Al Masalla-News- Official Tourism Travel Portal News At Middle East

جانبى طويل
جانبى طويل

رحلة إدراج أهوار وآثار العراق على لائحة التراث العالمي

بغداد ….. قبل أن تشتعل مواقع التواصل الاجتماعي بالتهاني والتبريكات بإدراج أهوار العراق ومدنه الأثرية على لائحة التراث العالمي، كانت اللجنة المكلفة بحضور اجتماعات «اليونسكو» تترقب الدقائق والثواني بانتظار الإعلان التاريخي عن ذلك الحدث، فقد كانت مهمة هذه اللجنة تكليل خمس سنوات من الجهود التي بذلتها مختلف المؤسسات الرسمية والشعبية داخل العراق وخارجه من أجل قطف ثمار تأخر قطافها سنوات عديدة.


لم يكن الحدث مفاجئا، فقد أفنت أغلب الوزارات العراقية الكثير من الوقت في سبيل تحقيق ذلك الحلم المنشود الذي صار حقيقة بعد أن كان أملا يمكن تأجيله، إن لم نقل إحباطه، لا سيما مع الانقلاب العسكري الفاشل في تركيا الذي أجل عقد الاجتماعات لعدة أيام.ويقول المتحدث الرسمي لوزارة الثقافة عمران العبيدي: «يعد التصويت على إدراج الأهوار الأربعة (هور الحمار الغربي وهور الحمار الشرقي والأهوار الوسطى والحويزة) والمواقع الأثرية (أور وأريدو والوركاء) على لائحة التراث العالمي والذي حصل مؤخرا في اجتماع اليونسكو في اسطنبول المنعقد للمدة من 10-21 تموز الحالي، إنجازا عراقيا مهما في هذا الظرف الحساس للعراق وهو استحقاق تاريخي للعراق نظرا لما يمتلكه من إرث حضاري كبير يمتد لآلاف السنين» بحسب صوت العراق والصباح.


«عاش العراق»، العبارة التي أطلقها الوفد العراقي في اسطنبول كانت أول ترحيب بالقرار، بعدها تناقلت وسائل الإعلام الخبر، ليصبح حديث العراقيين ومحبي العراق على مواقع التواصل الاجتماعي، وسرعان ما ازدانت صفحات عشاق العراق بصور الأهوار محاطة بالورود والقلوب تعبيرا عن الفرح الغامر بالقرار التاريخي، وردا على تلك السنوات السوداء التي جفف فيها النظام المباد الأهوار فدمر ثرواتها وسلبها طهارة طبيعتها وشتت أهلها في كل مكان.


ويرى الدكتور عبد الأمير الحمداني المختص بالآثار «ان ضم الأهوار الى قائمة التراث العالمي يعد إنجازا وطنيا لا يخص محافظة واحدة فقط، وإنما يخص العراق بأكمله، ومن المؤسف اننا لم نقم بتسجيل مواقعنا الأثرية والطبيعية على لائحة اليونسكو في وقت مبكر، لا سيما ان العراق يضم الآلاف من هذه المواقع المميزة وقد تعرض بعضها الى عمليات نهب وسلب وسرقة، فجذور الأهوار، على سبيل المثال، تمتد إلى أعماق الحضارات العراقية القديمة وان تسجيلها ضمن التراث العالمي جاء بما تملكه من أدلة أثرية مدونة تثبت بشكل قاطع أهمية العراق، فالأهوار عهد إنساني متواصل ومتناسق منذ بدايات خلق البشرية، ولذلك قدر المجتمع الدولي تماما أهمية هذه المواقع».

 

تضافر الجهود

ويقول مدير عام دائرة التوعية والإعلام البيئي في وزارة الصحة والبيئة والمشرف على الحملة الإعلامية بإدراج اهوار وآثار العراق على لائحة التراث العالمي أمير علي الحسون: «ما سجل على لائحة التراث العالمي وما صوت عليه عدد ليس بالقليل قياسا بالدول الكبرى وما تحمله من نوادر طبيعية ولكن هذا التصويت لم يشمل كل الأهوار العراقية، فبعض المواقع لا تزال تحت الرعاية الحكومية والتي تسعى وزارة الصحة والبيئة والحكومة العراقية الى أن تكون من ضمن المناطق المشمولة بالرعاية الأممية لليونسكو».


ويضيف العبيدي: «لقد تم هذا الإنجاز بتضافر جهود جميع الجهات السياسية والشعبية التي أسهمت في إعداد الملف الخاص بهذه المواقع ابتداء من رئاستي الجمهورية والوزراء ووزارة الثقافة والسياحة والآثار ووزارة البيئة ووزارة الخارجية والحكومات المحلية والعديد من المنظمات، فخلال المدة الأخيرة تم تكثيف الجهود في مقر وزارة الثقافة حيث التقى وزير الثقافة فرياد رواندزي سفراء العديد من الدول المعنية لحثهم على التصويت لصالح الملف وتم تسليمهم ملف الأهوار لغرض دعم طلب العراق في هذا المجال».


ويقول الناشط ليث سهر (عضو اتحاد الأدباء وجمعية المترجمين العراقيين) ومطلق حملة ضم الأهوار الى التراث العالمي: «بدأت حملتنا على «الفيس بوك» في منتصف شهر أيار الماضي باطلاق هاشتاغ (# أور – أريدو- أوروك- الأهوار- تراث- عالمي) باللغة العربية و (#Ur_Uruk_Erido_Marshes_are_National_Heritaqe) باللغة الانكليزية، وقمنا بصناعة حدث على «الفيس بوك» لدعم ملف إدراج أهوار العراق والمدن التاريخية على لائحة التراث العالمي، وشاركت بالحملة في البداية مجموعة شباب من مدينة الناصرية، وسرعان ما انضم إليها الكثير من شباب المحافظات الأخرى، بعدها توسع نشاطنا فخاطبنا كبار المدونين على «فيس بوك» و»تويتر» من الصحفيين والأدباء والكتاب حتى وصل الأمر في آخر مراحله الى الذروة بالكتابة الى رئيسة اليونسكو السيدة الن الكوفا عبر حسابها الرسمي، والكتابة الى القناصل والسفراء الأجانب في العراق، وكان للصحف العراقية والعربية دور إيجابي ايضا بالتعاون مع الحملة، والأمر الآخر المهم هو اننا عملنا على موقع «avaaz» الخاص بكتابة الطلبات للأمم المتحدة فكتبنا مذكرة وقع عليها عشرون ألفا خلال فترة قصيرة وهو عدد ضخم جدا».


حماية دولية

ويؤكد العبيدي: «كان الملف متميزا كونه يجمع بين الإرث الطبيعي وهي المسطحات المائية، والآثاري المتعلق بالمواقع الآثارية، وتضم الاهوار تنوعا احيائيا فريدا ولقد حافظت على وضعها وشكلها منذ آلاف السنين»، مبينا أن «ضم الأهوار والمواقع الأثرية الى لائحة التراث العالمي سيجعل الحفاظ عليها أمرا دوليا يخص العالم أجمع بعدما تعرضت تلك الأهوار الى عمليات التجفيف المستمر، ومن المؤمل أن يسهم ذلك في ضمان تدفق المياه الى هذه الأهوار، ما يساعد على تنمية التنوع الاحيائي الموجود في المنطقة ويساعد على التنمية الاقتصادية وكذلك الاستفادة من الخبرات الدولية في مجال تطوير البنى التحتية وتحويلها الى مناطق سياحية وضمان إقامة مشاريع تنموية، وهذا يعتمد في الأساس على قدرة العراق على توظيف الأموال اللازمة لهكذا مشاريع وكذلك سيترتب عليه إسهام اليونسكو في تدريب وتطوير الكوادر العراقية العاملة في هذه المجالات».


ويتمنى العبيدي «ألا يتوقف الأمر عند حدود التصويت بل يتعداه الى الاهتمام بهذه المواقع وان يستمر الحضور العراقي في تسجيل باقي المواقع على لائحة التراث العالمي، إذ إن العراق يمتلك أربعة مواقع سابقة تم إدراجها على لائحة التراث العالمي وهي الحضر ومدينة آشور وسامراء الأثرية وقلعة أربيل، وعلى العموم ان هذا الحضور لا يتناسب مع عمق العراق الحضاري وما يتمتع به من مواقع أثرية وطبيعية تمتلك المعايير الخاصة بالتراث العالمي»، مشيرا إلى أن «هنالك ملفات عديدة تنتظر الإعداد من أجل تقديمها ومنها ملف مقبرة وادي السلام ومدينة بابل الأثرية وملفات أخرى نأمل نجاح العراق في ضمها الى لائحة التراث العالمي».


وعن فوائد الإدراج يقول الحسون: «فضلا عن استفادة أهوار العراق بالتزامات من دول الجوار والذي سيمنع أية دولة أن تتجاوز الحدود فهي برعاية أممية؛ أي ان الأسرة الدولية هي الجهة الحاكمة على تصنيف كل قوانين العملية تجاه البلدان على وجه الكرة الأرضية والملتزمة ضمن ميثاق الأمم المتحدة، وتم القضاء على عملية الظلم الذي مر به العراق من قبل الإدارة التركية لحصة الماء لدجلة والفرات، بالتالي سوف ترصد من قبل المنظمة الدولية وستكون أداة ضاغطة على الإدارة التركية سياسيا وحكوميا وأمميا في سبيل ان تلتزم بالحصص المائية التي تصل الى العراق».

 

مقومات النجاح

ويضيف الحسون: «تم تفعيل ملف الأهوار ومدنها التاريخية والعمل على إعداده منذ خمس سنوات، وتعاقبت عليه إدارات ووزراء، وكان ملفا شائكا ومعقدا، ومر بمجموعة من المراحل، وكان هناك تواصل مستمر بين الجهات الفنية واللجان المشرفة من قبل اليونسكو في آراء متبادلة خلال السنوات الماضية وعمل شاق ومراحل صعبة لربما لم يستطع الإعلام تداولها».


ويضيف الباحث الآثاري عبد الأمير الحمداني: «في البداية، وعلى المستوى الفني لم يكن يتوقع وجود اهتمام دولي بهذه المواقع من ناحية الصيانة والتنقيب والاستكشاف، ففي أور كانت هناك حملة دولية للكشف عن الآثار امتدت ما بين 1922 – 1932، ومنذ العام 1990 توقفت غالبية تلك الإجراءات، وفي العام الماضي، وبعد قطيعة طويلة تم التعاون مع خمس جامعات أميركية، وهذا ما شجع على إعادة التفكير مرة أخرى بفتح باب التعاون العلمي بين العراق ومراكز البحوث الأوروبية، وسيمهد وضع مواقعنا على اللائحة على جذب بعثات دولية ووطنية وسيشجع على إجراء أعمال الصيانة، ومواصلة عمليات التنقيب والاستكشاف والبحوث العلمية وهناك أشياء أخرى على المدى البعيد».


ويوضح الحسون «لكننا كمؤسسة كنا نمتلك هذه المعلومات بالكامل ولاقينا إعجابا كبيرا من قبل منظمة اليونسكو للطريقة الفنية التي أعد بها الملف فشكل الملف وعملية إعداده عدها الباحثون والمختصون في الأمم الدولية من أفضل الملفات التي تم إعدادها من قبل خبراء عراقيين نفتخر بهم، ورافق ذلك جهد حكومي نستطيع أن نفتخر به من خلال هذا المنجز، فالاتفاق أفضى الى التزامات الحكومة العراقية في ما يخص الأهوار التي تشمل وزارة البيئة والموارد المائية، أما الآثار فتشمل وزارة الثقافة والآثار والسياحة، وهناك التزامات تخص المنظمة الدولية الراعية في أن تمتلك هذه الأماكن مواصفات جودة عالية، فإدراج هذه الأماكن يعني انها سوف تحصل على أعلى درجات الإدارة المالية والتراثية والهيكلية التي تشمل مضمون هذه الأماكن النادرة التي ستكون برعاية دولية وبالتالي سيتحقق الكثير من الأمور الايجابية التي تنعكس على البلد الذي يضم عددا من الأماكن النادرة على لائحة التراث من الجانب العمراني والسياحي».


ويختتم الحسون حديثه قائلا: «يستحق هذا الإنجاز الوطني المزيد من الفرح ويستحق منجزوه كل الثناء والشكر باعتبارهم جنودا أوفياء لهذا البلد بدؤوا بمشروع كبير انتهى بنجاح أكبر».


ويتحدث الناشط ليث سهر عن أهمية مواقع التواصل الاجتماعي موضحا: «انها وسيلة فعالة للتضامن الاجتماعي بين العراقيين، ويجهل الكثير من الأشخاص أهمية وقيمة ضم الأهوار الى قائمة التراث العالمي لليونسكو، لكننا كمجموعة من الناشطين كان لنا دور كبير، إذ عبرنا عن الوعي الاجتماعي للناس، وأوضحنا لهم ان هذه القضية مهمة جدا وحساسة ولها ايجابيات من الناحية السياحية والقيمية، وواحدة من هذه الفوائد التي لمسناها في هذه الحملة هي زيادة وعي الناس بمختلف اعمارهم، واعتقد ان مواقع التواصل الاجتماعي من اقوى وسائل الاعلام والتوعية كونها تصنع رأيا عاما يسمع بسهولة عبر «هاشتاكات» ومنشورات قصيرة عبر حملات سرعان ما تتناقلها صحف العالم ايضا، والدليل على ذلك ما قالته احدى الصحف العالمية بأن العراقيين هزموا «داعش» على الفيس بوك بمجرد نشرهم منشورات و»هاشتاكات»، ولذلك يتطلب من المستخدم العراقي ان يستخدم الفيس بوك بطريقة صحيحة بعيدا عن الاساليب السطحية من خلال متابعة مدونين محترمين يمكن الاستفادة منهم».

نبذة عن الكاتب

مقالات ذات صله