تأملات
سعيد جمال الدين يكتب .. التحرش ينهش جسد مصر
بقلم : سعيد جمال الدين
تقاس الأمم وتقدمها بالأخلاق وللأسف رغم أن مصر لها تاريخ وتعاقبت الحضارات عليها إلا أننا مازلنا وسنظل نعانى من سوء تعامل بعض الأشخاص مع الفتيات والسيدات بشكل أساء إلى الأخلاقيات التى كانت وكنا نتباهى بها أمام العالم من شهامة ورجولة ولاد البلد الجدعان فى الدفاع عن المرأة أيا ما كانت .. إن ما حدث فى ميدان التحرير سواء خلال إحتفالات إعلان فوز المشير عبد الفتاح السيسى فى الإنتخابات الرئاسية أو خلال إحتفالات تنصيبه رئيساً للجمهورية جدد أوجاع مصر كلها ..
وجعلنا نشعر بمدى الخزى والعار من أن شباب ورجال فعلوا هذه الجريمة الشنعاء فى وسط ميدان وللأسف الشديد أمام رجال لم فقدوا رجولتهم حينما شاهدوا هذا المنظر من تحرش وإغتصاب لفتاة وهو يضحكون ومنهم من أكتفى بأن يفتح عدسة كاميرا الموبايل ليصور المشهد المقزز وهو يضحك ضحكة الجبناء ..أية رجولة يمكن وصف هؤلاء الجبناء .. إن هذه الجريمة البشعة فتحت جرح قرب أن يندمل من أن مصر يتم تصنيفها فى المرتبة الثانية بين دول العالم فى التحرش الجنسى بعد أفغانستان .. وهذا يدل على أن الأخلاقيات التى كانت تتميز بها مصر المحروسة قد ولت وعفا عليها الزمان وتبدلت بما هو أسوأ لقد هالنى وشعرت بقشعريره فى جسدى وأنا أشاهد المنظر المؤسف للتحرش ولسانى يدعوا على مرتكبيها بأن يكون عقابهم فى وسط الميدان كما فعلوا جريمتهم النكراء ..
إن التعمد الواضح من قبل هؤلاء المتحرشون إرتكاب جريمتهم والصمت الرهيب من قبل المحيطين بهم ووقوفهم موقف المتفرج " يقول على مصر يا رحمان يارحيم " فلم تعد نخوة ولا شهامة ولا جدعنة فى المستقبل الذى نضع إيدينا على قلوبنا من تخوفنا عليه .. فهؤلاء الشباب المرتكب هذه الفعلة لم يتذكروا أن لهم أخت أو أم أو أبنة يمكن أن ترتكب معهن هذه الجريمة فغاب العقل عن المنطق .. وهو ما ينذر بخطر يهدد مصر فى المسقبل وعدم قدرة أبنائها فى الذود عنها .
لقد أصبحت ظاهرة التحرش الجنسي من أكثر الظواهر والسلوكيات التي ترهق الأسر المصرية ومنظمات المجتمع المدني المدافعة عن حقوق المرأة، خاصة مع اقتراب المناسبات والأعياد التي ترتفع فيها وتيرة هذه السلوكيات والتي تضع النساء على أختلاف أعمارهن هدفاً للتحرش المصحوب بالبلطجة دون أي رادع أخلاقي كان أو قانوني.
والغريب أن التحرش اتخذ العديد من الصور فهناك التحرش يتم بالمغازلة الكلامية، وآخر باللمس، ومنه ما يتم من خلال المحادثات التليفونية، أو الرسائل عبر الهاتف المحمول أو الإنترنت أو الرسائل المكتوبة… وقد جاءت أحدث إحصائيات وزارة الداخلية، مشيرة ً إلى أن التحرش الجنسي بالمرأة يمثل 13 %ة من الجرائم بعد أن كانت تمثل 6 % في وقت سابق.. بينما ذكرت دراسة للمركز المصري لحقوق المرأة أن 62 % من الرجال اعترفوا بالتحرش الجنسي بالنساء، وأن 83 % من النساء اللواتي شملتهن الدراسة يتعرضن للتحرش بشكل يومي، مع الإشارة إلى أن التحرش الجنسي بالنساء بات ظاهرة وحقيقة في مصر ولا يمكن تجاهلها.
ونعترف أن مصر شهدت خلال السنوات الماضية زيادة واضحة في معدلات التحرش الجنسي بالنساء خلال بعض المناسبات العامة والأعياد في الميادين العامة والمتنزهات ومترو الأنفاق وأمام دور السينما.وقد أعتقد البعض أن هذه الظاهرة السيئة كانت في البداية قاصرة على العاصمة المصرية، فإذا هي منتشرة كالنار في الهشيم داخل مجتمعات مصرية في الأقاليم والمحافظات، حتى تطلبت ضرورة تدخل الدولة، إلى جانب المبادرت الأهلية التي تعمل على مواجهة الظاهرة جتماعيا وقانونيا بتقديم المتورطين إلى المحاكمات وتطوع عدد من المحامين لمساعدة النساء اللواتي يتعرضن للتحرش.
وواجبنُا اليومَ الخروجُ من حالاتِ الخوفِ والصمتِ والترددِ ومناقشةِ موضوعِ التحرشِ الجنسيِ, وعرضهُ على العلنِ كي لا يبقى وزراً تتحملُه المرأةُ بصمتٍ, خوفاً من الفضيحةِ وتلويثِ السمعةِ, وكلُّ ذلك بسببِ أصابعِ الاتهامِ وأحكامِ المجتمعِ القهريةِ التي ستشيرُ إليها في الدرجةِ الأولى وتُلقي اللومَ عليها متذرعين بمختلفِ الذرائعِ. فالظلمُ الاجتماعيُ والتحرشُ الجنسيِ بكل أشكالهِ هو من أبشعِ صورِ الانتهاكِ لحقوقِ المرأةِ وكيانِها. ويجبُ العملُ على الخروجِ من نفقِ التخلفِ الاجتماعيِ المظلمِ, الذي يجعلُ من مناقشة ظاهرة التحرشِ الجنسي, الذي يمتهنُ كرامة المرأة “تابوهاً” محرماً. وأكبرُ دليلٍ على تحريمِه هو قلةُ البحوثِ والقوانينِ التي تخوضُ هذا الموضوعَ أو تختصُ به .
إن من أسباب انتشار ظاهرة التحرش الجنسي بالمرأة, تعود إلى سلبيتها وتجنبُها الحديث أو الإبلاغ عن تعرضِها للتحرشِ الجنسيِ, الذي قد يعتبرهُ البعضُ موافقة ضمنية منها, وهذا من شأنِه أن يضيّق الخناق عليها ويفاقم مشكلاتها ويعمل على انتشارها والتمادي فيها. كما أن خشية المرأة من فقدانِ عملِها, يجعلُها تتحملُ كل ما يصيبُها من أذى نفسي ومعنوي ومادي وكل ذلك في ظلِّ حاجتِها إلى المال والوظيفة, أو قد يؤدي إلى انهزامها وتخليَها عن عملِها وعودتها إلى بيتِها رغبةً منها في حمايةِ نفسِها, فقد تولّدُ عمليةُ التحرشِ الجنسيِ بها إلى انعدامِ ثقتِها في الآخرِ, وانتفاءَ شعورِها بالأمنِ والأمان الشخصيِ والنفسي. وأخطر هذه الأسباب هو عدمُ وجودِ نص قانوني خاص يحمي المرأةَ وينصفُها, بالإضافة إلى عجزها عن إثباتِ تعرُضها للتحرشِ الجنسيِ, وشعورها الدائم بكونِها كائناً ضعيفاً, يتقهقر أمامَ الرجل.
لذلك يجب العمل على إيجاد حلول جذرية من شأنها أن تحمي المرأة, منها على سبيل المثال, إقامة دورات توعوية تشمل كلاً من الجمعيات الاجتماعية والمؤسسات والشركات والجامعات والمدارسِ, ويكونُ هدفُ هذه الدوراتِ, غرسَ فكرةِ أن المرأة كائن قوي قادر على الدفاعِ عن نفسهِ وعن كرامته, وتُدربها على سرعةِ التصرفِ والمواجهةِ, وتشجعُها على الإبلاغِ عن أفعالِ التحرشِ, ورفعُ مستوى الوعيِ لديها بأشكالِ التحرشِ وأنواعه والإضاءة عليه, ليتحول دورها من الصامت السلبي إلى الفاعلِ الإيجابي, بالإضافة إلى تأسيسُ مراكز خاصة تستطيعُ المرأةُ اللجوءَ إليها في حالِ تعرضِها للتحرشِ الجنسيِ, وتتضمنُ هذه المراكز لجاناً تقوم بالتحقيق الجديِّ والفاعلِ, وتحرصُ على عدمِ التهاونِ في أي بلاغٍ يصلُها. والتركيز على الدورِ الجوهريِ والأساسيِ للمؤسساتِ الإعلاميةِ, المرئيةِ والمكتوبةِ والمسموعةِ من خلالِ القيامِ بحملاتِ التوعيةِ, وإجراء تحقيقاتٍ ومقابلاتٍ داخل أماكن العمل, يكون هدفُها تحديد مقاييسِ حالات التحرش الجنسي ومعاييرِه, والتأكيد على شرحها وإحصائها وعرض حالات حيّة عنها. وضرورة تدخّل القضاء واعتبار التحرش الجنسي بالمرأة العاملة وغير العاملة جريمة يجب أن يُعاقبَ مرتكبُها.
فكما كلنا نعلم أن للمرأةِ دورٌ جوهريٌ يقومُ عليه المجتمعُ, فبها يرتقي ويسمو. فهي الأنثى صانعةُ الرجالِ, وكونُ الأجيالِ, وملهمةُ العقولِ. وصلاحُ الرجلِ فيه صلاحُ المرأةِ, وصلاحُها صلاحُ المجتمع.، فما أحوجَنا اليومَ إلى زلزلةٍ فكريةٍ وثقافيةٍ واجتماعيةٍ من شأنِها أن تغيرَ الطبائعَ كي يتمَّ إصلاحُ المجتمعِ. نحن في أمسِّ الحاجةِ إلى تسخيرِ طاقاتِ الجنسينِ كي ننهضَ بمجتمعاتِنا وأوطانِنِا ونقضيَ من خلالِها على الخيوطِ السامةِ والآفاتِ الاجتماعيةِ التي تحدُّ من تطورِنا وازدهارِنا.
إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت ، وما توفيقى إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب وعلى الله قصد السبيل