوت ذات جدران متهرئة تعلوها سقوف ظاهرة على الشارع او ما يعرف بالشرفات (بالكونات ) ونوافذ خشبية تكاد تسقط على المارة واخرى عبارة عن بقايا بيوت مهدمة مملوءة بالازبال, وضعها الحالي مهدد بالفناء، ومحلات وأزقة وبيوت متناثرة على امتداد شوارعها ومازال أصحابها يعيشون فيها وعلى الرغم من إهمال الحكومة وساكنيها الا أن القليل منها بقيت صامدة تتطلع إلى وزارة الآثار والسياحة وأمانة بغداد ووزارة الثقافة لانتشال هذا الصرح الحضاري الأصيل من الاهمال ومن استغلال أصحاب النفوس الضعيفة الذين يتحايلون على القانون للتصرف بها بطرق غير شرعية.

والكثير من المواطنين الذين حالفهم الحظ في السكن في هذه البيوت التي أثارت إعجاب المبدعين المعماريين في العالم يصفونها بالنقمة التي لايستطيعون التخلص منها، إذ يقول عماد محمود موضحا: إن أمعنت النظر في هذه المنازل ستجد انها عبء على ساكنيها وليس هناك من يزيح عنها غبار الزمن، فالحكومة مازالت تعدها إرثا لطالما أثار إعجاب السياح الأجانب الا انها بالمقابل لم تعرها اي اهتمام، بالتالي عمل البعض على الافادة منها سرا وبعيدا عن الأنظار وجعلها مخازن للبضائع ،وأخرى أجريت عليها بعض الأعمال كاغراقها لتتهدم من اجل الحصول على رخصة قانونية لبيعها او اعادة بنائها وفق الطراز الحديث!

 

نصب واحتيال

ويقول المواطن عامر يوسف (45) عاما: هناك قوانين صارمة مفروضة من قبل الدولة في حال التصرف او التجاوز على هذه البيوت وان كانت من قبل مالكيها لأنها تعد إرثا حضاريا، ولكن هذا الأمر لا يبدو صعبا لبعض ضعاف النفوس الذين لا تهمهم القيمة التاريخية فيسعون بمختلف الطرق لهدمها او تغيير طرازها، لذلك هناك من جعلها تنهار بصورة طبيعية، إذ يقوم أصحابها باغراقها بالمياه وتركها لفترة من الزمن ، هناك من يجعل البيوت التراثية تنهار بصورة طبيعية فتتهاوى نتيجة الرطوبة، وبذلك تتم إزالة القيود المفروضة من قبل الحكومة والجهات المختصة على عملية التصرف بها وتصبح إعادة بنائها حقا من حقوق مالكيها نتيجة اندثار معالمها.

وفيما يشير فوزي الاتروشي وكيل وزير الثقافة إلى أن هناك مشاريع أعمار قائمة للبيوت التراثية ، لذلك فأن أي تجاوز من قبل مالكيها تحت أية ذريعة كانت غير مقبولة وتتم محاسبتهم قانونيا، ويدعو الاتروشي أصحابها الى عدم استغلال اية ثغرات قانونية لجعلها ملكاً شخصياً أو التجاوز عليها .

يرى المواطن داود سلمان (59 عاما) عكس ذلك، وبنبرة تكاد لاتخلو من الحزن العميق يتحدث عن تلك المنازل قائلا : على الرغم من الصعوبات التي واجهتها وانا أسعى للحفاظ على هذا التراث الذي يذكرني بطفولتي، إلا إنني بمرور الوقت وصلت إلى قناعة تامة انه يجب علي تركه او بيعه، وذلك لان عملية إدامته والحفاظ عليه يحتاج إلى مبالغ مالية من الصعوبة الحصول عليها، وأنا رجل متقاعد، وفضلا عن ذلك ليس هناك دعم مالي من قبل الدولة للحفاظ عليه أو الافادة منه، لذلك أتوجه وكل أملي بان تكون هناك حلول جذرية لهذه المنازل من قبل من يهمهم الأمر قبل ان اخسر ارث اجدادي القديم .

ويوضح مدير اعلام امانة بغداد حكيم عبد الزهرة أن هذه المنازل بدأت تشكل عبئا على أصحابها لعدم الافادة منها ، لذلك هناك خطوة فعلية لإعادة ترميمها ألا أن هذا الأمر يحتاج إلى تكاليف ورصد أموال كثيرة جدا، ويضيف أن هناك عدة حلول أولها ترميم شارع الرشيد وواجهاته عبر تقسيمه إلى عدة سنوات، أو ان تتبنى امانة بغداد شركة مساهمة من اجل تطوير هذه المنطقة وأصحابها يتحملون التكاليف التي ستقوم بها امانة بغداد أو ان يدخلوا مالكيها باسهم بين الأمانة والقطاع الخاص لتطويرها، ويؤكد عبد الزهرة ان الحل الامثل هو أن تستملكها امانة بغداد من مالكيها لغرض الافادة منها وتطويرها او تحويلها الى متحاف او مطاعم اثرية كما هو موجود في دول العالم لكن هذا الامر يتطلب تخصيصات مالية كبيرة جدا في الوقت الراهن .

 

مناشدة حكومية

لا تزال أم علي (71)عاما متعلقة بذلك البيت القديم المتهرئ وذكرياتها المرسومة على جدرانه، فهو ارث اجدادها وتاريخهم، لكنها لم تستطع كبت مخاوفها من ان يتحول ذلك الارث الى كارثة كبيرة، فعمر هذا البيت القديم يناهز الـ 300 عام وكانت عائلتها واجدادها يسكنون فيه، لكنه تحول الى بقايا ركام بسبب قدمه والاضرار الاخرى الناتجة عن التفجيرات والاهتزازات التي ترافقها ، وعلى الرغم من ان القانون لايجيز لها هدمه لإعادة بنائه أو بيعه، فانها لا تجد أمامها سوى مناشدة الحكومة لترميم البيت والحفاظ على ما تبقى من ذلك التاريخ .

ويقول المهندس محمد هادي ان الكثير من اسطوات بغداد القدامى ومنهم الاسطة عبد الهادي والاسطة عبد الجبار محمد، كما يروي الأجداد وكبار السن، هم الذين قاموا ببناء هذه الشناشيل لتتميز بالجمال والدقة المتناهية فضلا عن ملحقاتها الأخرى كالأبواب والشبابيك و(الحوش) وهي الفسحة التي تتوسط تلك المنازل بالإضافة إلى السراديب الموجودة التي كانت تستخدم لخزن المؤن.

ويشير هادي إلى ملاءمة مواد بناء البيوت البغدادية القديمة المكونة من (الجص) والطابوق (الفرشي) ومراعاتها لطبيعة المناخ فهي باردة في الصيف في اوقات لم تكن هنالك مبردات أو وسائل تكييف، واما السقوف من الداخل فتكون مرتفعة و تطل الطوابق العلوية على الازقة أو الشارع ليستطيع أفراد كل عائلة متابعة ما يجري من الحياة اليومية وما تتخلله من افراح واحزان، وتخلق كذلك فرصة للاطلاع على أوضاع البيوت الملاصقة لها.

كما اشار سليم عون الباحث في التاريخ في وقت سابق إلى أن بغداد من أهم المدن في العالم التي تحتوي على أماكن تراثية وحضارية كثيرة ، وتعد " كنوزاً لا تقدّر بثمن " ويضيف " أن الأهمية التاريخية والأثرية تنطلق من كون هذه الأماكن والبيوت التراثية تمتد على مساحات واسعة من مدينة بغداد القديمة وعلى جانبي الكرخ والرصافة، ويعود تأريخ انشاء بعضها إلى بدايات العصر العباسي أو إلى العصر العثماني وكذلك إلى العصر الحديث ".

وللمتخصصين الأجانب رأي في المنازل المعمارية لاسيما تلك التي تقع في شارع الرشيد إذ شددت الدكتورة سيليسيا بيري المتخصصة في تاريخ المدن والأستاذة في دار التراث في باريس على ضرورة الحفاظ على هوية شارع الرشيد التراثية والعمل على إدامة وصيانة العمارة التي تميز بها وضرورة ان تأتي المباني وأعمال التحديث والتجديد في اطار فن العمارة التي عرف بها الشارع منذ مطلع القرن العشرين.

وأكدت الدكتورة سيليسيا بيري في محاضرة القتها في المركز الثقافي الفرنسي ببغداد عقدت تحت عنوان (فن العمارة الحديث ارث وهيبة) ضرورة ان تتمسك الشعوب بتراثها وعطائها الحضاري وتحافظ عليه سواء كان ماديا ام فكريا ومن هذا العطاء طبيعة ونوع المباني التي ينبغي ان لا تغرق وتختفي في تيار التحديث والتجديد الذي تشهده المدن.
 

صوت العراق
 

نبذة عن الكاتب

مقالات ذات صله